لا عودة للوراء!
تسير عمليات التحضير للحل السياسي في سورية بشكل متصاعد، حيث أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مؤخراً يوم 25 كانون الثاني لعام 2016، موعداً أولياً لبدء العملية التفاوضية السورية- السورية، في العاصمة السويسرية جنيف.
ومع هذا الإعلان يمكن القول أن الأطراف الدولية الراعية للحل السياسي وضعت القضايا المعيقة للحل السياسي على السكة الصحيحة لتأمين شروط البدء الجدي به. وليس خافياً أن أبرز هذه المعيقات هما ملفا الإرهاب وقوائمه، وتشكيل وفد المعارضة، اللذين كانا معدين على الطريقة الأمريكية، التي نسفت مؤتمر جنيف2 عملياً.
وبعد عام ساخن ظهرت فيه بالملموس معالم الميزان الدولي الجديد الذي ثبت تراجع الأمريكي وحلفائه مقابل تقدم الروس وحلفائهم، يمكن القول أن الاتجاه العام في ملف القائمة السوداء، أي الحرب على الإرهاب يميل أكثر إلى التعامل مع الإرهاب ليس بوصفه ملفاً أو شأناً سورياً أو مساحة سورية فحسب، وإنما بوصفه حرباً يشنها معادو الفاشية على الفاشيين الجدد في مستوى مراكزهم العالمية وعلى مستوى أدواتهم الإقليمية، أي ضرب الرعاة الفعليين للفاشيين عملياً.
وعلى اعتبار أن ضرورات المعركة على «الفاشيين الجدد» تستدعي تقليم الدور السلبي لرعاتهم الإقليميين، ليس من المستغرب أن الحديث عن الحرب على الإرهاب بدأ سابقاً بتصنيف تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» على قوائم الإرهاب، وبات سيدخل في هذا التصنيف كل من يتعامل ويتعاون ويتحالف معهما، من أمثال «جيش الإسلام» وحركة «أحرار الشام»، إلى أن يثبت بموقفه وبسلوكه العملي عكس ذلك. والحال كذلك فإن الخلافات والمناورات التلاعبية من بعض الأطراف والتي رافقت اجتماعي «فيينا» و«الرياض» حول هذه النقطة بات أمراً مقضياً بالنسبة للقوى الدولية، وتحديداً للتي تريد الحل، لأن الإعلان عن الموافقة على الحل السياسي من تنظيمات مسلحة كالمذكورة أعلاه سيتحول إلى خداع وذر للرماد في العيون، إذا لم يترافق بأفعال عملية تتمثل في المواجهة العسكرية مع «داعش والنصرة» وتنظيف البلاد منهما.
الأمر الآخر المرتبط بسابقه هو موضوع تشكيل وفد المعارضة، حيث تشي المؤشرات السياسية بإحداث تقدم في حل هذه المسألة، فلم يعد منطقياً بالنسبة لرعاة الحل السياسي أن يستخدم وفد المعارضة كمدخل لضرب الحل، والعودة مرة أخرى لمنطق الحلول العسكرية الصرفة. والواضح في هذا المجال أن تركيبة الوفد المعارض ستكون مرتكزة على أساسين: الأول هو بيان فيينا وقرار مجلس الأمن، والثاني هو ضمان الوصول إلى حل سياسي ينهي الكارثة الإنسانية ويفتح المجال للتغيير الحقيقي.
ومن هنا ليس من الصعب التنبؤ بأن وفد المعارضة المفاوض سيراعي في تشكيله تخفيض وزن القوى التي عملت طوال فترة على الإخلال بمبادئ (وحدة الأراضي السورية) و(الحفاظ على مؤسسات الدولة) و(التأكيد على علمانية سورية) و(تبني الحل السياسي)، و(منع غير السوريين من التدخل بالحل) و(ضمان عدم التمييز بين السوريين على أساس طائفي أو ديني أو قومي) والتي أقرها بيان فيينا وثبتها قرار مجلس الأمن 2245، وهو ما يعني بالضرورة زيادة وزن وطروحات كل القوى المعارضة التي التزمت بهذه المبادئ، منذ بداية الأزمة، قولاً وفعلاً. كما أنه ووفقاً للأساس الثاني لتركيب الوفد المعارض، فلا مجال إطلاقاً لأن يكون وفد المعارضة معد لنسف المفاوضات، أي أن منطق هيمنة طرف معارض على وفد المعارضة ودخوله التفاوض بعقلية (العسكرة أو التحاصص) هو أمر مرفوض كلياً.
إن شروط بدء الحل في سورية باتت واضحة المعالم، والخطا على المستوى الدولي تجاهها تزداد تسارعاً، والحل تم التأُسيس له جدياً بفعل توافق دولي على مبادئ تمثل مصلحة السوريين، ولا مجال اليوم للعودة للوراء، ولا مجال لأن تكون سورية إلا جديدةً تمثل المعالم الملموسة للوضع العالمي الذي يتراجع فيه الغرب نتيجة تفاقم الأزمة الرأسمالية وتقدّم قطب الشعوب يومياً.