إعادة الإعمار في سورية... فلنؤسس العملية على أسس علمية
تعاني البلاد من التركة الثقيلة التي تركتها وراءها سلطة بشار الأسد على مختلف الصعد، وخاصة على الصعيد الاقتصادي-الاجتماعي؛ لدينا بنية تحتية مدمرة بنسبٍ كبيرة، وكفاءات بشرية ما تزال خارج البلاد، وليس من الواضح متى ستبدأ بالعودة الفعلية إليها. لدينا مؤسسات مهلهلة، وتقسيم أمر واقعٍ بالمعنى الاقتصادي ما يزال قائماً، ولدينا فوق ذلك كله عقوبات هي بين الأشد في التاريخ، ما تزال مستمرة، وليس واضحاً إنْ كان سيجري رفعها في أي وقتٍ قريب، خاصة منها العقوبات الأمريكية... ولدينا تفاوتٌ مرعبٌ في توزيع الثروة يضع أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر.
رغم ذلك كله، فإن النهوض بالبلاد من جديد هو أمرٌ ممكن لثلاثة أسباب أساسية:
أولاً: نعيش اليوم في ظل توازن دولي جديد لا يسود ضمنه قطبٌ واحدٌ يفرض ما يريد على من يريد. وهذا يعني ضمناً أن لدينا كشعب وكدولة هوامش للمناورة وللاختيار وفق ما يناسب مصالحنا الوطنية.
ثانياً: لدى سورية إمكانات وثروات يمكن الاستناد إليها في عملية التراكم الأولي المطلوبة، حتى وإنْ لم تكن إمكانات ضخمة، لكنها إمكانات بينها ما هو نوعي ويمكن أن يحقق نسب عائدية عالية تسمح بقفزات سريعة نسبياً في النمو والتنمية.
ثالثاً: لدينا أيضاً كفاءات بشرية مهمة، داخل وخارج البلاد، يمكن دمجها في عملية إعادة إقلاع الاقتصاد ومن ثم إعادة الإعمار بشكلٍ تدريجي، وسريع.
دراسة تجارب إعادة الإعمار
من الحكمة والتعقل، ونحن أمام امتحان إعادة إقلاع الاقتصاد، ومن ثم إعادة الإعمار، أن ندرس تجارب دولٍ أخرى مرت بظروف مشابهة؛ ليس لنستنسخ تلك التجارب، وإنما لنأخذ منها المفيد ونتجنب الضار.
في هذا السياق، ورغم أن إعادة الإعمار لم تبدأ بعد، ولن تبدأ قبل أن يُعاد إقلاع الاقتصاد الوطني عبر الوصول إلى السوق الوطنية الواحدة، وهذا أمرٌ سياسي بالدرجة الأولى، فإن الترويج الإعلامي لنماذج محددة بما يخص إعادة الإعمار، قد بدأ بالفعل؛ ونقصد على الخصوص الترويج لتلك التجارب التي صاغها صندوق النقد والبنك الدوليين، وبكلمة: التجارب التي صاغتها الولايات المتحدة الأمريكية.
والعجيب في الترويج لهذه النماذج، أن من يروجون لها يدّعون أنهم يريدون لسورية أن تكون مستقلة اقتصادياً وسياسياً، في الوقت نفسه الذي يروجون فيه بالضبط للوصفة التي من شأنها أن تحول البلاد تابعاً ذليلاً للأمريكي، وأن تمنع إعادة إعمار حقيقية فيها، وأن تُبقي عوامل الانفجار فيها موجودةً بشكلٍ مستمر.
كي لا يبقى الكلام عاماً ونظرياً، وكي تتم مواجهة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة والرقم بالرقم، من المفيد أن نعيد إلقاء الضوء على دراسة مطولة نشرتها قاسيون عام 2015، للباحث سامر سلامة، عرض من خلالها دراسات متعددة حول نماذج إعادة الإعمار في خمسة بلدان هي: (الكونغو، أفغانستان، العراق، لبنان، كوسوفو)، وكذلك مقالتين للباحثة عشتار محمود منشورتين في قاسيون عام 2016 حول إعادة الإعمار في ألمانيا، ومقالتين للباحثة ديمة كتيلة حول إعادة الإعمار في الاتحاد السوفييتي.
روابط الدراسة والمقالات:
تجربة الكونغو وعقدة جهاز الدولة
خطة مارشال أفغانستان... تكييف الاقتصاد مع الغزو
أفغانستان: المساعدات.. طفرة النمو وشروط الدول المانحة
صراع المنظمات غير الحكومية والسلطات الأفغانية
العراق: الحصار مقدمة الانهيار الكبير
إعمار العراق في ذمة البنتاغون و(USAID)
العراق: تدمير وخصخصة جهاز الدولة
العراق: فضيحة فساد تاريخية برعاية أمريكية
التجربة اللبنانية: الرياح الدولية تفرض شروطها
لبنان: بين الإعمار والتنمية... مصلحة من؟
التجربة اللبنانية: الاقتصاد السياسي لفساد ديمقراطية المكونات
تجربة كوسوفو بين اللبرلة وصراع المؤسسات الدولية
كوسوفو... (السلام الليبرالي) و(ديمقراطية) الناتو
هل كانت (معجزة ألمانية)؟
هل المعجزة السورية ممكنة؟ وكيف؟
الاتحاد السوفييتي... الخطة الوطنية والمركزة في الصناعة
هل انتهت حقبة (السلام الليبرالي)؟
ستقوم قاسيون في الأعداد اللاحقة، وبالتتابع، بنشر تلخيص مكثف عن هذه المقالات والخلاصات التي توصلت إليها، للإسهام في الأرضية المعرفية الضرورية لبناء الخطوات اللاحقة ضمن الاقتصاد الوطني، وبما يضمن أعلى استقلالية وطنية في العلاقة مع الخارج، وبما يسمح ببناء اقتصاد وطني عالي الإنتاجية، عميق العدالة وعالي النمو...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1215