افتتاحية قاسيون 1091: نذر موجة تجريف جديدة!
بعد ثبات نسبيٍ لسعر صرف الليرة السورية لعدة أشهر، بدأ هذا السعر بالانحدار خلال الأسابيع القليلة الماضية ليلامس عتبة 5000 ليرة للدولار الواحد.
وإذا كان التثبيت المؤقت الذي جرى على السعر السابق قد تمّ عبر سياسات مالية ونقدية بينها محاولات السيطرة على الكتلة النقدية المعروضة من الليرة السورية، ولم يتم على أساس رفع الكتلة الإجمالية للبضائع، أي رفع الإنتاج، ولا على أساس الابتعاد عن الدولار والاستناد إلى سلة عملات، فإنّ هذا التثبيت كان من الواضح أنه لن يستمر طويلاً، خاصة مع إجراءات الفيدرالي الأمريكي بما يخص سعر الفائدة، والتي وضعت كل الدول التابعة اقتصادياً للدولار- وبينها سورية- موضع نهبٍ مضاعف.
الخطير في المسألة، أنّ التراجع الجديد في قيمة الليرة السورية، وكما أثبتت جملة التراجعات السابقة، هو دائماً نذير شؤمٍ حول المرحلة التالية من الانهيار التي تصيب بالدرجة الأولى قدرة الأغلبية الساحقة من السوريين على تأمين أدنى الشروط التي تمكنهم من الاستمرار على قيد الحياة... ناهيك عن أنّ هذا الانحدار الجديد يأتي ضمن ظروف تأزمٍ عالمي تراجعت معه قدرة السوريين في الخارج على إرسال تحويلات هي بالأصل متواضعة جداً، ولكنّها كانت تبقي أعداداً كبيرة من السوريين في الداخل فوق حد الموت جوعاً، والآن انكمشت وتقلصت، بالإضافة إلى أنّ الارتفاع المستمر للأسعار في الداخل السوري قد قلص من القدرة الشرائية لتلك التحويلات.
الحد الأدنى لمستوى المعيشة اليوم وفقاً لمؤشر قاسيون الربعي، هو بحدود 2.2 مليون ليرة سورية شهرياً لأسرة من خمسة أفراد (أي حوالي 450 دولار)، بينما الحد الأدنى للأجور لا يزال عند حدود 93 ألف ليرة شهرياً (أي حوالي 19 دولار).
وإذا كان سعر الصرف مجرد مؤشرٍ بين مجموعة مؤشرات على ما هو قادم، فإنّ المؤشرات الأكثر دلالة هي ما جرى خلال الأشهر الماضية من تسارعٍ متوحشٍ في عمليات رفع الدعم، وخاصةً منها تلك المتعلقة بالزراعة والصناعة، عبر الأسمدة والكهرباء وغيرها من مستلزمات الإنتاج. هذه العمليات ستؤدي إلى تراجعٍ فلكيٍ يصعب تقديره حالياً في المواسم الزراعية القادمة، وكذلك في الإنتاج الصناعي المتبقي، ما سيؤدي بدوره إلى دورةٍ جديدةٍ من التضخم ومن ارتفاع الأسعار ومن تدني مستويات المعيشة.
بين النتائج الواضحة لكل هذا الخراب المترصد على بعد أشهر وأسابيع، أنّ موجةً جديدةً من الهجرة ستنطلق، أي سيتم السير خطوة إضافية كبيرةً في عملية تجريف الشعب السوري من أرضه.
إنّ إيقاف الحلقة المفرغة التدميرية التي تعيشها البلاد، هو مسألة أمنٍ وطني لها، ومسألة حفاظٍ على وجودها وبقائها وبقاء شعبها، وهذا لا يمكن أنْ يتم في ظل السطوة العلنية والواضحة لتجار الحرب والفاسدين الكبار والمتشددين، ويحتاج بالضرورة إلى تغيير جذري شامل عبر الحل السياسي وفقاً للقرار 2254 وابتداءً بالتفاوض المباشر لتشكيل جسم حكمٍ انتقاليٍ، ومن ثم الدستور والانتخابات، وبأسرع وقت.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1091