د.محمد المعوش
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
القول بأن المرحلة الراهنة «نوعية» في تاريخ البشرية هو مشتق من طبيعة الانتقال الذي يحصل، والذي بدأ يسلك طريقه إلى الوعي شيئاً فشيئاً. الانتقال الذي يجري توصيفه، لدى أكثر القوى تفاؤلاً، بأنه نحو «تعدد الأقطاب»، ولكنه أكثر من ذلك بكونه انتقالاً للبشرية من حالة حضارية إلى أخرى، وحسب إنجلز، من مرحلة ما قبل التاريخ إلى التاريخ، وهذا يفترض خصوصيات، منها نوع الوعي الانتقالي كتعميم للوعي «الاستباقي-النظري» في التاريخ.
ليست المرحلة بعادية، وما تحمله من مضامين تاريخية ستكشف عن نفسها شيئاً فشيئاً، وبالنسبة للبعض من أصحاب العقل اللا تاريخيّ هي «استمراريّة تكرارية»، وللبعض الآخر من أصحاب العقل الفاعل هي «جديدة» ولكن ضمن حدود (هي حدود موقعه المحدود التجريبي)، أما بالنسبة لأصحاب العقل التحويلي الجذري الشامل فهي نوعية ضمن التاريخ البشري كلّه. في هذه المادة سنعالج قضية «تشامل» المرحلة ودلالتها التاريخية والسياسية-البرنامجية.
هل استنفذنا فعلاً مضمون طوفان الأقصى وما تلاه من أحداث حتى اليوم كميدان اختبار لفرضيات ما يتطور عالمياً وتحديداً حول ما تحتاجه المرحلة من تطوير للمشروع التحرّري للإنسانية. والظاهرة التي تستحق الانتباه ألا وهي تقدُّم الحدث نفسه في جانبه غير الرسمي عن البنية السياسية الثقافية الاجتماعية القائمة، إن كان في جانبها المتراجع (وهذا ضروري) أو في جانبها المتقدم الصاعد كذلك. في هذه المادة سنحاول الإشارة إلى هذه المسافة بين مستوى التطوّر الاحتمالي ومستوى التطور المحقّق فعلاً.
تضمنت المادة السابقة نقاشاً حول التناسب بين المستوى الموضوعي والذاتي، فارتفاع وزن حدث ما وتأثيره على تغيير المشهد العالمي لا ينحصر فقط بالمستوى الموضوعي، فطبيعة المرحلة تفرض أيضاً أن أي حدث «ذاتي» له ذات الوزن الكبير في التأثير، إذا ما عكس فيه ضرورات المرحلة وتكثيف الصراع. والمادة الحالية هي استكمال للمادة السابقة، وتوضيح لها من خلال بعض الأمثلة.
كل فعل هادف وواع بهدفه يستبقه ويتخلّله تصوّر وتقييم للواقع الذي ستتحق فيه عملية تحقيق الهدف. وفي الأهداف التاريخية الكبرى، كالثورات، تكون عملية التقييم تلك عالية الدقة. مثلاً، في خطأ حسابات الفاعلين في كومونة باريس، حسب ماركس، إنهم لم يهجموا كفاية. أما في حسابات لينين عن الثورة في روسيا فكانت شديدة الدقة وتحديداً حسابه للحلقة الأضعف في النظام العالمي، وكذلك حسابه للصلح مع ألمانيا وفي توقيت القبض على السلطة. فما بالنا اليوم؟ كيف هو هذا الحساب، في مرحلة عالية الترابط وشديدة التعقيد. وهنا نقاش لجانب واحد هو عامل اختراق جدار التوازن وتوليف المتناقضات.
إذا كانت مقولة لينين: «وقد تمر أيام تختزن في طياتها عقوداً» مناسبة للمرحلة الأخيرة من عمر اشتداد الأزمة الرأسمالية بشكل عام، فهي ولا شك تصحّ على الأيام والأسابيع الأخيرة بالتحديد بعد عملية طوفان الأقصى، فهي تكثيف لما هو مكثّف أساساً. ولهذا فإن مادتها غنيّة ومعقّدة وتؤكد الكثير من الخلاصات السابقة التي تفتتح المرحلة القادمة. وهنا سنحاول مرة جديدة اختبار هذه الخلاصات (وتطويرها في آن) في حقل الحدث المشتعل.
كانت إحدى مساهمات غرامشي الأساسية هي نمذجة دينامية الصراع السياسي، مستخدماً بذلك مصطلحات الفن العسكري، ما سمح بتقديم مخطوطة واضحة اللغة والمتغيرات وخطة العمل وميادين الصراع. ونجد عنده مثلاً مقولات حرب الحركة وحرب المواقع، القلاع، الخنادق والحصار في توصيفه للصراع السياسي والعلاقات بين البنى الفوقية والتحتية للمجتمع، والعلاقة بين عناصر كل بنية على حدة. وهذه النمذجة ضرورية من أجل تجريد الصورة العامة لما هو عليه «مسرح العمليات الحربية» السياسي ضمن السياق التاريخي الملموس. هذه المادة تشير إلى ضرورة تطوير هذه النمذجة ربطاً بالجديد التاريخي في عصر الليبرالية الفردانية.
حازت وسائل تثبيت الهيمنة الجديدة الكثير والكثير من التحليل خلال العقود الماضية، وتحديداً الفضائيات ولاحقاً الإنترنت ووسائل التواصل وكل أشكال الوسائط التي صارت تعمل على مدار الساعة وحسب مقياس زمني سريع ازداد طرداً مع اشتداد حاجة القوى المسيطرة لقصف العقل بشكل مستمر من أجل لجم الوعي ارتباطاً بحجم التوتر في النظام. ولكن، وكما كل ظاهرة، فهي تحمل إمكانات التطور باتجاهات متناقضة. وفي هذه المادة سنشير سريعاً إلى الإمكانات في فضاء الهيمنة على الوعي واحتمالات بلورة النقيض.
الكثير من الدم الفلسطيني (واللبناني والسوري) المراق بين الركام والدمار، وعلى النقيض منه، كبيرة هي شحنة القوة التاريخية للمقاومة، وعجز العدو وخسائره الإستراتيجية، وفي طيات الحدث الكثير من المعاني الجديدة. في متابعة لسردية و»لغة» تناول الأحداث التي تلت انطلاق عملية طوفان الأقصى، يمكن تلمس عملية تحول (وإن كانت في ملامحها الأولى) في هذه اللغة وهذه السردية من قبل مختلف القوى الفاعلة نظرياً وعملياً. وفي قلب هذا التحول نجد ملامح المرحلة التاريخية وضرورتها. وهنا إشارة إليه وإلى بعض دلالاته التاريخية.
عندما نستحضر المشاريع النقيضة المطروحة اليوم في مواجهة وصول الحضارة الرأسمالية إلى نهايتها يلفتنا الغياب العملي لموضوع المواجهة، ألا وهو الإنسان. طبعاً إن الدفاع عن مصير البشرية في وجه الدمار النووي والجوع والنهب الإمبريالي وتدمير الطبيعة يصب كله في مصير الحفاظ على الإنسان كنوع (جموع) بيولوجي، ولكن ماذا عن الإنسان كفرد وكعاقل؟ في هذه المادة سنعيد الإشارة إلى بعض أفكار تحرير الإنسان وكيف أن غيابها كـ»بدهيات» دليل على الخضوع للاغتراب وهيمنة التشييء وتأثيرها على المشاريع النقيضة، أو على الأقل، عدم جهوزية هذه المشاريع للصراع في ضرورته التاريخية.