ميزان القوى اتجاه واحد ومحدد
يشكل ميزان القوى الدولي الجديد العنوان الأبرز، والمحرك الأساس لمجمل العمليات الجارية على المستوى الدولي في الظرف الراهن، واذا كان انكار هذه الحقيقة بات نوعاً من الجهل السياسي، فأنه في الوقت نفسه يكلف هؤلاء «الناكرين» اثماناً باهظة، في ظل ترسخ وتثبيت وتعزيز دور القوى الدولية الصاعدة.
إن مسار التراكم الرأسمالي الذي قاده المركز الرأسمالي الغربي، وصل إلى هيمنة قوى رأس المال المالي التي استنفذت نفسها، وفقدت إمكاناتها وباتت أدواتها السابقة في الهيمنة عاجزة عن أداء الدور السابق، مما أدى إلى دفع المنظومة بكاملها إلى مأزق تاريخي لا حل له إلا القبول بالأمر الواقع، أي القبول بموقعها الطبيعي في منظومة العلاقات الدولية، وإنهاء عملية النهب المضاعفة التي تتيحها السلطة على المنظومة المالية والنقدية عالمياً.
ولما كان تراجع المركز الرأسمالي الغربي بات أمراً ملموساً، فمن الطبيعي أن يلقي هذا التراجع بظلاله على مجمل العمليات الجارية في عالم اليوم، لاسيما وأن القوى الصاعدة لا تفوت فرصة واحدة في ملء الفراغ الناشئ عن تراجع المركز الغربي.
من خصائص هذه العملية النوعية الجارية اليوم، أن مصالح القوى الصاعدة تتقاطع موضوعياً، مع مصالح شعوب العالم قاطبة، بما فيها مصالح شعوب البلدان الرأسمالية نفسها، وهذا ما يمدها بالزخم والحيوية، وتتجلى بأشكال مختلفة في شبكة العلاقات الدولية، والواقع الجيوسياسي الدولي برمته، فالتحالف غير المقدس بين طرفي الاطلسي يتضعضع، والتناقضات داخل كل بلد على حدة تحتدم، في حين أن القوى الصاعدة تبني أدواتها الجديدة، وتعزز مواقعها، وإذا أخذنا بعين الاعتبار بأن العلاقة بين المركز المتراجع ودول العالم، كانت قائمة على النهب والتبعية وفرض الإملاءات، فإنه في ظل الواقع الجديد أصبح العالم المنهوب قادراً على طرح خياراته، ومواجهة خيارات الخصم،
يعتبر التوازن الدولي الجديد، في العمق، تجلياً لأحد أهم التناقضات في عالمنا المعاصر «إمبريالية_ شعوب» وإن كان يتمظهر حتى الآن، بأنه صراع بين الدول، إلا أن الجانب الآخر منه هو: الصراع داخل الدولة الواحدة أيضاً، بمعنى آخر هناك دول، دفعها الواقع الموضوعي، لأن تصطف في مكان ما ضمن الاستقطاب الدولي الجديد، لأن رأس المال المعولم، سعى ويسعى إلى ابتلاع العالم.. العالم كله، وهو بذلك وسع دائرة خصومه لتشمل قوىً واسعةً بما فيها جزءاً من البنية الرأسمالية العالمية.
إن التوازن الدولي الجديد، هو عملية صراع، وإذا كان هناك توافق، فهو توافق الأمر الواقع، الذي يلزم طرفاً بالتراجع لمصلحة طرف آخر، مما يعني، أن خيارات القوى الصاعدة القائمة على الالتزام بالقانون الدولي، والاعتراف المتبادل بالمصالح، هو الذي يحدد اتجاه سير الاحداث، وآفاق التطور اللاحق.
ضمن هذا السياق، وكمؤشر على تقدم دور القوى الصاعدة جاء القرار الدولي 2254الذي يعتبر خريطة طريق حل الازمة السورية، والذي وجد لينفذ كما أكدنا مراراً، والذي يشكل ببنوده وروحه تعبيراً عن مصالح الشعب السوري، كونه يعيد القرار إلى السوريين، اي أن العامل الدولي في ظل ميزان القوى الجديد يصبح عاملاً إيجابياً، لمصلحة الشعوب، بعد أن تم لجم قوى رأس المال المعولم.