افتتاحية قاسيون 1108: ما مصير الأجور مع تغيرات سعر الصرف؟
تشهد البلاد بداية موجةٍ جديدةٍ من تهاوي سعر صرف الليرة السورية، ليس واضحاً بعد إلى أين ستصل، وإلى متى ستستمر. وبالتوازي، يجري كلامٌ كثير عن رفعٍ محتملٍ للأجور.
قبل أيّ نقاشٍ تفصيلي، لا بد من التذكير، بأنّ كل تراجعٍ في سعر الصرف، وما يرافقه من تراجع في القدرة الشرائية لليرة السورية ومن ارتفاعٍ في التضخم، هو في الوقت نفسه زيادة إضافية في أرباح الناهبين، وهو اقتطاعٌ لحصة إضافية من الناتج من جيوب المنهوبين إلى جيوب الناهبين.
التذكير بهذا ضروريٌ، لأنّ هنالك من يصوّر المسألة وكأن السوريين كلهم سواءٌ في ذلك، وكلهم متضررون، وهذا غير صحيح إطلاقاً؛ هنالك من يتربحون ويكدسون الثروات من هذا الاتجاه، حتى وإنْ لم يكونوا المسببين الحصريين له. وهم مسببون ومساهمون أساسيون في تعزيزه بكل الأحوال.
إنّ بين أهم أسباب استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية، ما يلي:
أولاً: تأخر الحل السياسي، بما يعنيه ذلك من بقاء وتعمق كل عوامل الأزمة، بأبعادها الخارجية والداخلية.
ثانياً: تراجع الإنتاج المادي، الصناعي والزراعي، والذي بين أسبابه الدمار الذي طال البنية التحتية في عموم البلاد.
ثالثاً: عرقلة التبادل البضاعي والنقدي بين المناطق السورية بسبب تقسيم الأمر الواقع، وبسبب المستفيدين منه ومن «خطوط التماس» بين هذه المناطق.
رابعاً: السياسات المالية للحكومة وللمصرف المركزي، وضمناً سياسات تحديد أسعار الصرف وطرق تمويل الاستيراد، وبالدرجة الأولى طباعة العملة دون رصيد.
خامساً: العقوبات والحصار الغربي، يُكملها ويُعززها استمرار الارتباط بالدولار.
سادساً: مواصلة السّير في طريق رفع كل دعمٍ متبقٍ، الأمر الذي لا يُعمق الجوع والفقر فحسب، بل ويُعمق أزمة الإنتاج المادي بكل صنوفه.
سابعاً: استمرار وارتفاع مستويات النهب بأشكاله القديمة والمستجدة، وضمناً ما يسمى بـ«الحواجز» الموجودة في كل المناطق السورية، والتي تلعب دوراً هاماً في تقطيع السوق السورية، وفي رفع تكاليف أية بضاعة خلال نقلها، وتالياً سعرها، أي تقليل إمكانيات استهلاكها من جهة، وإمكانيات إعادة إنتاجها من جهة أخرى.
بات من المعتاد إلى حدٍ ما، أنْ تترافق موجات انخفاض سعر صرف الليرة السورية مع كلامٍ كثير حول رفع الأجور، انتهى في عدد كبير من المرات إلى لا شيء، وفي مرات قليلة إلى زيادات تكاد تكون رمزية مقارنة بزيادات الأسعار، والأخطر من ذلك، أنها زيادات من مصادر تضخمية، أي مجرد طباعة للنقود دون رصيد، سرعان ما تتبخر قيمتها الشرائية لتصبح القيمة الشرائية للأجور بعد الزيادة بأسابيع أو أشهر قليلة، أقل فعلياً من قيمتها الشرائية قبل الزيادة.
وبكل الأحوال، فإنّ هنالك كلاماً يجري عمّا هو الحد الأدنى للأجور، الذي ينبغي اعتماده في الوقت الراهن، وهنالك اقتراحات عديدة أقلها هو حوالي 850 ألف ليرة سورية شهرياً كحد أدنى للأجور، بينما الأحاديث شبه الرسمية عن الزيادات أقل من ذلك بكثير.
وفقاً لمؤشر قاسيون الربعي ولافتتاحيتها رقم 1106، فإنّ الحد الأدنى من الأجور الذي يحقق الحد الأدنى من مستوى المعيشة لأسرة من خمسة أشخاص ومعيلَين، هو مليون ومئتان وخمسون ألف ليرة سورية. وما ينبغي رفعه هو ليس الحد الأدنى للأجور فحسب، بل كامل سلم الأجور ابتداءً بالحد الأدنى وقياساً عليه.
تحقيق زيادات للأجور بهذا المقدار هو أمر ممكن وضروري، وممكن فقط عبر تمويل الزيادات من مصادر حقيقية، لا تضخمية. وللمصادر الحقيقية بابان كبيران واضحان، الأول: هو وضع اليد بشكل مباشرٍ على النهب المتراكم، سواء الموجود في البنوك أو المخبأ في الأقبية. والثاني: هو إحياء الإنتاج الحقيقي، وليس عبر الحفاظ على الدعم، أو ما تبقى من الدعم، بل وعبر تعزيزه ورفعه إلى مستويات أعلى من أي مستويات سابقة تاريخياً.
إنّ أياً من الإجراءات الجذرية المطلوبة، لن تقوم به الفئات المتشددة والناهبة، وهو يتطلب بلورة إرادة وطنية حقيقية، وهذه لا بد لها من الحل السياسي عبر التطبيق الكامل لـ 2254. وفي الطريق نحو رفع الحد الأدنى للأجور إلى الحد الأدنى لمستوى المعيشة، لا بد من إصلاحٍ نقديٍ جذريٍ، ضمن حزمة إصلاحات مالية شاملة، يكون خطوة من الخطوات الأولى باتجاه الاستقرار...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1108