هل (المعجزة السورية) ممكنة؟ وكيف؟

هل (المعجزة السورية) ممكنة؟ وكيف؟

خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الثانية خاسرة ومدمرة، ولكنها خلال عشرة سنوات في الخمسينيات عادت لتكون القوة الاقتصادية الأهم في أوروبا، وعملتها العملة الدولية الثانية بعد الدولار الأمريكي.. حتى أن الجميع يسمي إعادة إعمار ألمانيا (المعجزة الألمانية)..

 

فلماذا لا نتعلم من تجربة ألمانيا، علّنا نحقق (معجزة سورية) في مرحلة إعادة الإعمار؟! لمعرفة أسرار الإعجاز الألماني، كان لا بد من دراسة التجربة، وقد قدمت قاسيون خلال عددين خلاصات من تجربة ألمانيا وخطة مارشال الأمريكية التي استهدفت إعادة بناء أوروبا عموماً، وألمانيا تحديداً، حيث يمكن استخلاص مايلي: 

• كانت ألمانيا اقتصادياً قبل الحرب مركزاً رأسمالياً ذا صناعة ثقيلة، وخرجت هذه الصناعة من الحرب غير مدمرة، وكانت جاهزة لتستفيد من فرصة انخفاض التكاليف التي تتيحها الحرب، وبالتالي كانت تمتلك عناصر جذب للمال العالمي ليستثمر في تطوير وتوسيع صناعتها بشكل كبير. وقامت الدولة الألمانية بضمان تخفيض التكاليف على الصناعة، وتوسع بشكل كبير دور جهاز الدولة في النشاط الاقتصادي الصناعي، وفي الإنفاق الاجتماعي.

• سياسياً أرادت الولايات المتحدة أن تحقق ألمانيا الغربية (انتصارات إعمارية) وأن تكون قلب الصناعة الثقيلة الأوروبية، وأن ترتبط مع الغرب الأمريكي بشكل عميق، وتبتعد عن الشرق السوفييتي بشكل قاطع. وهذا يفسر لماذا لم تقم أمريكا بإعاقة إعادة إعمار ألمانيا، كما فعلت لاحقاً في باقي دول الجنوب التي كانت الولايات المتحدة هي عرّاب إعمارها. وقد نشرت «قاسيون» ملفات بحثية حول هذا الأمر سابقاً.

• قامت الولايات المتحدة بمشابكة رأس المال الألماني والأمريكي، وحصلت على حصة هامة من ربح الصناعة، الذي تضاعف مرتين ونصف خلال عشرة أعوام فقط، ولتضمن تسارع هذا الربح، فرضت إلغاء الديون الألمانية، وقبول انفتاح الدول الأوروبية على التجارة مع ألمانيا.

استطاعت الولايات المتحدة أن تقوم بذلك لأنها المنتصر الأكبر بعد الحرب، ولديها الدولار كعملة تداول عالمية، بينما كانت العملات الأوروبية تترنح بعد الحرب، وكانت (المعجزة الألمانية) تعبيراً عن تغير ميزان القوى الدولي لصالح الأمريكيين، حيث نجحوا بجعلها نموذجاً لإعادة الإعمار ليبرالياً..!

فأين سورية من كل هذا اليوم؟!

في ضوء التجربة الألمانية السابقة، تحتاج سورية الآن إلى استثمارات هامة في القطاعات الريادية والصناعية تحديداً، وإلى جهاز دولة قوي يدعم هذه الصناعة ويشارك فيها، ويخفض تكاليفها، ويقوم بإنفاق اجتماعي كبير.

ولكن إذا تركنا الأمر لليبراليين، أي لقوى السوق والمستثمرين في هذه اللحظة فهل سيفعلون ذلك؟! هل سيكررون التجربة الألمانية؟! بالطبع لا، سيقومون باستثمار أموالهم في القطاعات سريعة الربح- والصناعة ليست إحداها في سورية- وسيعملون على تهميش دور الدولة الاقتصادي كي لا تنافسهم، كما فعلوا قبل الأزمة، فلا تخفيض تكاليف إنتاج ولا إنفاق اجتماعي!..

سورية لديها خيار وحيد، أن تقوم الدولة بتخطيط عملية إعادة إعمار البلاد، وأن تنظم إنفاق الموارد، وألا تترك الأمر لقوى السوق لتحدد الخيارات، وفي هذا الطريق الوحيد تحد كبير لقوى المال والليبرالية.

هل لدى خيارنا الوحيد بالتحكم بالموارد وتنظيمها، فرصة بالنجاح؟!

أجل لديه الفرصة، لأن سورية تشبه ألمانيا بأمر واحد، وهو أن إعادة إعمارها تأتي في لحظة تتغير فيها كفة ميزان القوى الدولي، وبسرعة، لمصلحة القوى الصاعدة التي تريد وقف منهج الحرب الأمريكي، وتريد أن تدعم نموذج استقرار، لا نموذج فوضى كما في تجارب الإعمار السابقة في (العصر الليبرالي)..

العالم يتغير، وقوى الدمار والنهب تتراجع، ولدى سورية الفرصة لتجد من يدعم نموذج إعمارها، الذي سيكون نجاحه مشروطاً، بلجم فوضى السوق، وتقليص حصتها من الربح لأقصى حد، وتنظيم دقيق لكل ليرة ستنفق في إعادة الإعمار، لحل المهمات الكبرى الموضوعة أمام الشعب السوري في المستقبل القريب.

مادة موسعة عن الموضوع منشورة في موقع جريدة قاسيون - إضغط هنا