سورية نحو الطريق الجديد!
جاءت نهايات عام 2015 على السوريين محملة بالآمال العريضة تجاه قرب انتهاء أزمتهم الكارثية، وهو الذي مرّ ثقيلاً عليهم، وعلى العالم بأسره، بمآسيه وآلامه، ليأتي انتعاش تلك الآمال بعد طريق شائك وشديد التعقيد، بدءاً من لقائي موسكو التشاوريين في الشهرين الأول والرابع، الذين سجلا انتقال دول بريكس وفي مقدمتها روسيا من «سياسة الفيتو» الدفاعية، إلى سياسة الحل السياسي الهجومية التي تطلبت مع تطور الأمور الدخول المباشر على خط محاربة الإرهاب.
بالتوازي تطور موسكو1 وموسكو2 إلى فيينا الأول والثاني وصولاً إلى نيويورك والقرار الدولي 2254 الذي أوقف العمليات السلبية والهدامة التي كانت تدفع سورية نحو نقطة اللاعودة، وثبّت بشكل نهائي بيان جنيف1 ومقررات فيينا2 وروحية موسكو1 وموسكو2 بوصفها سلسلة واحدة متكاملة هدفها حل الأزمة السورية ضمن أسس ومعايير على رأسها معياران:
• محاربة الإرهاب والعملية السياسية، أمران متكاملان، ومرتبطان أشد الارتباط، يخدم كل منهما الآخر، ويسيران بالتوازي.
• الحل السياسي حل وحيد ولا بديل عنه، وهو ليس أي حل، وإنما الذي يضمن وحدة سورية أرضاً وشعباً، ويضمن علمانيتها وتعدديتها سياسياً، ويحافظ على مؤسساتها، ويفتح الطريق نحو التغيير الجذري الديمقراطي العميق، الضروري موضوعياً لبقائها.
إنّ عودة سريعة لأسباب الأزمة السورية، توضح الأساس الحقيقي للخروج من هذه الأزمة خروجاً حقيقياً ناجزاً باتت الظروف الموضوعية تسمح به وتدفع نحوه. إنّ السببين الأكثر أساسية للأزمة هما:
• السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي شكلت امتثالاً لوصفات صندوق النقد الدولي والتحاقاً بركب النظام العالمي القديم والمتداعي الذي سادت فيه واشنطن، وما أنتجته هذه السياسات من معدلات فقر وبطالة كارثية، ومن تهتك هائل في البنية المجتمعية، وفي الانتماء الوطني نفسه.
• مستوى الحريات السياسية المتدني الناجم عن بنية وطبيعة النظام السياسي السوري ما منع عموم السوريين من الاحتجاج بوقت مبكر على مستويات الفساد والنهب المتصاعدة، وعلى اللبرلة الاقتصادية ونتائجها.
إنّ الخروج من الأزمة، يعني بالضبط إنهاء أسبابها العميقة. وإلّا فإنّ الأزمة ستستمر وستكبر وستنهي الدولة السورية، ما يعني أنّ أمام سورية والسوريين طريقاً واحدة لا غير، هي الحل السياسي الذي يفتح، من ضمن مسائل أخرى، الطريق نحو نموذج اقتصادي مخالف لليبرالية ولأصحاب الأرباح والنهب الذين يقفون خلفها، داخلياً، وإقليمياً، وعالمياً، نموذج اقتصادي يحقق أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نمو. وللوصول إلى ذلك ينبغي أن يكون النظام السياسي شكلاً موافقاً لهذا المضمون الاقتصادي الاجتماعي، أي ينبغي أن يكون نظاماً تعددياً سياسياً وديمقراطياً وعلمانياً، لا يعطي للناس «هوامش» للحركة والتعبير فقط، بل يقدم لهم كامل المساحة التي تتوافق ومصالحهم العميقة، وطنياً واقتصادياً- اجتماعياً.
إنّ فرادة سورية وميزتها النوعية، والعالم على أعتاب ولادة جديدة، أنها بطريقة حل أزمتها إما أن تكون أو أن لا تكون، إما أن تكون نموذجاً للعالم بأسره، بنموذج اقتصادي واجتماعي جديد أساسه العدالة العميقة، وشكله التعددية السياسية، وإما أن تذهب نحو التشرذم والتقسيم والمحرقة المستمرة. وإنّ قوى العالم الجديد الظاهرة حتى الآن ليست إلّا جزءاً من قواه الكامنة، فالقوة الظاهرة حالياً هي تعبير مباشر عن شيخوخة العالم الرأسمالي وتعفنه، وفي الأثناء ترص القوى الكامنة صفوفها لبناء العالم الجديد، الذي ستكون سورية الجديدة واحدة من أوائل معالمه الملموسة.