افتتاحية قاسيون 1120: فرصة حقيقية!
تجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السورية عتبة 8150 ليرة سورية للدولار الواحد خلال الأيام الماضية. قبل سنة من الآن كان سعره بحدود 3900 ليرة للدولار. وفي نيسان 2019 كان سعره ما يزال أقل من 600 ليرة للدولار الواحد. وبالتوازي فإنّ الأجور ما تزال على هزالها، وأسعار كل شيء ترتفع بنسبٍ حدها الأدنى هو نسبة ارتفاع سعر الصرف.
في خضم النشاط السياسي المحموم دولياً وإقليمياً الخاص بسورية، ورغم توقف الأعمال العسكرية منذ أواسط عام 2019 بجهود مجموعة أستانا، فإنّ المعطى الوحيد الثابت هو: أنّ وضع السوريين يتردى بشكل متسارع من سيئٍ إلى أسوأ، وهو ما يكشف ثلاث حقائق:
أولاً: درجة تأثر سورية بالعقوبات الغربية هي انعكاس لدرجة ارتباطنا الاقتصادي بالغرب، وبالأحرى تبعيتنا الاقتصادية له خلال سنوات طويلة مضت؛ فكلما كان الارتباط بالغرب أعلى كان تأثير عقوباته علينا أعلى... في روسيا وإيران وكوبا وغيرها من الدول المعاقبة غربياً، لا تتغير أسعار السلع مع تغيرات سعر الصرف، وحتى وإنْ تغيرت فإنها تتغير تغيرات طفيفة، أما عندنا فالليرة السورية باتت مجرد ظلٍ للدولار إلى الحد الذي بدأت فيه الدولرة بالتحول شيئاً فشيئاً إلى عملية مشروعة ومقوننة.
ثانياً: تأثير العقوبات والحصار يتضاعف كلما تضاعف حجم الفساد الكبير المتحكم بمفاصل الدولة وبمفاصل العملية الاقتصادية، والذي كان في الأحوال الطبيعية يأكل لحم الناس ويمص دمهم، والآن وصل إلى عظامهم.
ثالثاً: خلال كل السنوات الماضية، لم يتمّ اتخاذ أيّ إجراء جدّي ضد هيمنة الدولار- اللهم إلا الكلام. وهو ما يعكس عقلية محددة ليست لديها أي رغبة ولا مصلحة في التوجه شرقاً بشكل حقيقي، وفي الاستفادة من فرصة التحولات الدولية الكبرى الجارية.
فوق هذا وذاك، انتقل «محللون» و«خبراء» يطلون من منابر الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، من الحديث عن استعداد البلاد لاستقبال اللاجئين العائدين، إلى حديث معاكس تماماً عن أنّ البلاد ليست قادرة على ذلك، وأنّ العودة مشروطة بدفع الدول العربية والعالم أموالٍ لسورية، كي تتمكن من استقبال أبنائها... وكأنّ الشعب السوري والعالم بأسره لا يعرف أنّ لدينا في سورية ثقباً أسود ممثلاً بالفساد الكبير، يمكنه أن يبتلع بكفاءة عالية مليارات وعشرات مليارات الدولارات، دون أن يتسرب منه شيء اتجاه عامة السوريين المحتاجين أشد الحاجة!
إذا كان ما سبق هو الجانب المظلم من الصورة، فإنّ جانبها المضيء يتمثل بما يلي:
أولاً: العمل الذي تقوم به أستانا لتحقيق التسوية السورية التركية هو عمل يتم على مدار الساعة، ولن يقف في وجهه أي تشدد وأية ألاعيب، وسيمضي وصولاً إلى نهاياته المتمثلة ليس فقط بتسوية العلاقات بين البلدين، بل وأيضاً بالوصول إلى حل سياسي شامل على أساس القرار 2254؛ الأمر الذي أكده كل بيان مشترك أصدرته مجموعة أستانا، إضافة إلى التأكيدات الأحادية عليه بما في ذلك مؤخراً الروسية، والتركية، عبر تصريحٍ لوزير الخارجية التركي.
ثانياً: خلال السنوات الماضية، حاول الغرب، ومعه المتشددون السوريون، وعبر المطبعين من العرب مع الكيان الصهيوني، الالتفاف على مسار أستانا؛ وذلك تحت شعارات من قبيل «تغيير سلوك النظام» و«خطوة مقابل خطوة» وإلخ.. بعد التسوية السعودية الإيرانية بالوساطة الصينية، وبعد اجتماع جدة منتصف هذا الشهر، فإنّه تم إغلاق الطريق أمام المطبعين مع الكيان، وتجري حالياً إعادتهم تدريجياً إلى حجمهم الطبيعي. بل ويجري العمل لقلب السحر على الساحر، عبر تحويل التجمع العربي من بوابة خلفية للغرب ضد أستانا، إلى كتلة مستقلة تتعاون مع أستانا، وعبر السعودية خصوصاً، للوصول إلى حل شامل في سورية.
إنّ هذه الظروف، تمثل بمجموعها فرصة حقيقية لإيقاف المأساة التي يعيشها الشعب السوري، ولفتح الباب أمام إعادة سورية إلى الحياة. التقاط هذه الفرصة يتطلب تغييرات جذرية، ويتطلب استعداداً لتلك التغييرات... هذه الفرصة بكل الأحوال لن تضيع في نهاية المطاف من يد الشعب السوري، ولكنها ستضيع من يد القوى السياسية التي تعاندها ولا تعرف التعامل معها.
ليس مهماً بطبيعة الحال مصير هذه القوة السياسية أو تلك، هذا الطرف السياسي أو ذاك، ولكن كلما كانت الأطراف السورية أكثر فهماً للفرصة المتاحة، كلما كان ممكناً توفير فصول إضافية من العذابات على الشعب السوري... وهذا هو جوهر المسألة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1120
- سورية
- الأزمة السورية
- الوضع المعيشي
- الأجور
- الليرة السورية
- الدولار
- العقوبات الاقتصادية
- الفساد
- الاقتصاد السوري
- أستانا
- روسيا
- تركيا
- إيران
- التسوية السورية التركية
- الحل السياسي
- 2254
- الولايات المتحدة الأمريكية
- الكيان الصهيوني
- التطبيع مع الاحتلال
- السعودية
- الاتفاق السعودي الإيراني
- اللاجؤون السوريون
- افتتاحية قاسيون