كيف تبدو سيادة القانون على الورق وفي سوق العمل السوري؟
كيف تبدو سيادة القانون على الورق في سوق العمل السوري؟ وكيف تختبر على الأرض تحت ضغط الأزمة الاقتصادية والتراجع العام؟ وما الذي يمكن فعله لتقوية الامتثال وحماية التنافسية للشركات والعمال معاً؟
ما المقصود بسيادة القانون في الاقتصاد وسوق العمل؟
سيادة القانون هنا تعني أن قواعد اللعبة (القوانين والقرارات) واضحة ومتوقعة، تطبق على الجميع دون انتقائية، وتنفذ عبر مؤسسات تمتلك صلاحيات وقدرة رقابية وقضائية فعالة. اقتصادياً، النتيجة هي خفض تكاليف المعاملات وحماية الاستثمارات ومنافسة عادلة وتحسين إنتاجية العمل.
كيف تبدو سيادة القانون على الورق في قانون العمل رقم 17 لعام 2010؟
- مجال التطبيق والحقوق الدنيا: القانون يسري على علاقات العمل في القطاع الخاص والمشترك والتعاوني، ويقر أن الحقوق فيه حقوق دنيا لا يجوز التنازل عنها، كما يحظر التمييز في الاستخدام والأجر والترقية والتأديب والتسريح.
- ثغرات التغطية: ثمة فئات مستثناة كعمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم وبعض العمال الجزئيين والعاملين في الجمعيات الخيرية، ما يخلق منطقة رمادية قانونياً.
- إتاحة التقاضي للعمال: دعاوي العمال معفاة من الرسوم، ويجوز للمحكمة اتخاذ تدابير وقتية ومنح النفاذ المعجل.
- فض المنازعات: تنشأ محكمة بداية مختصة عمالية ثلاثية، وتتولى البت بالمنازعات الفردية، وتجيز للمسرَّح المطالبة بالتعويض أو العودة.
- التفتيش والإنفاذ: لمفتشي العمل صفة الضابطة العدلية، وحق الدخول دون إخطار خلال أوقات العمل، واتخاذ إجراءات (تنبيه/إنذار/ضبط) واقتراح الإغلاق وتحويل الضبوط للمحكمة.
- ساعات العمل والراحة والعمل الليلي: تحديد ساعات العمل اليومية والأسبوعية والاستراحات والعمل الليلي وتنظيم الوجبات والراحة.
هذا الإطار المعياري قوي نسبياً على الورق: حقوق دنيا، قضاء عمالي، تفتيش، وعدم تمييز. لكن الاختبار الحقيقي هو الامتثال في ظل أزمة ممتدة.
ما الذي فعلته الأزمة بالامتثال وسيادة القانون؟
- تضخم وانهيار العملة وتآكل الأجور الحقيقية: حيث خسرت الليرة معظم قيمتها خلال العقد الماضي، والتضخم بقي مرتفعاً جداً حتى عام 2024 و2025 (تقديرات أممية/دولية). هذا يضغط على كلفة الامتثال (تأمينات/سلامة/عقود) ويغري بالتحايل أو الخروج إلى الظل.
- زيادات الأجور غير الفعالة: جرت زيادات متتالية على الأجور العامة، ففي شباط 2024 زادت الأجور والرواتب بنسبة 50% وشملت المتقاعدين مع تغطية إعلانية واسعة، ثم في حزيران صدر المرسوم التشريعي بزيادة 200% للأجور، وتقارير اقتصادية أشارت إلى رفع الحد الأدنى إلى 750000 ليرة سورية. ولكن التأثير الفعلي لهذه الزيادات يبقى مرتهناً لمستوى الأسعار.
- توسع الاقتصاد غير المنظم: تقديرات منظمة العمل الدولية تشير إلى أن العمالة غير المنظمة تتجاوز 80%، مما يعني خروجاً واسعاً من مظلة التفتيش والعقود والتأمينات. وهذا يضعف سيادة القانون لأن قاعدة الملتزمين تصبح أقلية.
- قدرة مؤسساتية مرهقة: ضعف الموارد العامة وتراجع القدرة التشغيلية للوزارات والمحاكم وتفاوت الأوضاع بين المحافظات، كلها تعقد التفتيش والبت السريع في النزاعات. تقارير الأمم المتحدة لعام 2024 و2025 تؤكد تآكل القدرة الشرائية وتضخم الاحتياجات الإنسانية، ما يضغط الطلب على سوق العمل الرسمي.
- تشوهات المنافسة: المنشآت التي تلتزم بالتسجيل والأجور والتأمينات والسلامة تتحمل كلفة أعلى من المنافسين غير الملتزمين الذين يعملون في الظل، فتعاقب الطاعة ويكافأ التحايل، وتضعف سيادة القانون كسلوك راجح.
- فجوات تغطية قانونية: استثناء فئات من العمال كعمال الخدمة المنزلية وبعض العمل الجزئي والمؤسسات الخيرية يخلق مساحات واسعة لا تصلها أدوات القانون (تفتيش/محاكم عمالية)، فتتآكل الحماية القانونية والامتثال لها.
كيف ينعكس ذلك على سوق العمل والشركات؟
- عقود قصيرة وهشة: الميل إلى العقود المؤقتة والخدمية أو الأجور بالقطعة وبالعملة الصعبة ضمنياً لتخفيف مخاطر التضخم، مما يضعف الاستقرار ويزيد المنازعات.
- انزياح نحو الدفع الفوري: والخروج من النظام التأميني لتفادي التزامات طويلة الآجل.
- استثمارات مؤجلة: وغياب توقعية القواعد والإنفاذ العادل يرفع علاوة المخاطر ويبطئ إعادة التوظيف.
- تراجع إنتاجية العمل: دوران عالٍ للعمالة وتدريب أقل وسلامة مهنية متواضعة، كلها تكاليف غير ظاهرة.
خلاصة
في القوانين السورية، وخاصة قانون العمل رقم 17 لعام 2010، هناك الكثير من المواد التي تعطي العامل حقوقاً مهمة: عقد مكتوب، حد أدنى للأجور، ساعات عمل محددة، تعويض في حال الفصل، وتأمينات اجتماعية. على الورق يبدو كل شيء واضحاً وعادلاً. لكن على أرض الواقع، ومع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، أصبحت هذه الحقوق صعبة التحقيق. المشكلة في الأجور أنها لا تكفي ويبتلعها أي تضخم، عقود عمل غائبة أو شكلية مع ضعف الرقابة، وتأمينات اجتماعية شبه غائبة، ونقابات بلا نفوذ فلا تستطيع الضغط أو التفاوض بشكل فعال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240