افتتاحية قاسيون 626 : جنيف.. وقوى الإعاقة!
بات الحديث عن توازن دولي جديد أمراً بديهياً في الظرف العالمي الراهن، وذلك بعد صعود الدور الروسي ومعه مجموعة (بريكس) وتأثيراته متعددة الأشكال على العديد من الملفات الدولية الساخنة، ومنها الأزمة السورية ومؤتمر جنيف المزمع انعقاده حول سورية
أي أن التوازن الدولي الجديد الذي بات واقعاً منذ أكثر من سنة بدأ الآن بالبحث عن تجلياته السياسية الدولية والإقليمية. وضمن هذه الرؤية يمكن النظر إلى مؤتمر جنيف من الزاوية المطلوبة، وبالتالي التكهنّ بالمآلات الممكنة فيما يتعلق بهذا المؤتمر، والمصيراللاحق للمواقف المتعلقة به، سلباً أو إيجاباً.
إن المحاولات العبثية بإعاقة انعقاد المؤتمر التي تظهر جلية وبشكل صارخ في الموقف السعودي مثلاً، تأتي عكس اتجاه التطور الموضوعي في الوضع الدولي الذي يتجه نتيجة التوازن المذكور نحو التسويات بالضرورة، الأمر الذي سيترك تأثيره بالتأكيد على التوازن الإقليمي أيضاً، وسيصنف كل القوى التي تقف ضده في خانة التطرف والتشدد، وبالتالي فإن الوقوف ضد الواقع الجديد هو عملية انتحار تقدم عليها القوى المعيقة، ولاسيما بعد أن اكتملت معظم ظروف انعقاد «جنيف»، موضوعياً وذاتياً. فالدُعاة الأساسيون له من قوى دولية، وتحديداً روسيا والصين، أصبحوا في مواقع أقوى، مما يعني أن خياراتهم هي التي تمتلك حظوظاً أكبر في أن تُفرض. والشعب السوري في أغلبيته الساحقة بات يطالب بحل سريع بعد أن وصلت معاناته إلى حدود لا تطاق، وفي أكثر من مجال، فيما تعلن قوى أساسية من المعارضة السورية دعمها له، وتعتبره مهمة أولى لاتعلو عليها أية مهمة أخرى، والنظام أعلن موقفه الرسمي بالموافقة على انعقاده. بعبارة أخرى يتسع ساعة بعد ساعة طيف الداعين إلى انعقاده والمشاركة فيه، في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بجرجرة أدواتها للحضور، شاؤوا أم أبوا.
كما أن المؤتمر بما يمثل من منصة لانطلاق الحل السياسي للأزمة السورية بات أمراً واقعاً عبر سلسلة اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت وتعقد خلال الأيام القليلة القادمة، وتعكسهُ أيضاً المواقف الجديدة التي تظهر أكثر فأكثر من قوى كانت حتى الأمس القريب ترفضه رفضاً قاطعاً، وبات عقد شكله البروتوكولي مسألة وقت لا أكثر، لذا فإن عقده بمن حضر في حال امتناع قوى إقليمية أو امتداداتها المحلية عن الحضور هو الرد الفعلي على محاولة هذي القوى وضع العصي في العجلات عبر «الشروط التعجيزية».
إن تأخير انعقاد جنيف سيؤدي إلى المزيد من نزف الدماء السورية، والإنهاك الاقتصادي، واستمرار الحالة الإنسانية الكارثية التي وصلت إليها بعض المناطق في البلاد، وعليه فإن القوى الوطنية في البلاد في مختلف مواقعها (معارضة، نظام) مدعوة إلى ملاقاة جنيف كضرورة وطنية تتطلبها مصالح سورية الوطنية العليا، وكضرورة أخلاقية تتطلبها ضرورة وقف النزيف، وهي مدعوّة للجم قوى التشدد في صفوفها، كل من طرفه. بل ينبغي الاستفادة من جنيف والتوازن الدولي القائم لفرض النموذج السوري الخاص في حل الأزمة، ذلك الذي ينزع فتيل إعادة إنتاج الأزمة أو تفجر أزمات لاحقة، كما جرى ويجري في العراق، بحكم «القنابل الموقوتة» التي خلفتها العدوانية الأمريكية المضطرة للتراجع. غير أن التوازن الدولي المستجد، عدا عن أنه لجم تلك العدوانية وتفردها السابق بالقرار الدولي على مدى عقدين ماضيين، حدد في الوقت ذاته منحى تطور الأوضاع اللاحق ومحتوى العلاقات الدولية الجديدة. ومن هنا كان التأكيد دائماً أن مهمة جنيف الأساسية هي وقف التدخل الخارجي، ووقف العنف، وإطلاق العملية السياسية، لفسح المجال أمام السوريين لكي يقرروا مصير بلادهم بأنفسهم دون وصاية من أحد.