الحلول السياسية خيار إلزامي عالمياً..!
تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في مساعيهم لتوسيع «خارطة الحريق»، ليلتهم المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط، ودول أمريكا اللاتينية «الخارجة عن الطاعة»، إضافة إلى محيط الصين كاملاً. كلّ ذلك في سبيل الخروج من الأزمة الرأسمالية العميقة، وفي سبيل منع وإعاقة ترجمة التوازن الدولي الجديد سياسياً، أملاً في إعادة التاريخ إلى عهد الحاكم الأمريكي المطلق
بالمقابل، تعمل روسيا ومن خلفها قوى «بريكس» على إخماد تلك الحرائق، ومنع تحويلها إلى حروب كبرى أو حروب استنزاف طويلة الأمد على «النموذج السوري»، الذي تجري حالياً محاولة تصديره إلى أوكرانيا. بل وعلى العكس من ذلك فإن هذه القوى تعتمد الحلول السياسية بوصفها الطريق الإجباري الذي سيمر الجميع عبره باتجاه استكمال ترجمة ميزان القوى الدولي الناشئ، الذي سيسمح بدوره لشعوب المناطق «المحترقة» أو المهددة بالاحتراق بتقرير مصائرها بأنفسها.
وإذا كانت «واشنطن» وبعض حلفائها الأوربيين ومعهم الكيان الصهيوني، قد عملوا مؤخراً على حشر أوكرانيا ضمن «خارطة الحريق»، بالتزامن مع محاولات إشعال فنزويلا وبقاع أخرى، وبالتزامن مع تعليق غير معلن للجولة الثالثة من مؤتمر «جنيف-2» حول سورية، فإنّ توجههم هذا لا ينّم عن قوة كما يتصور البعض، بل هو على العكس من ذلك يدل على تعمق المشكلة الأمريكية وتفاقمها وانغلاق المخارج أمامها الواحد بعد الآخر.
إنّ توسيع خارطة الحرب والدمار والقفز الأمريكي من نقطة إلى أخرى، كلما لاح احتمال الخسارة، إذ يظهر كمحاولة لربط الملفات الدولية بحثاً عن «صفقات» تقلل الخسائر، فإنّه في عمقه سيزيد من تلك الخسائر ويعزز مواقع روسيا وحلفائها التي لن تكون في وارد عقد صفقات طالما أن واقع الأمور يدفعها يوماً بعد آخر نحو الأمام تزامناً مع تراجع الخصم وتقهقره ومراكمته لهزائمه المتتالية.
العملة الصينية تقفز إلى الموقع الثاني عالمياً في التجارة الدولية، وأية عقوبات أمريكية على روسيا كفيلة بتعقيد الوضع الأميركي والأوربي، كما أنه لا أرضية واقعية لأية تهديدات عسكرية غربية أو أطلسية تجاه موسكو. أما الفاشية التي كانت «مأساةً» في ظهورها التاريخي الأول في بدايات القرن العشرين، فمحكومٌ عليها بالفشل، وبالتحول إلى «مهزلة» في ظهورها المعاصر، لأن المشكلات الجديدة لا تحلها الوسائل القديمة، من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التجربة السابقة تظهر أن الفاشية ذاتها انقضت على حلفائها ومن صنّعها، أولاً!
بناءً على ذلك، فإنّ الحلول السياسية ستعود إلى الواجهة قريباً بوصفها طريقاً إجبارياً. ففي أوكرانيا، التي تمت فيها محاولة امتطاء الحراك الشعبي عبر التسليح ودخول القوى الفاشية المسلحة على المشهد هناك، مع استخدام الدور التقليدي للقناصة، يجري الآن تطويق هذا الوضع وإحباط تداعياته عبر العودة إلى جوهر اتفاق 21 شباط الذي وافق عليه الأوربيون، ليكون نقطة انطلاق نحو عملية سياسية تسمح للشعب الأوكراني بتقرير مصيره بعيداً عن سطوة مافيات السلطة السابقة وعبث النازيين الجدد في السلطة الانقلابية. وسيساعد في هذه العملية ذلك الشرخ الأوربي- الأمريكي الذي يتعمق في كل يوم يتأخر فيه حل المسألة الأوكرانية الضاغطة اقتصادياً وأمنياً على أوربا.
أما في سورية التي سيستمر «جنيف» فيها بجملة من التسويات والهدنات على الأرض، ستضطر واشنطن إلى عودة سريعة إلى «جنيف الطاولة» قبل أن تظهر خسارتها في أوكرانيا، كيلا تنعكس ضعفاً وعجزاً إضافياً في المسألة السورية، حيث سيتواصل جنيف، ولاسيما مع حضور المعارضة السورية الوطنية فيه سواء دعيت أم لم تدع، ليفتح الطريق أمام إيقاف التدخل الخارجي وإيقاف العنف وإطلاق عملية سياسية حقيقية تحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً وتسمح للسوريين بتقرير مصيرهم بأنفسهم في كل القضايا والاستحقاقات المزمنة.