افتتاحية قاسيون 1106: الفقر والجوع وبرنامج اليوم الأول

افتتاحية قاسيون 1106: الفقر والجوع وبرنامج اليوم الأول

تُعرّف الأمم المتحدة حدّي الفقر الأدنى والأعلى، (أي حدّ الجوع وحدّ الفقر)، بأنهما على التتالي: دولار في اليوم للفرد (حد الجوع)، و2.15 دولار في اليوم (حد الفقر). سعر صرف الليرة السورية اليوم أمام الدولار هو بحدود 6700 ليرة لكل دولار.

وعليه، فإنّ حدّ الجوع لأسرة من خمسة أفراد هو 150 دولاراً بالشهر، أي قرابة مليون ليرة سورية. وحدّ الفقر هو 322.5 دولار، أي 2160000 مليونان ومئة وستون ألف ليرة سورية شهرياً... للتذكير فإنّ مؤشر قاسيون الربعي، وبتاريخ 2/1/2023 قد سجّل 2.5 مليونين ونصف مليون ليرة سورية حدّاً أدنى لتكاليف معيشة أسرة من خمسة أشخاص، وهو قريب من الرقم الناتج عن طريقة حساب الأمم المتحدة، لكنه بالتأكيد أكثر دقةً لأنّه يستند ليس إلى تعريف عامٍ جامعٍ لكل الدول، بل إلى سلة استهلاك محلية تقيس أسعار مختلف السلع الأساسية التي تحتاجها الأسرة السورية.

بالنسبة للأجر الذي يوافق حدّ الفقر، فيمكن حسابه بعد إدخال نسبة الإعالة، والتي يمكن اعتبارها 2 إلى 5 في الظروف الحالية، أي في كل أسرة من خمسة أشخاص، يعمل شخصان لتأمين معيشة العائلة. في هذه الحالة، يكون الحدّ الأدنى الضروري للأجر هو 1.08 مليون وثمانين ألفاً وفقاً للأمم المتحدة، أو 1.25 مليون ومئتين وخمسين ألفاً وفقاً لمؤشر قاسيون.

الحدّ الأدنى الرسمي للأجور هو 92 ألف ليرة سورية، وحتى الحدّ الأعلى لأعلى الفئات لا يصل إلى الحدّ الأدنى المطلوب لتجنب الفقر. وعليه، فليس من الصعب الاستنتاج، أنه ليست هنالك في سورية أجورٌ تصل بأصحابها إلى مستوى الفقر، لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص. أي أنّ أصحاب الأجور جميعهم تحت خط الفقر. ومعهم بطبيعة الحال فئات واسعة من الفلاحين وأصحاب الحرف الصغيرة، ناهيك عن العمال باليومية.

نسبة السوريين الذين تحت خط الفقر الأعلى، تتجاوز 95%. عام 2010، كانت هذه النسبة قد وصلت إلى 44% قافزة من 30% عام 2005. وذلك طبعاً بفضل السياسات الليبرالية التي تم تبنيها رسمياً في ذلك العام... ما يعني أنّ الاتجاه نحو نهب الأجور ونهب قدرتها الشرائية لمصلحة أصحاب الأرباح، ليس اتجاهاً جديداً ظهر مع انفجار الأزمة عام 2011، بل هو اتجاه سابق عليها، ومسبب أساسي من مسبباتها، ولم يزده انفجار الأزمة ومعها العقوبات إلا عمقاً وكارثية.

الدستور السوري المعمول به حالياً، يقول في مادته رقم 40 الفقرة الثانية ما يلي: «لكل عاملٍ أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألّا يقل عن الحدّ الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيرها».

بالأرقام، فإنّ الدستور السوري يقول: إنّ حقّ أيّ عامل سوري، هو أن يحصل على أجر حدّه الأدنى هو 1.08 مليون ليرة (إذا اعتمدنا طريقة الأمم المتحدة في الحساب)، أو 1.25 مليون إذا اعتمدنا مؤشر قاسيون. ما يعني أنّ كل سياسة الأجور الحالية، هي سياسة مخالفة للدستور علناً، وأنه ينبغي أن تتم مضاعفة الحدّ الأدنى للأجور 11 مرة على الأقل. على أن يكون وسطي الأجور ثلاثة أضعاف الحدّ الأدنى، والحدّ الأعلى للأجور سبعة أضعاف الأدنى. أي على التوالي، ينبغي أن تكون الأجور بالشكل التالي: (الحدّ الأدنى 1.08 مليون، الحد الوسطي: 3.24 مليون، الحد الأعلى: 7.56 مليون).

تحقيق ذلك ينبغي أن يتم عبر مصادر تمويل حقيقية، وليس عبر مصادر تمويل تضخمية، لأنّ هذه الأخيرة لن تغير شيئاً من علاقة الأجور والأسعار، بل على العكس ستؤدي إلى مزيد من انخفاض القيمة الشرائية للعملة وللأجور ضمناً...

تحقيق هذا الرفع من مصادر حقيقية له بابان أساسيان: إعادة توزيع الثروة بين الأجور والأرباح لمصلحة الأجور. ويشمل ذلك الأرباح المكشوفة والمستورة، أي أرباح الفساد والمتنفذين بمختلف أشكالها. والباب الثاني: هو إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران ليعود الإنتاج الحقيقي، ويتحول إلى مصدرٍ أساسي لزيادة الأجور.

البابان كلاهما، لا يمكن الدخول إليهما إلا عبر الحل السياسي، لأنّ الحل السياسي يعني من جهة كسر العقوبات والحصار التي تساهم في منع عودة العجلة للدوران، ويعني من الجهة الأخرى خلق الإرادة السياسية الوطنية اللازمة لإعادة توزيع الثروة بين الأرباح والأجور، والتي لا وزن لها ضمن المنظومة الحالية، التي تعيش معزولة عن آلام الناس، وتستمر في تنفيذ توصيات الغربيين الاقتصادية التخريبية، وتستمر في تعميق لبرلة الاقتصاد وإضعاف إنتاجيته، وصولاً إلى دماره الكامل، ودمار البلاد معه.

تنفيذ 2254 بات المدخل الوحيد لرفع غائلة الجوع عن الشعب السوري، ولإنهاء حالة الحصار والعقوبات، ومعها حالة تقسيم الأمر الواقع، وحالة تسيد أمراء الحرب والفساد... وينبغي لهذه المؤشرات والأرقام التي أوردناها هنا، أن تكون في رأس قائمة برنامج اليوم الأول بعد الأزمة...

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1106
آخر تعديل على الإثنين, 23 كانون2/يناير 2023 12:45