د.محمد المعوش
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
في هذه المادة سنعيد الإشارة إلى بعض الأفكار حول تحوّل عملية الممارسة الهيمنية في لحظة الرشوة الكبرى، كضرورة في تعرية صنمية اليوم، وصياغة مضمون المشروع الحضاري النقيض. فتحرير مضمون هذا المشروع يمر بالضرورة في كسر تلك الصنمية، ولو أن هذه الصنمية اليوم تشهد أزمة وتعطّل في وظيفتها كآسر للحياة الروحية والإنسان، كشيء فوق الإنسان، مخضعة إياه، وفي خضوعه لها يجمِّد حركته وإبداعه، ويموت كإنسان مصدر الفعالية.
من الآراء التي تدعم قضية الانتقال الحضاري تعود لبعض المفكرين من موقع الاشتراكية من الجيل الثالث في الغرب الذي بدأ مبكراً يعيش أمراض الليبرالية الفردانية الاستهلاكية. وتحديداً منذ الرشوة الكبرى في منتصف القرن الماضي. في هذه المادة سنعرض الخط الحاكم لهذه الآراء وما تحمله من تطور بعد عقود من الإفراط في النمط الفرداني وأمراضه ضمن إحداثيات المرحلة الراهنة. والخط الحاكم هو ما يمكن أن نسمّيه «الدورات الروحية التاريخية».
في المادتين السابقتين أشرنا إلى ضرورة تشكيل إطار أممي يحمل طرحاً يجيب عن أسئلة الانتقال الحضاري النقيض رداً على الأزمة الحضارية للرأسمالية على أساس الاستهلاك والفردانية المنحدرة نحو البربرية. وضرورته اليوم ليس فقط بسبب التشابك والتقارب الكبير في نمط الحياة (على قاعدة اقتصاد السوق والإنتاج البضاعي المفرط) والمهام عالمياً (على قاعدة أمراض وتناقضات نمط الحياة المهيمن)، بل أيضاً بسبب قدرته على تعويض تجفيف العنصر البشري الذي يسمح بتشكيل نواة المشروع النقيض وتجميع العناصر الحية واسعة التشتت على قاعدة العولمة وتداعياتها (عالمية سوق العمل والتهجير القسري). وهذه المادة استكمال مع أمثلة مباشرة.
في المادة السابقة تمت الإشارة إلى مهمة سياسية ليست بجديدة في الشكل العام، ولكن مضمونها حصل عليه تحولات نوعية، انطلاقاً من التحّول في الواقع نفسه، وبالتالي حصل تحول على دورها، أو بشكل أدق ارتقاء بهذا الدور ليصير له موقع رئيسي في العملية السياسية الثورية-التقدمية. والثوري هنا مكافئ لفتح أفق مهمة حماية البشرية. ونقصد بالمهمة إطار أممي قادر على تعويض التهتك في البنى الاجتماعية في عقود العولمة والليبرالية المفرطة. وهنا استكمال لهذه العناوين.
في كثير من المواد السابقة في قاسيون جرى استعراض جوانب من الاتجاه التاريخي العام الذي تسلكه التحولات الموضوعية (وتلك التي تحاول قوى العالم القديم تثبيتها عن وعي) في العالم، ونقصد تحديداً جانب تعطل العقل (بالمعنى الموضوعي نتيجة نمط الحياة الاستهلاكي المفرغ من المعنى والمستقبل، المهيمن عالمياً)، وما يلاقي هذا التعطل من تدمير (عبر ممارسات أيديولوجية ثقافية يومية) تمارسه قوى العالم القديم. ولكن كيف نضع أمامنا مهمة سياسية-تنظيمية عملية نابعة مما سبق؟!
قد يعتبر البعض، ونقصد أهل «اليسار» تحديداً، قضية تفتيت وتذرير المجتمع مجرد خلاصات مبالغ بها معتمدة لتبرير طرح نظري «ثوري» على الرغم من الكثير من المعطيات المباشرة حول التفتيت والتفكيك وضرب البنى والمؤسسات السياسية والاجتماعية الحديثة منها والمتكونة تاريخياً. وفي هذه المادة سوف نعود إلى غرامشي لنقاش هذه القضية من أحد جوانبها المباشرة ألا وهي المكون البشري.
القول بأن المرحلة تفترض وضع القضايا كلها على الطاولة، أي وضعها على جدول أعمال البشرية، لا تعني فقط القضايا السياسية المباشرة، أو تلك التي لها علاقة بالإنتاج والاقتصاد، أو بالعلاقة مع الطبيعة، بل أيضاً مجمل قضايا التنظيم الاجتماعي والعلاقات، والتي تتضمن بالضرورة علاقة الفردي بالعام وتنظيم الأطر الإجتماعية، ومنها قضية التربية والعائلة.
في المادتين السابقتين حاولنا أن نستعيد بعض أفكار لينين حول محاولة بناء المجتمع الجديد، وتحديداً الدور الحاسم للعنصر البشري وإشارته إلى الملامح النفسية والنظرة إلى العالم (الموقف من العمل مثلاً). وتناولنا بعض التحولات التاريخية للعنصر البشري على ضوء الهوامش الليبرالية في العقود الماضية، ما جعل العنصر البشري «سلاح دمار شامل» بيد قوى العالم القديم. في المادة الحالية نتناول بعض الظواهر من الحياة العملية لجدل التدمير-البناء.
في المادة السابقة، ومن خلال الاستفادة من بعض الدروس التاريخية المبكرة (والتي نعتقد أنها الأوضح من حيث تبلورها) للتجربة السوفييتية، حاولنا مقاربة مهمة مركزية في عملية الانتقال-البناء الحضاري (النمط لأجل الآخرين ولأجل الذات) النقيض للنمط الاستهلاكي-الفرداني (النمط لأجل الذات حصراً). القضية المركزية كانت في تحويل «المادة البشرية القديمة» مع التحول الضروري في الموقف من العالم والقدرات والمعارف والمهارات وكل النفسية الفردية. وهنا استكمال لما سبق.
ما يتعرض للاحتراق في دمشق القديمة، ليس مجرد معالم أثرية وتاريخية، بل هوية وروح مجتمع بأسره؛ فالمراحل الثلاث الأساسية في اغتيال الدول والشعوب باتت مكررة وواضحة: بدءاً من اغتيال جهاز الدولة المدني عبر «خصخصته»، أي إنهاء وظيفته الاجتماعية بالتدريج، ومن ثم اغتيال قسمه الصلب العسكري، أيضاً عبر شكل خاص من «الخصخصة» يقوم على إنهاء حصرية السلاح وتحويلها إلى «حصريات» عديدة... وبعد هاتين الخطوتين اللتين تحولان جهاز الدولة إلى حالة موت سريري، تبقى خطوة واحدة نحو الموت الكامل: سحب أجهزة التنفس، عبر قتل ذاكرة المجتمع وروحه.