بانوراما:كيف قرأت قاسيون منذ 2007 التحول الجاري في التوازن الدولي
ريم عيسى ريم عيسى

بانوراما:كيف قرأت قاسيون منذ 2007 التحول الجاري في التوازن الدولي

استعرضنا في مادة سابقة فكرة الانتقال من الفضاء السياسي القديم إلى الجديد، وهذا مرتبط ارتباطاً وثيقاً، بل هو أحد أهم جوانب التحول الجاري في التوازن الدولي، هذا التحول الذي من خلاله تجري عملية إنهاء أو انتهاء القطبية الأحادية، أو بالأحرى انتهاء الهيمنة الأمريكية كمنظومة مستفردة في العالم وقائمة على نهب الشعوب وتعميق الهوة الطبقية وعلى كافة المستويات.

سلط حزب الإرادة الشعبية الضوء على التغيير الجاري في ميزان القوى الدولي منذ مطالع هذا القرن، وفي سياق الأزمة السورية خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية وبالأخص في بعض النقاط المفصلية فيها.
ما يحصل اليوم سواء إقليمياً أو دولياً- أحداث أوكرانيا مثالاً- يصب في هذا التغيير والتحول، وقد بدأت تتوسع حلقات النقاش التي تتداول هذا الموضوع وبات صعباً تجاهله وعدم الخوض في تفاصيله ومآلاته والتأثيرات المتوقعة منه. هذا ما كان واضحاً لنا منذ أكثر من خمسة عشر عاماً على الأقل، وفي هذه المادة نستذكر بعض الاقتباسات حول التغيير في ميزان القوى الدولي من مواد في قاسيون منذ عام 2007، والتي يمكن من خلال قراءتها ضمن التطورات على المستوى الإقليمي والدولي، وبالتأكيد فيما يتعلق بالملف السوري، يمكن التعاطي مع ما يحصل بشكل أكثر تنظيماً والعمل على الوصول إلى الهدف المنشود فيما يتوافق مع التغييرات الجارية والتي تصب في مصلحة الشعوب بما في ذلك تقرير مصيرها والتحرر من النهب والقيود التي فرضتها عليها القوى التي باتت اليوم في حالة تراجع متسارع.

بانوراما

«إن انهيار الاتحاد السوفياتي لم يلغ الثنائية القطبية، بل غيّر التوازنات بين القطبين إلى حين. فقطب الشعوب التحرري الساعي إلى العدالة الاجتماعية استطاع بعد عقد من انهيار الاتحاد السوفياتي أن يستعيد شيئاً من قواه، وبسبب الأزمة العميقة التي يعيشها النظام الرأسمالي العالمي توفرت الظروف الموضوعية كي ينتقل هذا القطب المتراجع من الدفاع إلى الهجوم في بعض النقاط والبؤر في بادئ الأمر، ومازالت هذه العملية قيد التشكل والتطور وأصبح واضحاً أننا نعيش اليوم عشية هجوم عالمي جديد لقطب الشعوب على كل الجبهة في عرض الكرة الأرضية وطوله
ومن الجدير بالذكر، أن محاولة الإمبريالية الأمريكية الاستفراد بالعالم، وفرض القطب الواحد خلافاً لمنطق الطبيعة والمجتمع قد أدى عملياً إلى نشوء فوضى عالمية، أصبح من غير الممكن التحكم بها دون دخول قطب الشعوب على خط التأثير والتغيير على الظواهر السلبية التي تتعاظم في كل العالم من مشاكل الفقر والجوع والمرض والبيئة... إلخ
إن كل المؤشرات تؤكد أن المعركة قد اقتربت، وأن المشروع الأمريكي قد دخل مرحلة الفشل والتراجع، ولكن هذا الفشل والتراجع محكوم بعامل واحد فقط لا غير، هو إرادة المقاومة والتصدي».
من افتتاحية قاسيون «هل نحن عشية انهيار قريب لمشروع القطب الواحد» 20 شباط 2007

•••

«الأزمة الرأسمالية العظمى، هي أزمة لا سابق لها بمجرياتها وتداعياتها اللاحقة... فهي ليست عابرةً ودوريةً بالمعنى الكلاسيكي، بل هي طويلة وعميقة بمقدار إمكانية الرأسمالية نفسها على الاستمرار في مواجهة تناقضاتها التي لا مخرج لها منها إلا بالخروج من الرأسمالية نفسها علينا أن نتوقع الأسوأ في مآل وتداعيات هذه الأزمة التي لم تنفع فيها حتى الآن، كل تطمينات قادة ومنظري النظام الرأسمالي، بل على العكس، فقد ازدادت اشتعالاً. وإذا كانت الأزمات السابقة في القرن العشرين قد استدعت الحرب العالمية الأولى والثانية.. وأدت في الحالتين إلى تغيّر جدي في ميزان القوى الدولي لمصلحة قوى التحرر والتقدم والاشتراكية، فعلينا اليوم أن نتوقع التقدم الذي ستحققه هذه القوى نفسها نتيجة هذه الأزمة والذي سيتجاوز بأبعاده التاريخية الانتصارات التي تحققت حينذاك على الرأسمالية، وسيؤدي بالتالي إلى تغير غير مسبوق في ميزان القوى الدولي ضد مصالح الرأسمالية العالمية».
من افتتاحية قاسيون «أزمة الرأسمالية.. وخياراتنا الوطنية» 22 تشرين الأول 2008

•••

1064-32

«إن الأزمة الرأسمالية العالمية في تعاظم وتعمق، وهامش متانة الرأسمالية كنظام قادر على تقديم حلول حقيقية يسير نحو الانخفاض والتلاشي.. والأمر أخطر كما يتبين في بلدان الأطراف الرأسمالية حيث فقدت أنظمتها الاقتصادية كل احتياطات متانتها ومناوراتها... إن قبضة الإمبريالية العالمية قد وهنت اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وبدأت تلوح في الأفق القريب الآفاق البديلة الجديدة...
إن ميزان القوى السياسي والاجتماعي عالمياً وإقليمياً ومحلياً في كل مكان.. بدأ يميل لغير مصلحتها، وهو يصنع قواه السياسية الفاعلة على الأرض التي ستقوى بقدر تعبيرها بشكل صحيح عن مصالح الناس الجذرية ضد الفقر والبطالة والاضطهاد. وستثبت الحياة أن الحلول الترقيعية المؤقتة إنما هي مضيعة للوقت، فالمطلوب هو حلول اجتماعية جذرية لضمان الانتصار في المعركة الوطنية الكبرى التي تدق الأبواب.. وإذا لم نفعلها اليوم فهذه المعركة نفسها غداً ستطهّر بنارها مجتمعاتنا من دنس الليبرالية الاقتصادية التي أذاقت الجماهير الشعبية المرارة في عيشها وأهانتها في كرامتها».
من افتتاحية قاسيون «مرةً أخرى.. الاشتراكية هي الحل» 23 حزيران 2011

•••

«رافق الحدث السوري انعطاف نوعي في ميزان القوى الدولي، تمثل هذا الانعطاف بتوصل روسيا والصين إلى ترجمة الفيتو المزدوج لهما على الأرض بالمنع الفعلي للتدخل العسكري المباشر في سورية.  هذا «الانقلاب» في المشهد الدولي الذي تعثر في محطات مشابهة سابقة… شوّش على كل من أسقط الأزمة الاقتصادية للرأسمالية من حساباته وتحليلاته، بقصد أو بغير قصد، بدءاً من أنصار النظام السوري الذين تيقّنوا من حتمية اندحار المؤامرة الكونية ضد سورية «مركز الكون»، وصولاً إلى جزع سوزان رايس وأمير قطر بسبب «الأزمة الأخلاقية» الجديدة في مجلس الأمن نتيجة عجزه عن تشريع الباب لقصف سورية…
إن التدخل العسكري المباشر في سورية كان يعني قيام مواجهة شاملة في المنطقة ووصول الصراع إلى مداه الأقصى، وهذا أمر لم ولن يسمح الروس بحصوله، وهم عند هذا المفصل تحديداً توصلوا للمرة الأولى إلى منعه فعلياً عبر إحداث توازن عسكري وسياسي رادع، وهذا المفصل تحديداً هو بداية تحقق التوازن الجديد على الأرض…
هذا التوازن الجديد هو حصيلة تقدم السياسة الروسية وبلدان البريكس بالنقاط على السياسات الأمريكية التي باتت تسعى إلى الفوز بالضربة القاضية بعد تعثر مخططاتها المرة تلو الأخرى منذ أيلول2001، إلّا أن المعركة لا تزال قائمة ولكن المنحى العام للسياسات الأمريكية في هبوط مطّرد».
من مادة «سوية في قلب معادلة الصراع الدولي الجديد» 26 حزيران 2012

•••

«ثبّت الفيتو الروسي- الصيني المزدوج المكرر ميزان القوى الدولي بحيث أصبحت محصلته صفراً بين الجانب الأمريكي- الغربي وحلفاؤه من جهة، والجانب الروسي- الصيني وحلفائه من الجهة الأخرى، وقلنا في حينه إن التوازن الجديد منع التدخل الخارجي المباشر ونقل أمريكا إلى تنفيذ الخطة (ب) للتدخل غير المباشر عبر التمويل والدعم بأشكاله المختلفة بغرض رفع منسوب الدم إلى الحدود الكافية لإحداث انقسامات عمودية حادة في بنية المجتمع السوري تأخذه نحو حرب أهلية تحقق بالحد الأدنى إنهاءً للدور الوظيفي لسورية في المنطقة، وبالحد الأعلى تزيلها من الوجود كدولة موحدة أرضاً وشعباً…
ويمكن القول إنه إذا كان التوازن السابق قد منع التدخل الخارجي المباشر فإن التوازن الجديد يعمل على تطويق التدخل غير المباشر أكثر فأكثر، وبما أن أمريكا لن تتخلى عن أهدافها الإستراتيجية، وبما أنها تحررت من عقدة الإنكار على عكس أجزاء من المعارضة والنظام السوريين، فقد أبقت بعض الأوراق في يدها للتعاطي مع الواقع الجديد».
من افتتاحية قاسيون «التوازن الجديد.. من جنيف إلى القاهرة» 3 تموز 2012

•••

1064-2

«إذا كان ما يسمى «التوازن الدولي»، بين الدول الرأسمالية القديمة، في المساحة الجيوسياسية للإمبريالية الأمريكية-الأوروبية الغربية، من جهة وبين الدول الرأسمالية الصاعدة اقتصادياً (دول «البريكس» وربما منظمة شنغاهاي الأوسع اليوم) هو الشكل الذي يظهر به التوازن العالمي الجديد، فإنّ محتوى هذا التوازن العالمي إنما هو التوازن الطبقي بين قطب الرأسمالية كلها عموماً من جهة، وقطب الشعوب من جهة أخرى.
التشابهات والاختلافات بين التوازن الحالي والتوازنات السابقة في القرن العشرين يمكن أن نتلمس بعضها عبر النظر إلى المسألة من إحدى زواياها، وهي زاوية ردود فعل الإمبريالية إزاء أزماتها، والبدائل والمخارج التي تطرحها… انهيار أشكال وتنويعات البديل التاريخي للإمبريالية المأزومة يحمل الدلالة التاريخية على ضرورة اقتراب تشكل بدائل تمثل قطب الشعوب، ولذلك فإنّ العمل على تشكيل وبناء هذا البديل التقدمي منذ اليوم هام وحاسم، ليس من أجل تقصير المعاناة البشرية والكلفة الناتجة عن تجريب القطب الإمبريالي المتراجع لعدة أشكال أخرى قد يبتكرها لفاشيات جديدة، بل ولأن إجهاض البديل الفاشي الجديد في مهده اليوم قبل أن يكبر ويقوم بالعملية الانتحارية الأخيرة التي قد لا يبقى بعدها بشر يخبرون عنها».
من مادة «التوازن الجديد وطريق الانتصار» 28 أيلول 2013

•••

«جاءت تفاعلات الأزمة السورية، بشقها السياسي، لتظهر أن الهياكل السياسية التي أنشئت على مقاس محاولات التدخل الخارجي المباشر في حينه- «مجلس إسطنبول» بالدرجة الأولى- باتت غير قابلة بنيوياً ومنطقياً للاستمرار، بنتيجة ميزان القوى الدولي المتشكل والتي بدأت معالمه بالظهور عملياً مع أول فيتو روسي- صيني مزدوج يلجم ذاك النمط من التدخل، الأمر الذي دفع بـ«المعلم» الخارجي- الأمريكي أولاً- المتحول ديناميكياً إلى التدخل غير المباشر إلى تعديل «الطبخة» وإنتاج وتسويق وتعويم ومحاولات فرض هياكل سياسية «سورية» تلائم ذاك النمط من عمله- «ائتلاف الدوحة» مثلاً، مع مختلف التشكيلات التي أخذت صراحة عناوين طائفية، والتي باتت هي الأخرى اليوم، بنيوياً ومنطقياً، غير قابلة للاستمرار مع بدء أفول معالم التدخل غير المباشر، من خلال التوجه إلى نقل الصراع السوري إلى إحداثياته السياسية، بالدرجة الأولى…
ومع بدء التحول المرتقب في إحداثيات الصراع في سورية وعليها، بناءً على المستجدات في ميزان القوى الدولي والإقليمي، فإن هذا الوضع، وجدلية «القديم» و«الجديد»، سيخلقان توازنات جديدة سيتحول مركز الثقل فيها حكماً لمصلحة القوى الوطنية الديمقراطية السورية الجذرية والحقيقية والجدية، المعبرة عن مصالح السواد الأعظم من السوريين، بما فيها المصالح الاجتماعية، بما يخلق اصطفافات سيكون لها هي الأخرى طابع حقيقي بعيداً عن تلك الاصطفافات السابقة والقائمة».
من افتتاحية قاسيون ««القديم» و«الجديد».. والاصطفافات الحقيقية» 5 تشرين الأول 2013

•••

«بات الحديث عن توازن دولي جديد أمراً بدهياً في الظرف العالمي الراهن، وذلك بعد صعود الدور الروسي ومعه مجموعة (بريكس) وتأثيراته متعددة الأشكال على العديد من الملفات الدولية الساخنة، ومنها الأزمة السورية ومؤتمر جنيف المزمع انعقاده حول سورية. أي إن التوازن الدولي الجديد الذي بات واقعاً منذ أكثر من سنة بدأ الآن بالبحث عن تجلياته السياسية الدولية والإقليمية. وضمن هذه الرؤية يمكن النظر إلى مؤتمر جنيف من الزاوية المطلوبة… إن المحاولات العبثية بإعاقة انعقاد المؤتمر… تأتي عكس اتجاه التطور الموضوعي في الوضع الدولي الذي يتجه نتيجة التوازن المذكور نحو التسويات بالضرورة، الأمر الذي سيترك تأثيره بالتأكيد على التوازن الإقليمي أيضاً، وسيصنف كل القوى التي تقف ضده في خانة التطرف والتشدد، وبالتالي فإن الوقوف ضد الواقع الجديد هو عملية انتحار تقدم عليها القوى المعيقة، ولاسيما بعد أن اكتملت معظم ظروف انعقاد «جنيف»، موضوعياً وذاتياً».
من افتتاحية قاسيون «جنيف.. وقوى الإعاقة!» 2 تشرين الثاني 2013

•••

1064-10

«يمكن تلخيص ما جرى ويجري على الساحات الدولية والإقليمية والداخلية السورية خلال الأسابيع القليلة الماضية، بأنه بداية التبلور السياسي الملموس للتوازن الدولي الجديد الذي مضى على تكونه الواقعي بالمعاني الاقتصادية والعسكرية والمعرفية أكثر من سنة على أقل تقدير.
رغم ذلك فإن هذا التوازن لم يبدأ بفرض نفسه واقعاً سياسياً إلا في الآونة الأخيرة فقط، الأمر الذي ينعكس، في ظاهره، كجملة من الانعطافات الفجائية، وهي ليست فجائيةً في جوهرها، لكنها تبدو كذلك بالنسبة لتلك القوى التي لم تستقرئ التوازن قبل حدوثه، ولم تستطع حتى فهم أبعاده ونتائجه الإقليمية والداخلية في المرحلة التي غدا فيها شديد الوضوح.
وبعيداً عن الغوص في الأسباب التفصيلية التي تدفع «القوى المتفاجئة» لممانعة الواقع الجديد، تلك الممانعة التي تمّ كسر أول درجاتها فعلياً بإقرار الجميع بالحل السياسي طريقاً وبجنيف-2 بدايةً لذلك الطريق، فإنّ السبب الجوهري لممانعة الواقع الجديد هو رعب هذه القوى من مستقبلها».
من افتتاحية قاسيون «الانعطافات المفاجئة.. ومستقبل «القوى المتفاجئة»» 9 تشرين الثاني 2013

•••

«تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في مساعيهم لتوسيع «خارطة الحريق»، ليلتهم المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط، ودول أمريكا اللاتينية «الخارجة عن الطاعة»، إضافة إلى محيط الصين كاملاً. كلّ ذلك في سبيل الخروج من الأزمة الرأسمالية العميقة، وفي سبيل منع وإعاقة ترجمة التوازن الدولي الجديد سياسياً، أملاً في إعادة التاريخ إلى عهد الحاكم الأمريكي المطلق.
بالمقابل، تعمل روسيا ومن خلفها قوى «بريكس» على إخماد تلك الحرائق، ومنع تحويلها إلى حروب كبرى أو حروب استنزاف طويلة الأمد على «النموذج السوري»، الذي تجري حالياً محاولة تصديره إلى أوكرانيا. بل وعلى العكس من ذلك فإن هذه القوى تعتمد الحلول السياسية بوصفها الطريق الإجباري الذي سيمر الجميع عبره باتجاه استكمال ترجمة ميزان القوى الدولي الناشئ، الذي سيسمح بدوره لشعوب المناطق «المحترقة» أو المهددة بالاحتراق بتقرير مصائرها بأنفسها».
من مادة «الحلول السياسية خيار إلزامي عالمياً..!» 8 آذار 2014

•••

«يبدو جلياً أن التوازن الدولي الجديد بانعكاساته الإقليمية والسورية بات يلزم معسكر واشنطن وأتباعها ليس بالبحث عن تعديله لصالحها- بحكم إدراكها لاستحالة هذه المهمة في ظل الهجوم المعاكس من الكتل المناوئة- بل باتت تكتفي بمحاولات تثبيته توجساً من وتيرة أسرع في تراجعها».
من مادة «تعديل ميزان القوى أم محاولة تثبيته» 7 نيسان 2014

•••

1064-24

«وفي بيت الرأسمالية الداخلي، عَمّقت الأزمة الرأسمالية العظمى الانقسام ضمن المعسكر الرأسمالي نفسه بين المركز الإمبريالي الأمريكي- الأوروبي من جهة، والقوى الرأسمالية الصاعدة «البريكس» من جهة أخرى، وصولاً إلى توازن دولي جديد انتهت فيه أحادية القطبية الأمريكية، دون أن يعني ذلك أن الاستقطاب الجديد سيكون شبيهاً بذاك الذي ساد خلال مرحلة الحرب الباردة، ولكنه استقطاب ثنائي مؤقت لن يطول العهد به حتى ينزاح باتجاه الثنائية الحقيقية على المستوى العالمي بين قطب الشعوب من جهة والنظام الرأسمالي ككل من جهة أخرى، ذلك أن شعوب دول «البريكس» (مثالاً) وفي إطار نضالها الوطني للدفاع عن وحدة أراضيها ومصالحها الوطنية في وجه الإمبريالية المحكومة بتوسيع رقعة الحرب والاستغلال، إنما تندار بالتدريج ضد الرأسمالية نفسها كنظام اقتصادي- اجتماعي، الأمر الذي ينسجم مع مصلحة شعوب العالم الثالث التي يندمج نضالها الوطني ضد الغرب الإمبريالي وضد الصهيونية أكثر فأكثر مع نضالها الاقتصادي- الاجتماعي، ويدفع هذا الانسجام العميق في المصالح إلى تبلور قطب الشعوب في وجه القطب الرأسمالي، وذلك بغض النظر عن اللبوسات السياسية والدولية المختلفة التي ستكون شكلاً لهذه الثنائية الحقيقية، ثنائية (شعوب- رأسمالية)».
مما ورد تحت عنوان الرؤية في مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية الذي صيغ في النصف الأول من عام 2014

•••

«خرجت حقيقة وجود طرفين «متراجع - متقدم» في الصراع الدولي، من دائرة التحليل السياسي، والتنبؤ، وأصبحت واقعاً عيانياُ ملموساً، حيث باتت هذه الحقيقة تظهر على جميع الجبهات الساخنة في عالم اليوم، وتنعكس في عدم إمكانية الطرف المتراجع «الأمريكي» على الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها الواقع الموضوعي على جدول الأعمال، مع الانخفاض المستمر في قدراته على التحكم بمسار الأحداث من جهة، ومحاولة الطرف المتقدم «الروسي» ملء الفراغ الناشئ من جهة أخرى، وتقدمه المستمر.
إن قدرة القوى المتراجعة على إحداث أية عرقلة واختراق جزئي، بات يعطي مفعولاً عكسياً، إذ تحفز الطرف المتقدم على استخدام احتياطاته الكامنة أكثر فأكثر، والتي تتجدد باستمرار في سياق الصراع نفسه، وتمنحه المزيد من الحيوية، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى ما هو مؤكد أصلاً، بأن الطرف المتراجع في مأزق تاريخي، يتلقى الضربات حتى وإن حاول استنهاض قواه هنا أو هناك، باعتبار أن الاتجاه الأساسي بات محسوماً، مما يفتح الباب على عملية تراكم كمي تؤدي إلى تغير نوعي، سيتكثف في لحظة تاريخية ما، بحدث ذي طابع إستراتيجي...
ولما كان الطرف المتراجع يمثل مصالح أقلية طبقية، تتمثل تحديداً في قوى رأس المال المالي، فإن دائرة تحالفاتها تضيق باستمرار خلال الصراع، وتسقط البروباغندا التي تسوّقها، ولاسيما أنها محكومة بخيار الحرب الذي يجعلها قوة نابذة دائماً.
إن التوازن الدولي الجديد هو عملية تاريخية، لها طابع الديمومة والاستمرار، كونها تأتي كرد موضوعي على سياسات الاستفراد بالقرار العالمي على مدى عقدين من الزمن، دون قدرة الطرف المستفرد على حل أية مشكلة وأزمة حلاً حقيقياً، لا بل إن بنية قوى الهيمنة «رأسمال المالي» وطبيعتها استوجبت على الدوام، إنتاج وافتعال أزمات جديدة.
إن التكامل بين القوى الصاعدة «روسيا كعملاق عسكري وخزان مواد وثروة- الصين كقوة اقتصادية» محمولة على ثقافة ذات نزعة إنسانية من حيث البنية والتكون والدور، تمتلك كل المقومات الموضوعية لتكون البديل عن «البسطار» الأمريكي».
من مادة «التوازن الدولي الجديد سمات وخصائص ومآلات» 5 كانون الأول 2015

•••

«جاءت نهايات عام 2015 على السوريين محملة بالآمال العريضة تجاه قرب انتهاء أزمتهم الكارثية… بدءاً من لقائي موسكو التشاوريين في الشهرين الأول والرابع، اللذَين سجلا انتقال دول بريكس وفي مقدمتها روسيا من «سياسة الفيتو» الدفاعية، إلى سياسة الحل السياسي الهجومية التي تطلبت مع تطور الأمور الدخول المباشر على خط محاربة الإرهاب.
بالتوازي تطور موسكو1 وموسكو2 إلى فيينا الأول والثاني وصولاً إلى نيويورك والقرار الدولي 2254 الذي أوقف العمليات السلبية والهدامة التي كانت تدفع سورية نحو نقطة اللاعودة، وثبّت بشكل نهائي بيان جنيف1 ومقررات فيينا2 وروحية موسكو1 وموسكو2 بوصفها سلسلة واحدة متكاملة هدفها حل الأزمة السورية…
إنّ فرادة سورية وميزتها النوعية، والعالم على أعتاب ولادة جديدة، أنها بطريقة حل أزمتها إما أن تكون أو لا تكون، إما أن تكون نموذجاً للعالم بأسره، بنموذج اقتصادي واجتماعي جديد أساسه العدالة العميقة، وشكله التعددية السياسية، وإما أن تذهب نحو التشرذم والتقسيم والمحرقة المستمرة. وإنّ قوى العالم الجديد الظاهرة حتى الآن ليست إلّا جزءاً من قواه الكامنة، فالقوة الظاهرة حالياً هي تعبير مباشر عن شيخوخة العالم الرأسمالي وتعفنه، وفي الأثناء ترص القوى الكامنة صفوفها لبناء العالم الجديد، الذي ستكون سورية الجديدة واحدة من أوائل معالمه الملموسة».
من افتتاحية قاسيون «سورية نحو الطريق الجديد!» 25 كانون الأول 2015

•••

1064-38

«إن شروط بدء الحل في سورية باتت واضحة المعالم، والخطا على المستوى الدولي تجاهها تزداد تسارعاً، والحل تم التأُسيس له جدياً بفعل توافق دولي على مبادئ تمثل مصلحة السوريين، ولا مجال اليوم للعودة إلى الوراء، ولا مجال لأن تكون سورية إلا جديدةً تمثل المعالم الملموسة للوضع العالمي الذي يتراجع فيه الغرب نتيجة تفاقم الأزمة الرأسمالية وتقدّم قطب الشعوب يومياً».
من افتتاحية قاسيون «لا عودة للوراء!» 1 كانون الثاني 2016

•••

«يلاحظ المتابع للإعلام الغربي، حالة التهويل المستمر بالخطر الروسي، حيث تستمر على قدم وساق محاولات شيطنة الروس طرداً مع تقدم الروسي في ميزان القوى الدولي… يقدم الإعلام الغربي روسيا للرأي العام الأوربي، على أنها تحمل تهديداً نووياً للحضارة الغربية، وإلى الشعوب الإسلامية، على أنها «حاضنة اليهود» التاريخية، وقاتلة المسلمين… كل ذلك ضمن حملة يمكن للمرء وببساطة أن يستنتج، أنها متكاملة ومنسقة، ومنظمة، وتهدف إلى تحقيق بنك أهداف:
الحد من التأثير والنفوذ الروسي المتعاظمين على النطاق العالمي، وقدرته على فرض نظام التعددية القطبية، رداً على محاولات الاستفراد الأمريكي بالقرار العالمي.
تعميق التناقضات الروسية- الأوروبية، ومنع تشكل القطب الأوراسي، الذي سينهي في حال تحققه وإلى الأبد محاولات تحكم المركز الرأسمالي الغربي بالقرار الدولي منذ قرون.
تبرير السلوك العدواني لقوى الحرب في مراكز القرار في الدول الغربية عامة، والأمريكي منها على وجه الخصوص.
إن هذه الهستيريا الإعلامية، ضد روسيا ودورها، ووزنها المتزايد على الساحة الدولية، تشكل دليلاً إضافياً على الانحطاط السياسي والأخلاقي للنموذج الرأسمالي الغربي، وعدم قبوله بأي نوع من الشراكة، والندية في العلاقات الدولية».
من مادة «(روسيا فوبيا)!» 5 تشرين الثاني 2016

•••

«إن مصالح القوى الصاعدة تتقاطع موضوعياً، مع مصالح شعوب العالم قاطبة، بما فيها مصالح شعوب البلدان الرأسمالية نفسها، وهذا ما يمدها بالزخم والحيوية، وتتجلى بأشكال مختلفة في شبكة العلاقات الدولية، والواقع الجيوسياسي الدولي برمته… يعتبر التوازن الدولي الجديد، في العمق، تجلياً لأحد أهم التناقضات في عالمنا المعاصر «إمبريالية- شعوب» وإن كان يتمظهر حتى الآن، بأنه صراع بين الدول، إلا أن الجانب الآخر منه هو: الصراع داخل الدولة الواحدة أيضاً... إن التوازن الدولي الجديد، هو عملية صراع، وإذا كان هناك توافق، فهو توافق الأمر الواقع، الذي يلزم طرفاً بالتراجع لمصلحة طرف آخر، مما يعني، أن خيارات القوى الصاعدة القائمة على الالتزام بالقانون الدولي، والاعتراف المتبادل بالمصالح، هو الذي يحدد اتجاه سير الأحداث، وآفاق التطور اللاحق».
من افتتاحية قاسيون «ميزان القوى اتجاه واحد ومحدد» 12 آب 2018

معلومات إضافية

العدد رقم:
1064
آخر تعديل على الإثنين, 04 نيسان/أبريل 2022 14:11