ما الذي يعنيه انضمام إيران رسمياً لمسار التسوية السورية-التركية؟
يوم 22 من الشهر الماضي، نشر المحرر السياسي لقاسيون مادةً بعنوان: «ما هو موقف إيران من التسوية السورية-التركية؟». وفي تلك المادة فنّدنا الحملة الإعلامية الضخمة التي حاولت الترويج للفكرة القائلة إنّ إيران تقف موقفاً معادياً لمسار التسوية السورية-التركية.
استذكرت المادة المشار إليها التصريحات الرسمية الإيرانية منذ ما قبل قمة طهران لثلاثي أستانا التي عقدت يوم 19 تموز الماضي، ووصولاً إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال جولته على كل من لبنان وسورية وتركيا، أيام 13، 14، و17 من شهر كانون الثاني 2023.
وكذلك تناولت بالتحليل، محاور أساسية ضمن الوضع الدولي والإقليمي، تؤكد أنّ مصلحة إيران هي مع هذه التسوية وليست ضدها، وانتهينا في حينه إلى النتيجة التالية:
فلنحاول الإجابة إذاً عن السؤال التالي: لماذا يصر الإعلام على القول: «إنّ إيران منزعجة» من التسوية السورية-التركية؟
ربما الأمر متعلق بأحد العوامل التالية أو باجتماعها:
أولاً: الإيحاء المستمر برفض إيران للتسوية مع تركيا، يمنح المتشددين ضمن النظام على وجه الخصوص هوامش للعب أمام القاعدة الجماهيرية اللصيقة؛ فإذا كان من المفهوم أنّ هذه القاعدة ليست طربة للتقارب مع تركيا، إلا أنها تأمل من خلاله بتحسن الأوضاع المزرية وبانتهاء الكارثة. ولكن إذا جرى تقديم إيحاءات بأنّ إيران ضدها، فربما يشجع ذلك أجزاءً من هذه القاعدة على رفض التسوية، لكي يتم استخدام رفضهم في التوازنات الداخلية، وكذلك في ممانعة جهود الدفع باتجاه التسوية التي تبذلها أستانا.
ثانياً: هذه قَطعاً ليست المحاولة الأولى للقول إنّ روسيا وتركيا في جانب وإيران في جانب آخر مناقض ضمن ثلاثي أستانا. وذلك رغم أنّ الوقائع أثبتت كل مرة أنّ الأمر ليس كذلك، وأنه هنالك ولا شك اختلافات، ولكن هنالك أيضاً تفاهمات، وأهم من ذلك هنالك القدرة على الوصول إلى تفاهمات ورفع مستواها بشكل مستمر (والفضل الأساسي في ذلك ربما يعود لحماقة الأمريكي وعنجهيته، وعمق أزمته التي لا تسمح له بتقديم شيء لأحد). تصوير الأمر على أنّ أستانا نفسها منقسمة بين معسكرين، لا شك مفيدٌ بالنسبة للغرب. ولكن ربما هنالك ما هو أبعد من ذلك، وهو حلمٌ صهيوني على وجه الخصوص، بأن يتم بطريقة ما تحويل سكة التقارب السوري التركي، بحيث تتحول إلى مشروعٍ يرعاه الغرب، وبطبيعة الحال سيكون مشروعاً ذا اتجاه مختلف تماماً في تلك الحالة. الأكيد: أنّ أحلام الصهيوني ستضيق مع الوقت، وربما لن تتجاوز بعد زمن جداره العنصري...
لم تتأخر الوقائع عن إثبات ما ذهبنا إليه في المادة المشار إليها؛ فيوم 31 كانون الثاني، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه «تم التوصل اليوم إلى اتفاقية تهدف إلى مشاركة إيران في هذه العملية»، معتبراً أنه «من المنطق أن تكون الاتصالات القادمة المخصصة لتطبيع العلاقات التركية السورية بوساطة من روسيا وإيران».
وأضاف: «فيما يتعلق بالمواعيد والصيغ القادمة على المستوى العسكري والدبلوماسي، فإنه يتم العمل على ذلك»، مشدداً على أنه «يجب علينا أن نمضي حثيثاً للتوصل إلى نتائج ملموسة».
وكان الرئيس التركي أردوغان قد أطلق تصريحاً بالاتجاه نفسه قبل ذلك بيومين، يوم 29 كانون الثاني، قال فيه: «لتجتمع تركيا وروسيا وسورية، ويمكن أن تنضم إيران أيضاً، ولنعقد لقاءاتنا على هذا المنوال، لكي يعم الاستقرار في المنطقة، وتتخلص المنطقة من المشكلات التي تعيشها، وقد حصلنا وما زلنا نحصل وسنحصل على نتائج في هذا الصدد».
خطوة إضافية نحو الأمام
الانضمام الرسمي لإيران لمسار التسوية السورية-التركية، لا يعني بحالٍ من الأحوال أنها لم تكن جزءاً منه، بل وجزءاً رسمياً أيضاً، ابتداءً من قمة طهران نفسها. لكن مع ذلك، فإنّ هذا الانضمام بمعناه الدبلوماسي والسياسي، يقطع الشك باليقين، وينهي إلى غير رجعة الجدل الذي لا أساس له حول أنّ إيران مستبعدة من التسوية، أو أنها معادية لها.
كما أنّ هذا الانضمام يؤكد ما سبق أنْ قالته قاسيون مراراً وتكراراً، من أنّ هذه التسوية هي مشروعٌ مشتركٌ لثلاثي أستانا بأكمله، وليست مشروعاً ثنائياً روسياً تركياً كما حاول الإعلام السائد تصوير المسألة.
ما هو أكثر أهمية من إسكات الإعلام الغربي والمدعوم غربياً، بعد إعلان الانضمام الرسمي الإيراني للتسوية، هو أنّ هذا الانضمام سيعني تضييقاً إضافياً للهوامش على أولئك الذين يناورون ويحاولون الهروب من الاستحقاقات القادمة، سواء على ضفة متشددي النظام أو على ضفة متشددي المعارضة.
وهذا المسار بوصفه خطاً من خطوط الفعل الأساسية لثلاثي أستانا في إطار الارتقاء من مستوى التنسيق العسكري لمستوى التنسيق السياسي باتجاه الحل الشامل في سورية وفقاً لـ2254، يغدو أكثر أهميةً وأكثر وضوحاً حين ينظر المرء إلى تحول المجموعة المصغرة الغربية، (على الأقل مؤقتاً)، نحو مجموعة «ميني مصغرة» لا تشارك فيها لا تركيا والدول العربية التي سبق أن شاركت بانتظام بالاجتماعات المقادة أمريكياً... وهو ما عالجته مادة أخرى للمحرر السياسي لقاسيون بعنوان «هل تحولت المجموعة المصغرة إلى مجموعة ميني مصغرة؟» نشرت بتاريخ 26 كانون الثاني الماضي.
وبالمحصلة، فإنّ كل هذه المعطيات والمؤشرات، تجتمع حول نتيجة واحدة، هي أنّ هذا المسار ماضٍ إلى الأمام، وبلا هوادة، ورغم كل محاولات التعطيل والتخريب، ونحو الوصول إلى «نتائج ملموسة»...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000