ملف إعادة إعمار سورية (6): إعمار العراق في ذمة البنتاغون و(USAID)!

ملف إعادة إعمار سورية (6): إعمار العراق في ذمة البنتاغون و(USAID)!

كنا مهدنا في الحلقة السابقة، لفكرة خضوع عملية إعادة الإعمار في العراق بمفاصلها الرئيسية، للإدارة الأمريكية عبر هيمنة البنتاغون على قطاع النفط بشكل مباشر، وتعهيد باقي الأنشطة فيما تبقى من اقتصاد البلاد للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية و(USAID) والتي ستكون محور مقالتنا في هذا العدد.

طوال عام 2002 العام السابق لغزو العراق انهمكت وزارة الدفاع الأمريكية في إعداد خطة لإدارة و(إعادة إعمار العراق) ما بعد الحرب، حيث كان للبنتاغون وللوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وهي إحدى أهم المنظمات غير الحكومية، الدور الأكبر فيها، وذلك وفق ما جاء في تقرير (دروس قاسية من تجربة إعادة إعمار العراق) المنشور في عام 2009.


برامج لمؤسسات دولية!

ووفقاً للتقرير، ستتولى (USAID) مسؤولية معظم القطاعات، من بينها الصحة والمياه والصرف الصحي، والكهرباء والتعليم، النقل، الاتصالات، الزراعة، التنمية الريفية. أما النفط فقد عهد أمره إلى البنتاغون مباشرة.
إلى جانب إعادة الإعمار المادية، خططت (USAID) لما وصفه التقرير بـ:(تشجيع (التجديد) الاقتصادي  عن طريق تعزيز القطاع الخاص في العراق، وتحسين النظام المصرفي، وتحديث اقتصاد العراق الزراعي، وكان من بين الأهداف الأولية، إقامة نظام قانوني ملائم للمشاريع الخاصة القادرة مع الوقت، أن تجعل العراق بلداً ذا قدرات تنافسية في الأسواق العالمية)! ليس صدفة أن تبدو ملامح ومفردات الخطة متشابهةً، مع مفردات برامج الإصلاح والتكييف الهيكلي، التي يصدرها صندوق النقد الدولي، ورغم أن الخطة تحدثت عن (إصلاح البنية التحتية وإعادة الخدمات المتوفرة إلى مستويات ما قبل النزاع)، إلا أن ما ترسخ عملياً، هو سحق كل مقدرات الدولة وتثبيت هيكل ليبرالي للاقتصاد العراقي فكلاهما من المنشأ ذاته.


عقود مشبوهة!

ومن شباط إلى أيار 2003 منحت الوكالة ثمانية عقود كبرى بقيمة 3.1 مليار دولار، أكبر تفجر للعقود القصيرة الأمد في تاريخ الوكالة، وكانت هذه هي البداية فقط، وسرعان ما سوف تسمح الوكالة بعدد أكبر من العقود، كما ستزيد بصورة دراماتيكية قيمة العقود، ما وضعها في أزمة سيولة، فالمبلغ المخصص من الكونغرس الأمريكي لصندوق إغاثة وإعمار العراق (IRRF1) والذي أُنشئ في نيسان 2003 لم يتجاوز قيمته 2,5 مليار دولار كان 70% مخصص للوكالة.
وأعطي أكبر عقد هام لصندوق إغاثة وإعادة إعمار العراق خلال هذه المدة، إلى شركة (بكتل انترناشونال) بقيمة 680 مليون دولار، لإعادة إعمار البنى التحتية  الرئيسية، وبعد مرور خمسة أشهر زادت الوكالة قيمة عقد بكتل  إلى 1.03 مليار دولار. ونبين في الجدول التالي حصة كل جهة من الجهات الأمريكية التي تولت إدارة وإعادة إعمار العراق، بعد الغزو في (صندوق إغاثة وإعادة إعمار العراق IRRF1):


أين دقة التخطيط الأمريكي؟

لقد ثبّت التقرير أيضاً، أن التخطيط الأمريكي لهذه الخطة والذي وضع (علامات اهتداء على أساس شهر، وثلاثة أشهر، وسته أشهر، واثني عشر شهراً) في إشارة إلى درجة عالية للمتابعة، وباتصال مباشر ومستمر بين مسؤولي البيت الأبيض و(USAID)، إلّا أن ذلك لم يمنعهم من (الاستناد إلى معلومات محددة وتقديرات غير دقيقة) فهل يعقل ذلك؟! هل يعقل أن أكبر خطة إعادة إعمار في التاريخ، والتي يشرف عليها البيت الأبيض مباشرة، وتتم متابعتها شهرياً، أن تفضي إلى أسوأ فشل في التخطيط، والتنفيذ، والذي وصفته النائبة نيتا لوو، رئيسة اللجنة الفرعية للمخصصات حول العمليات الخارجية، بالتالي:
(يبدو أننا انتقلنا من بداية حذرة، إلى المطالبة بالتمويل لكل شيء، دونما خطة أو تبرير دقيق. لم تكن تقديرات التكاليف غير واقعية وحسب، بل بدا أيضاً أن كامل تجربة ما بعد الحرب قد فاجأتنا. قيل لنا أننا سنستقبل بالترحاب بأذرع مفتوحة من جانب الشعب العراقي، وأن مؤسسات الحكومة العراقية سوف يعاد تأهيلها بعد فترة انقطاع قصيرة. كانت رؤية إعادة الإعمار التي قُدّمت إلى الكونغرس آنذاك، بالنسبة للعديد منا إما ساذجة بدرجة يائسة أو غير كفؤة بصورة فاضحة)؟!


خطة البنتاغون لقطاع النفط!

بالنسبة لقطاع النفط العراقي، وضعت وزراة الدفاع الأمريكية البنتاغون يدها عليه بشكل مباشر، سواء لأطماعها الاستراتيجية، أو لقدراته في كونه رافعة مالية قادرة على تغطية تكاليف الحرب وإعادة الإعمار، وبالتالي تخفيضها عن كاهل الأمريكيين، خاصة في ظل وجود 115 مليار برميل الاحتياطي النفطي المعروف، واحتمال وجود 100 مليار برميل أخرى، وكون العراق ثالث أكبر احتياطي للنفط في العالم.
ووصل إنتاج النفط إلى 3,5 مليون برميل يومياً في تموز 1990، وانخفض إلى 2,5 مليون برميل يومياً في أوائل عام 2003. أما احتياطي الغاز الطبيعي الثابت للعراق، يبلغ 112 تريليون قدم مكعب، وهو عاشر أكبر احتياطي في العالم.


القطاع الخاص الأمريكي يستنفر...

أثارت هذه الثروة لعاب القطاع الخاص الأمريكي، بالإضافة إلى الحكومة، حيث قام البنتاغون تحت ذريعة (ضعف خبراته الحكومية في مجال إصلاح القطاع النفطي) للّجوء إلى شركة متخصصة من القطاع الخاص، فتم توقيع أول عقد هام وأكثرها إثارة للجدل في (إعادة الإعمار)، فعلى الرغم من وجود إمكانية لدى عدد من الشركات لإصلاح البنية التحتية للنفط، وقبل أسبوع واحد من غزو العراق، منح سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي شركة (كيلوغ براون اند روت) عقداً بقيمة 7 مليارات دولار لأشغال الترميمات في قطاع النفط، وكان من اللافت أن وزارة النفط العراقية كانت الوزارة الوحيدة التي نجت من الأضرار، فكانت محمية من جنود الاحتلال فور دخولهم العراق فبدت البنية التحتية للنفط كأنها خرجت من الغزو غير مصابة بأضرار، وهذا ما أكده التقرير أيضاً.
وفي أيار عام 2003 بعد الغزو، قام سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي، ومع شركة( كيلوغ براون أند روت)، ووزارة النفط العراقية، بعملية مسح للبنية التحتية للنفط في العراق، حيث قُدرت أضرار قطاع النفط بصورة تقريبية بـ 457 مليون دولار نتيجة الحرب وبـ 943 مليون دولار جراء السلب والنهب لما بعد الحرب، وقدرت متطلبات تمويل إعادة الإعمار في هذا القطاع بحدود 1,7 مليار  دولار، لكن سلاح الهندسة نصح بأن هذا الرقم قد يتغيّر بنسبة تصل إلى 40 %، وهذه المبالغ أقل بكثير من تكلفة عقد الشركة البالغ 7 مليارات دولار!.


عودة الإنتاج تدريجياً

أما في حزيران 2003، قدر الخبراء الأمريكيون، أن العراق قد يصبح قادراً خلال سنة واحدة، على إنتاج ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً،(ارتفع الإنتاج خلال حزيران وتموز، ووصل إلى 1,3 مليون برميل يومياً في نهاية آب 2003 بنهاية تشرين الأول/أكتوبر)، وكانت البلاد تضخ أكثر بقليل من مليوني برميل من النفط يومياً وتصدّر أكثر من نصف هذه الكمية. وخلال الأشهر الخمسة الأولى التي تلت عمليات الغزو، كسب العراق حوالي 2,6 مليار دولار من إيرادات تصدير النفط، وأودعها في صندوق تنمية العراق لاستعمالها من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة.
وفي تموز 2003، وضعت استراتيجية، عرفت باسم «خطة تأهيل البنية التحتية للنفط في العراق»، 220 مشروعاً موزعة بين نشاطات «المشتريات فقط» (للحصول على المواد) وعقود «هندسة - تجهيز- إنشاء» (للتصميم والإنشاء)، وقد استهلكت نشاطات المشتريات فقط معظم التمويل المتوفر.

من هي (USAID)؟!

هي واحدة من المنظمات غير الحكومية الأمريكية (NGO’S)، حيث أدارت هذه الوكالة في سنة 2007 حوالي 7.5 مليار دولار في برنامج المساعدات الخارجية، وعمل موظفيها البالغ عددهم 2000، ومقاوليها البالغ عددهم 5000 في أكثر من 100 بلد نام حول العالم، وعلى الرغم من ذلك رأى العديد ممن كانوا في الحكومة، بأن الوكالة لاعب صغير يدير مشاريع صغيرة، وبالرغم من افتقارها النسبي إلى القدرات، فقد تحولت الوكالة تدريجياً إلى لاعب أساسي في أواخر 2002، وهي تخطط لعراق ما بعد الحرب.


هوامش
عناوين المراجع والدراسات:
• إعادة إعمار العراق الفرص والتحديات للباحث م.د محمد موسى علي المعموري. مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية عام 2007 مجلد رقم 13 العدد 45.
•  LEARNING FROM IRAQ-MARCH 2013, A FINAL REPORT FROM THE SPECIAL INSPECTOR GENERAL FOR IRAQ RECONSTRUCTION
• HARD LESSONS: THE IRAQ RECONSTRUCTION EXPERIENCE, FEBREAUARY 2009