ملف إعادة إعمار سورية (7): العراق: تدمير وخصخصة جهاز الدولة!
لقد مهّدت فترة الحصار الغربي للعراق الطريق للغزو الأمريكي العسكري، والغزو الاقتصادي الذي استند فعلياً على إضعاف دور الدولة وإنعاش القطاع الخاص، لتسلم مهام اقتصادية متعددة، برزت بداية على شكل توزيع المواد الغذائية في برنامج النفط مقابل الغذاء، ولاحقاً اتضح الدور الأمريكي في تدمير جهاز الدولة العراقي والسيطرة على أهم مفاصل إعادة الإعمار، عبر الشركات والمؤسسات الأمريكية، والتي هيمنت على قطاع النفط أهم قطاع اقتصادي عراقي.
ستتناول المادة الحالية محدداً أساسياً حكم تجربة إعادة الإعمار العراقية نتيجة للمسار الذي فرضه الغزو الأمريكي، وما قبله، وهو: تدمير جهاز الدولة العراقي بشقيه المدني-الاقتصادي والعسكري.
نسف جهاز الدولة العسكري
أصدر بول بريمر مندوب الرئاسة الأمريكية للعراق، والذّي كُلف بقيادة ماسمي «سلطة الإئتلاف المؤقتة (CPA)» وهي سلطات حكم الاحتلال الأمريكي للعراق، ثلاثة أوامر ذات أبعاد استراتيجية قاتلة للدولة والشعب العراقي:
الأمر الأول: أسس سلطة الإئتلاف المؤقتة كسلطة احتلال.
الأمر الثاني: حظر اشتراك أعضاء حزب البعث الحاكم في الخدمة المدنية.
الأمر الثالث: حل قوات العراق العسكرية وقوات الأمن الأخرى.
بموجب أمر حل الكيانات ألغى بريمر سبع مؤسسات هي أعمدة جهاز الدولة العراقي: وزارة الدفاع، وزارة الإعلام، وزارة الدولة للشؤون العسكرية، مديرية الاستخبارات العراقية، مكتب الأمن القومي، وتم رمي كل عضو في الجيش العراقي وقوات الأمن أي حوالي 500 ألف شخص فوراً خارج العمل ودون تعويضات، وهو أمر كان مستهجناً على المستوى الشعبي رغم كل ماحدث.
الهيمنة على أموال النفط والغاز
لاحقاً أحكم بريمر سيطرته على الأموال العراقية التي جاءت من ثلاث مصادر ، وهي الأموال المكتسبة والمودعة في حسابات مجمدة في المصارف الأمريكية، والأموال المصادرة التي استعادتها سلطة الاحتلال في العراق، وعائدات النفط والغاز العائدة من برنامج الامم المتحدة «النفط مقابل الغذاء»، وأنفقت سلطات الاحتلال المؤقتة حوالي 20 مليار دولار من هذه الأموال حتى حلول نهاية ولايتها التي دامت 14 شهراً !
وفي أيار 2003 صادق مجلس الأمن على قرار إنشاء صندوق تنمية العراق (DFI) كحافظ لعائدات النفط والغاز العراقية، حيث طالب القرار بإيداع 95% من تلك الأموال في حساب الصندوق في بنك نيويورك الاحتياطي الفيدرالي.
نسف جهاز الدولة المدني والاقتصادي
كانت شركات العراق التي تملكها الدولة، البالغ عددها ١٩٢، «المصدر الوحيد للمرافق الأساسية العامة والمؤمّن الأساسي لعدد كبير من السلع والخدمات العامة والمنتجات الاستهلاكية والصناعية»، وكانت تشمل ٩٠ % من قدرة البلاد الصناعية، حيث كانت إحدى عشرة وزارة تشرف على مختلف الشركات التي تملكها الدولة، والتي كانت توظف ما يٌقدر بـ 500 ألف إنسان، أي ( قرابة ثمن القوة العاملة في البلاد).
وبعد احتلال العراق في آذار ٢٠٠٣، أقفلت معظم الشركات التي تملكها الدولة بسبب أعمال السلب والنهب، وتركت ثلاثة حروب وعَقد واحد من العقوبات الدولية هذه الشركات «برساميل منقوصة إلى حدٍ خطير، وبافتقار إلى الأصول، وبمعدات متهالكة، وبدون فعالية، مُثقلة بتكاليف إنتاج باهظة، كما كانت قد أصبحت بسبب السلب والنهب، في حالة من التدهور المادي».
«الإصلاحات» الهيكلية لعنة صندوق النقد!
أشرف بيتر ماكفرسون، مدير السياسة الاقتصادية في سلطة الاحتلال على تطبيق ما سُمي بـ»إصلاحات لأجل فتح اقتصاد العراق للسوق الحرة»، والتي ليست إلا إجراءات الإصلاح والتكييف الهيكلي التي تفرضها المنظمات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، والتي يتربع على رأسها برامج الخصخصة وبيع القطاع العام.
لم يختلف أحدٌ من أركان سلطة الاحتلال بمن فيهم من شاركو فيها من عراقيين على هذه الإجراءات، لكن الخلافات دارت على مدى سرعة تطبيقها، إلا أنها حسمت سريعاً لصالح رؤية ماكفرسون الذي كان يرى أنه (كلما كانت الإصلاحات مبكرة، كلما كان حصول النمو الاقتصادي أسرع). وصبت جهود ماكفرسون وفريقه الاقتصادي على الشركات التي تملكها الدولة والنظام المصرفي للبلاد.
ورغم أن بعض كبار مستشاري سلطة الاحتلال المؤقتة، أصرّوا على الحصول فوراً على مزيد من الأموال المخصصة لهذه الشركات، التي رأوا أنها حيوية بالنسبة للاقتصاد العراقي، إلا أن ماكفرسون الذي كان يرى في هذه الشركات بقايا من «اقتصاد صدام» القائم على الدولة، رفض إنفاق أموال إضافية عليها، وطالب ماكفرسون الإثبات بأن دعم هذه الشركات سوف يُحَفّز الاقتصاد وسوف يخلق، مع الوقت، شركات قابلة للحياة.
أما بالنسبة للحسابات المصرفية للشركات التي تملكها الدولة، فقد اتخذ ماكفرسون قراراً مثيراً للجدل في تموز/يوليو، أي عندما بدأ أكبر مصرفين حكوميين فتح فروع لهما، وهو تجميد كافة حسابات الإيداع لتلك الشركات في هذين المصرفين .منع هذا القرار الشركات بمفردها من السحب من هذه الحسابات لشراء المواد، وإجراء التحسينات الرأسمالية اللازمة، أو دفع الديون.
نخب الاحتلال تنحاز للخصخصة
ورأى ماكفرسون وبموافقة من بريمر (أن العديد من الشركات التي تملكها الدولة لن تستطيع الاستمرار دون مساعدات مالية هائلة)، وأنه يريد فقط تمويل (تلك التي يمكن أن تستخدم أموال سلطة «الائتلاف» المؤقتة بصورة عملية).
ويلخص موقف علي بابان وزير التخطيط في الحكومة العراقية في 2006 موقف النخب العراقية المؤيدة للخصخصة، تحت ذرائع شتى بالقول: (الفساد مرض مستشر ومرتبط بالعديد من أوجة الحكومة كما في المجتمع وقد أصبح الآن ظاهرة اجتماعية منتشرة من أدنى المراتب والطبقات، وحتى أعلى المراكز في الحكومة.... لهذا السبب لا نرى علاجا سوى بالخصخصة)!
أصوات معترضة!
ألحّ تيموثي كارني، المستشار الأول لسلطة الائتلاف المؤقتة لدى وزارة الصناعة والمعادن، والذي أشرف على عدد من الشركات التي تملكها الدولة، على أنه يجب أن يكون للعراقيين دور في هذا القرار الاقتصادي الهام، ففي مذكرة بتاريخ ١٥ حزيران/يونيو ٢٠٠٧ أرسلها إلى ماكفرسون، حذّر كارني من أن السياسة المقترحة بالنسبة للشركات التي تملكها الدولة “تُعرض أصول الشعب العراق لملخاطر، واعتُمدت دون مشاركة عراقية كافية».
كما انتقد د. سامي العراجي، المهندس الميكانيكي المتدرب في أمريكا الذي كان يعمل لدى وزارة الصناعة والمعادن، السياسة التي اعتمدت حيال الشركات التي تملكها الدولة لأنه كان يعتقد أن هذه الشركات (كانت قادرة على دعم أعمال إعادة الإعمار في قطاعات الكهرباء والنفط والصحة والمياه والمجاري الصحية).
عناوين المراجع والدراسات:
• إعادة إعمار العراق الفرص والتحديات للباحث م.د محمد موسى علي المعموري. مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية عام 2007 مجلد رقم 13 العدد 45.
• الاحتلال والفساد.. دراسة حالة العراق، نبيل جعفر عبد الرضا.
• LEARNING FROM IRAQ-MARCH 2013، A FINAL REPORT FROM THE SPECIAL INSPECTOR GENERAL FOR IRAQ RECONSTRUCTION
• HARD LESSONS: THE IRAQ RECONSTRUCTION EXPERIENCE، FEBREAUARY 2009