ملف إعادة إعمار سورية (8): العراق: فضيحة فساد تاريخية برعاية أمريكية

ملف إعادة إعمار سورية (8): العراق: فضيحة فساد تاريخية برعاية أمريكية

منذ أيام قليلة فقط سربت بعض وسائل الإعلام عن مصادر أمريكية أن ثروة المسؤوليين العراقيين في مرحلة إعادة الإعمار بلغت حوالي 700 مليار دولار، فيما تحدثت تقارير عن نهب وفساد بلغ حوالي 1000 مليار دولار خلال العقد الفائت المرافق لمرحلة الغزو الأمريكي، وبغض النظر عن الغايات السياسية لهذه التسريبات في هذه اللحظة من تاريخ العراق، إلا أن ذلك دليلاً دامغاً على ضخامة مستويات الفساد في عملية إعادة الاعمار التي أشرفت على كل تفاصيلها الولايات المتحدة، وهو ما سنسلط الضوء عليه في آخر مقالاتنا عن التجربة العراقية.

فاقت عملية إعادة إعمار العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 كل التصورات، حيث كلفت الحرب800 مليار دولار، وفق تقرير المفتش العام الأمريكي المتخصص في إعادة إعمار العراق (ستيورات بوين) في تقريره عام 2013، منها 220 مليار دولار مخصصة لإعادة الإعمار من جهات مختلفة، وهي تكلفة تاريخية تفوق حجم الكلفة التي شهدتها ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.


التعهدات الأمريكية!

الاستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بإعادة إعمار العراق حددت مجموعة من المهام اللازمة لإعادة الإعمار بالاستناد لرؤيا (مستقبل) العراق ما بعد الصراع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتي ادعت أنها ستعمل على إعادة المرافق والخدمات العراقية إلى مستوى محسن كما كان قبل الغزو، وحددت سلطة الائتلاف المؤقتة التي تولت مهمة إعادة الإعمار خلال الفترة 2003-2004 العمل على توفير الظروف لقيام حكومة عراقية حرة ديمقراطية ونصت الوثيقة على خمسة أسس جوهرية على سلطة الائتلاف أن توفرها لدعم العراق خلال تحوله الديمقراطي: الأمن –الخدمات الأساسية –المجتمع المدني – الاقتصاد – الاتصالات الاستراتيجية.
وعملت سلطة الائتلاف على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية (صندوق النقد والبنك الدولي) الذي تضمن إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي: العمل على الانتقال السريع إلى اقتصاد السوق – هيكلة مؤسسات القطاع العام – تفعيل وتطوير النظام المصرفي – تعزيز القطاع الخاص.


الأموال المنفقة على إعادة إعمار العراق

بين عامي 2003-2012 بلغ حجم الأموال المتراكمة لإعادة إعمار العراق حوالي 220 مليار دولار على الشكل التالي:
• 145،81 مليار دولار من الأموال العراقية في صندوق تنمية العراق وتشكل 66% من المبلغ الكلي .
• 60،64 مليار دولار تمويل الولايات المتحدة ويشكل 28% من المجموع الكلي.
• 13،75 مليار دولار التزامات ومساعدات وقروض دولية من غير الولايات المتحدة.
أُودع حوالي ٢٠ مليار دولار، ومعظمها من مبيعات النفط، في صندوق تنمية العراق ابتداءً من أيار/مايو ٢٠٠٣، وحتى انتقال السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقتة في حزيران/يونيو ٢٠٠٤عادلت موجودات صندوق تنمية العراق تقريباً مجموع تخصيصات صندوق إغاثة وإعادة إعمار العراق الأول والثاني الموضوعين من الولايات المتحدة، واستعملت سلطة الائتلاف المؤقتة معظم موجودات صندوق تنمية العراق لتمويل الموازنة القومية العراقية Kالتي ساندت بصورة رئيسية أعمال الوزارات، وذهب جزء أصغر من أموال صندوق تنمية العراق، وقيمته ٧ مليارات، لتمويل جهود إغاثة وإعادة إعمار صادقت عليها سلطة الائتلاف المؤقتة.


بريمر رفض الرقابة فغابت المليارات

وفقاً للتقرير النهائي الذي أعده المفتش العام الأمريكي في عام 2013، فإن سلطة الائتلاف الحامكم للعراق ما بعد الإحتلال المؤقتة: (لم تمارس رقابة ملائمة على أموال صندوق تنمية العراق المستعملة لدعم الوزارات القومية العراقية، أو مشاريع إعادة الإعمار، وأن سلطة الائتلاف المؤقتة لم تطبق أساليب الرقابة الإدارية والمالية والتعاقدية على ما يقرب من 8.8 مليار دولار من أموال صندوق تنمية العراق). كما وجد المفتش العام أنه لم يوجد )أي إثبات على أن الأموال استعملت للأغراض التي نص عليها القرار رقم ١٤٨٣ الصادر عن مجلس الأمن الدولي). ووجد المفتش العام أن: )عدم الكفاءة الشديدة والإدارة الضعيفة أثقلت كاهل إدارة سلطة الائتلاف المؤقتة في إدارة الموازنة القومية العراقية والإشراف على الأموال العراقية).
ووفقا للتقرير فقد قال المراقب المالي في البنتاغون، دوف زاخيم، أن بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق: (عارض إنشاء الهيئة الدولية لمدة طويلة) لأنه (لم يرغب في أن تقوم فئات من المدققين الدوليين والجهات الاستشارية والرقابية للعراق بالتدقيق بأعماله).
ويوضح التقرير أن سلطة الائتلاف المؤقتة لم تعين شركة لتدقيق المبالغ التي استعملتها من أموال صندوق تنمية العراق إلا في أواخر 2004 حيث بدأت عملية التدقيق هذه بعد أن وقعّت سلطة الائتلاف المؤقتة العقد  في ٥ نيسان/أبريل ٢٠٠٤ مع شركة كي بي أم جي KPMG أي بعد حوالي سنة تقريباً من إنشاء صندوق تنمية العراق وقبل أقل من ثلاثة أشهر من انتهاء سلطة الائتلاف المؤقتة.
يبين التقرير النهائي للمفتش ستيورات أنه في عام 2003 تم تخصيص 18.4 مليار دولار لصندوق إغاثة وإعادة إعمار العراق واشترط الكونغرس أن تكون هناك تقارير ربعية حول استخدام الأموال ولكن في عام 2012 لم يوجد أي مصدر موثق كامل يظهر المعلومات والبيانات عما أنجزته أموال إعادة الإعمار الأمريكية، وبالتالي ستبقى القصة الكاملة عن استخدام المليارات من الدولات غير كاملة. وعلى سبيل المثال فقد توصل التقرير إلى أن 15% من التزامات صندوق إغاثة وإعادة اعمار العراق لم تمثل في قواعد البيانات وهي (بيانات مفقودة) وتبلغ قيمة هذه الأموال حوالي 3 مليار دولار.


قطاع النفط 6 مليارات سنوياً بالحد الأدنى

وفقاً للدراسة المعنونة (الاحتلال والفساد..دراسة حالة العراق) للباحث نبيل جعفر عبد الرضا فإن: (الحكومة الأمريكية لم تستخدم إدارة سليمة في التعامل مع الموارد العراقية وأهمها النفط، فعملت على سبيل المثال على إنهاء خدمات شركة سيبولت الهولندية التي كانت مكلفة من الأمم المتحدة بمراقبة تصدير النفط أثناء برنامج النفط مقابل الغذاء، بحجة أن كلفتها عالية على الرغم من أنها لم تتجاوز 3 مليون دولار)، وأن هذه الأموال لا تمثل شيئاً مقابل المليارات من الدولارات التي يخسرها العراق بسبب غياب القياس المتري (أجهزة قياس تدفق النفط) التي تقيس استخراج النفط. حيث يخسر العراق ما بين 200-500 ألف برميل يومياً بسبب غياب عدادات القياس وهذا يكلف الاقتصاد العراقي خسائر مالية تقدر بـ 6 مليار دولار سنوياً، ويؤكد ذلك المفتش العام لوزارة النفط حيث جاء في تقرير المفتش العام في وزارة النفط العراقية عام 2011: (بعدم دقة القياس بسبب استخدام أجهزة قياس وضبط قديمة) ويبين التقرير تضخيم كلف العقود من قبل الشركات العالمية التي تعمل على تطوير حقول النفط ومنها العقد الذي أعطي لشركة هالبيرتون الأمريكية بمبلغ 7 مليار دولار، لإعادة بناء تجهيزات لصناعة النفط العراقية قبل أن تدخل القوات الأمريكية أرض العراق .

 

خلاصة:

لقد حذرت منظمة الشفافية الدولية من خلال تقاريرها من أن عملية إعادة الإعمار في العراق قد تتحول إلى أكبر فضيحة فساد في التاريخ، وبغض النظر  عن هذا التوصيف الذي هو أقل من مستوى تلك الجريمة التي كان الأمريكي أحد أسبابها، فإن تجربة إعاد الإعمار العراقية تحمل دروساً كبرى:
• لقد كان دور الحصار الدولي حاسماً في هتك مفاصل الاقتصاد العراقي وبناه التحتية واستشراء الفساد تدريجياً.
2- إن الدمار الذي جلبه الغزو والمتمثل بانهيار جهاز الدولة بشقيه المدني والعسكري، يفضي إلى وضع الاقتصاد ومرحلة إعادة الإعمار تحت الوصاية الدولية بأشكال مختلفة، وهو إحدى أشكال تكييف الاقتصاد وفق متطلبات المنظمات الدولية.
3- تعد المنظمات الدولية، والتي جسدتها منظمة التنمية الأمريكية USAID في الحالة العراقية، المنفذ الفعلي للوصاية الدولية والتي قد تأخذ أشكالاً أخرى في حالات مغايرة.
4- إن النخب السياسية المرتبطة بعملية الاحتلال وما بعدها ليست إلا جزءأً من الأدوات الأمريكية لإفساد العراق، وكان يبنغي التخلص منها، وما فضحها الأخير من مصادر أمريكية بحجم ثرواتها إلا تضليلاً أمريكياً عن أسباب نشوء هذه الظاهرة المتمثلة بالاحتلال وما سبقه.
5- إن مستويات الفساد التاريخي التي بلغتها الحالة العراقية هي جريمة بحق الإنسانية والشعب العراقي، وهي نتيجة موضوعية لتلك الظروف التي سبقتها من احتلال وتدمير ممنهج للعراق. فعن أية رقابة يتم الحديث في ظل تدمير كل مقومات وجود المؤسسات العراقية الوطنية؟!

المراجع والدراسات:

• إعادة إعمار العراق الفرص والتحديات للباحث م.د محمد موسى علي المعموري. مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية عام 2007 مجلد رقم 13 العدد 45.
• الاحتلال والفساد.. دراسة حالة العراق، نبيل جعفر عبد الرضا.
• LEARNING FROM IRAQ-MARCH 2013، A FINAL REPORT FROM THE SPECIAL INSPECTOR GENERAL FOR IRAQ RECONSTRUCTION
• HARD LESSONS: THE IRAQ RECONSTRUCTION EXPERIENCE، FEBREAUARY  2009