الحقوق لا تموت بالتقادم
عشرات القضايا التي تمس بحقوق العمال بشكل مباشر ما زالت معلقة، وهي ناتجة إما عن قرارات أو عن إجراءات حكومية. وبالتالي فإن بقاءها معلقة طوال هذه الشهور مسؤولية تقع على عاتق الحكومة، وأي كلام حول أن هذا التعليق موضوعي وله مبرراته وحججه وضروراته غير صحيح، بل هو ذاتي بامتياز. وسواء كان مقصوداً أو غير مقصود، فالنتيجة واحدة، فعدم الكفاءة والعجز عن الحلول وحفظ الحقوق يماثل بالنتيجة التسويف والمماطلة والإنكار حتى تموت بالتقادم، ولكن الثاني أكثر سوءاً وأشد خطراً على الوضع العام الذي لا نظن بأنه يتحمل المزيد من المظالم والتفرقة وانفضاض المجتمع عن الحكومة وسلوكها.
أولى تلك القضايا: الإجازات المأجورة لمدة ثلاثة أشهر، التي طالت آلاف الموظفين بأغلب القطاعات بقرار من الحكومة الأولى بعد سقوط السلطة السابقة، واستمرت بها الثانية. ورغم إنهاء إجازة العديد من الموظفين في هذه المؤسسة أو المديرية أو تلك، إلا أن الغالبية العظمى ما زالوا معلقين بالهواء. فليست جميع الإجازات مددت بعد انتهاء المدة، وبالتالي بقي مصير آلاف العمال والموظفين مجهولاً بشكل كامل. أضف إلى ذلك بأن هذه الإجازات تحولت لغير مأجورة مع الوقت، فنحن نسمع ونرى كل يوم أصوات من توقفت رواتبهم بعد انتهاء المدة المذكورة، وبالتالي انضموا لجيش من المفصولين ومن لم تجدد عقودهم. كما أن الزيادة الأخيرة على الأجور لم تشملهم، مما يزيد من تعقيد هذه القضية التي تجري بعثرتها ودب الفوضى بها وتغطيتها بإنكار أو تسويف أو وعود، ربما يأمل المسؤولون أن يتم نسيانها وضياعها مع مرور الوقت.
موظفو العقود: تسويف ووعود
ثاني القضايا ملف موظفي العقود الذين لم يتم التعاطي مع ملفهم إلا بشكل جزئي وصغير في بعض الوزارات أو المؤسسات. ورغم كل المراجعات والاعتراضات التي قام بها الموظفون المعنيون، لم نسمع سوى وعود في وعود: تارة «هيكلية إدارية جديدة ستكونون ضمنها»، وتارة «سنقوم بإجراء تقييم ومقابلات»، وغيرها من الردود التي لا ترتقي لحجم المشكلة والضرر الحاصل. وما زال المسؤولون يعتمدون على يأس الموظفين من المطالبة والإلحاح، لعل الملف يغلق إلى الأبد، ولو كان على حساب من يقتات هو وأسرته من راتبه.
أين زيادة شهر 7؟
أما قضية الشهر الضائع - عدم تشميل الشهر السابع بالزيادة - فتجري معالجته بالطريقة نفسها من التطنيش وكأن شيئاً لم يكن، رغم أنها مخالفة قانونية من العيار الثقيل. فمرسوم الزيادة واضح بتاريخ تنفيذه والأشهر التي يشملها، فما معنى «أكل هالشهر عالموظف»؟ ولماذا يتم التعاطي مع هذه المخالفة القانونية بهذه الطريقة؟ بل وصلت لدرجة الاستعلاء بعدم الرد والمعالجة، وهذا يدل على نية الحكومة «النوم عالسيرة» وضم هذه القضية للقضايا النائمة التي يؤمل منها أن تموت بالتقادم.
ما يزال في الوقت بقية
ليست من الشطارة والحكمة اليوم محاولة تذويب الحقوق بهذه الطريقة، بالاعتماد على الأمر الواقع المفروض على العمال والموظفين. وإن نجحت الحكومة خلال الأشهر الفائتة بتضييق حجم المطالبات من خلال دب اليأس والإحباط في نفوس المتضررين تارة، أو عبر الوعود والشعارات البراقة تارة أخرى، فإنه «نجاح» مؤقت لا يعتمد عليه. فإطفاء النار لا يتم بمحاولة حجب رؤيتها بستار أو التعامي عن استعارها، بل من خلال المعالجات الجذرية بشكل كامل، وإلا فيسبقى الجمر تحت الرماد، لتندلع الآثار مع الوقت. وإن انكفاء العمال والكادحين وجميع المتضررين من طريقة إدارة جهاز الدولة والسياسات الاقتصادية هو انكفاء مؤقت لا غير، ينسجم مع الوضع الفوضوي الحالي المعقد، والذي لن يستمر، موضوعياً، إلى ما لا نهاية. وبالتالي لا يمكن للسلطة اليوم الركون إليه، فهي بهذا تقع بوهم كبير. فالحقوق لا تموت بالتقادم، خاصة المتعلقة بالمعاش اليومي للسوريين. وهذا التهميش المتكرر للقضايا العمالية سيؤدي لنتائج كارثية، لأنها مصحوبة بحجم من الفقر وغياب الحد الأدنى من الأمن الاجتماعي. لذلك لا بد من إنهاء حالة التعليق لكل تلك القضايا بشكل جدي وسريع، فالوقت لم يفت بعد على إرجاع الحقوق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240