ندوة حوارية في وزارة المالية.. أول مناقشة حقيقية لتداعيات الأزمة الرأسمالية على الاقتصاد السوري
دعا وزير المالية معظم الباحثين الاقتصاديين والإعلاميين إلى ندوة حوار مفتوح مع جميع التيارات الاقتصادية سواء المعارضة لسياسته المالية أو المتوافقة معها، من أجل التشاور حول السياسة المالية التي يجب أن تتبعها الوزارة لمجابهة تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السوري، الأمر الذي وجد فيه بعض المراقبين محاولة لوزير المالية للتمايز عن الفريق الاقتصادي الذي يقوده الدردري، فيما وجد فيه البعض الآخر دوراً أكبر للوزير الحسين في صناعة القرار الاقتصادي (وبالتالي دور أكبر للقيادة القطرية) على حساب الدور الذي كان منوطاً بالنائب الاقتصادي، ما يعني ربما، محاولة القيادة السياسية لجم التوجه نحو اقتصاد السوق المتوحش وأخذ الحكومة بعضاً من دورها الاجتماعي الذي فقدته في السنوات الأخيرة. وفي العموم فإن جميع المراقبين وجد فيها بادرة حسن نية، خصوصاً وأن الوزير الحسين أكد في سياق الندوة على مبدأ «الشورى»، واستشهد ببعض أقوال الخليفة عمر بن الخطاب في هذا الخصوص..
د.الحمش: إضعاف الدولة والوصول إلى حكومة الحد الأدنى
بدأ د. منير الحمش مداخلته بملاحظة أن الحكومة تسعى إلى طرح القضايا الاقتصادية بشكل مجزأ، وتبتعد عن طرح القضية بشكلها الأساسي، أي كسياسات اقتصادية ومالية وتجارية متكاملة. وأضاف د. الحمش: في الواقع إن السياسة المالية التي نفذت حتى الآن هي عملياً حزمة من السياسات الواردة في برنامج توافق واشنطن وتوصيات البنك الدولي وبرنامج صندوق النقد الدولي.. وتابع: هذا ما يجب أن نناقشه، ولكن الحكومة تتهرب من طرح هذه الموضوعات، وتطرح القضايا الاقتصادية بخطوطها العريضة، مرة في الدعم ومرة في تحرير التجارة ومرة في الضريبة و... دون أن تجد القواسم المشتركة أو تسمح للآخرين برؤية هذه القواسم في السياسة الاقتصادية.
ورداً على استيضاح من وزير المالية حول الالتقاء بين السياسة المالية السورية واتفاق واشنطن، قال د. الحمش: إذا دققنا في برنامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نجده يهدف باختصار إلى إضعاف الدولة والوصول إلى حكومة الحد الأدنى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو يسعى إلى تحرير الاقتصاد وتحرير التجارة الخارجية وتحرير الأسعار، وفي السياسة المالية السورية يتم إضعاف دور الدولة منذ أربع سنوات عن طريق إضعاف دورها الاقتصادي، وذلك من خلال تخفيض الإنفاق العام الاستثماري، وحتى إذا وضع كبند في الميزانية فستكون البيروقراطية عائقاً أمام تنفيذ كامل الإنفاق الاستثماري المقدر كاعتمادات. وأشار الحمش إلى مسألة عدها في غاية الأهمية، وهي سعي وزارة المالية إلى تضخيم مسألة العجز من أجل استخدام ذلك للانسحاب من مسألة دعم الأسعار للمستهلك. كما أكد د. الحمش أن تحجيم دور الدولة يتم من خلال تخفيض الضرائب على الأغنياء وإبقائها على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهذا ما حصل، إذ وصلت الضريبة إلى 14 % للشركات المتمتعة بمزايا، في حين بقيت الضريبة على الأفراد وعلى القطاع العام 28 %، وهي سياسة تسعى إلى تضخيم دور القطاع المالي وقطاع أصحاب رؤؤس الأموال.
د. مرزوق: مطلوب من الحكومة أن تبحث في مسألة توزيع الدخل
د. نبيل مرزوق تمنى أن تكون هناك ورقة معدة من وزارة المالية حول أثر الأزمة المالية على الاقتصاد السوري أو الأثر المتوقع على عجز الموازنة، كي يتم الاتفاق على هذا الأثر، ثم الحديث عن السياسات، مشيراً إلى دراسة لهيئة تخطيط الدولة تقول إن عجز الموازنة سوف يزداد بسبب الأزمة.
وأضاف د. مرزوق أن الموضوع ليس موضوع أزمة مالية فقط، إنما هو موضوع تنموي، فالدول الأكثر تضرراً من الأزمة هي الدول التي تتمتع بأكبر خلل في توزيع الدخل، مؤكداً أنه كلما كان الدخل أكثر توازناً كان الأثر أقل، وبالتالي مطلوب من الحكومة أن تبحث في هذه المسألة. وتابع د. مرزوق: كما أن هناك تهرباً ضريبياً، وفي الوقت نفسه هناك إعفاءات ضريبية. وتساءل: كيف يمكن لوزارة المالية زيادة إيراداتها بالاعتماد بشكل رئيسي على إيرادات القطاع العام، وعلى فوائض القطاع العام الأمر الذي يحجب الإيرادات اللازمة لعملية التنمية؟؟ كما بين د. مرزوق أن هناك تراجعاً في حجم الموازنة الاستثمارية بشكل عام، بالإضافة إلى تراجع مستمر لحصة الموازنة العامة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تراجع في قدرة الدولة على التدخل وضبط الوضع الاقتصادي والنشاط الاقتصادي في البلاد، بالإضافة إلى التراجع في العملية الاستثمارية وتخلي الدولة عن الاستثمار.
د.جميل: إذا انتقلت الأزمة إلى مرحلة لاحقة فسنكون الأكثر تأثراً
أكد د. قدري جميل أنه من الخطأ الفادح الحديث عن تأثير الأزمة حتى الآن وحسب، مبيناً أن المهم في هذه الندوة هو الحديث عن كيفية تطور هذه الأزمة في الفترة المقبلة، وتابع د.جميل: قبل سنتين من الآن لم يكن أحد يصدق احتمال انفجار هذه الأزمة، فإن كنا نعتقد أننا الآن نعيش التداعيات النهائية للأزمة، نكون قد وقعنا في خطأ كبير أيضاً، لذلك يجب علينا أن نفكر كيف نحصن الاقتصاد السوري من خطر انهيار مالي عالمي.. خطر احتشاء حقيقي للاقتصاد العالمي، لأن جميع الاقتصاديين قد تجاوزوا في تحليلاتهم الحديث عن أن الأزمة الحالية تشبه أزمة عام 1929، فالكل يقولون إنها قد تجاوزتها، علماً أن أزمة عام 1929 قد أوصلت البطالة في الولايات المتحدة إلى 40 %، كما أنها أوقفت التبادل النقدي في بعض الولايات، إذ أصبح التبادل فيها بضاعياً، أي وصل سعر الدولار إلى الصفر. وتابع د. جميل: إذا انهار النظام المالي العالمي فلن ينقذ (ربط العملة السورية بسلة عملات) الاقتصاد السوري من الانهيار، وإنما ملاذنا الوحيد هو الاقتصاد الحقيقي، ويجب أن ننتهي من معزوفة أن الاقتصاد السوري هو الأقل تأثراً، لأننا إذا انتقلنا إلى مرحلة الأزمة الاقتصادية فسنكون الأكثر تأثراً، لأن وزن الاقتصاد الحقيقي في تراجع، بالإضافة إلى وجود خلل بالتوزيع بين الأجور والأرباح، وهو خلل عضوي يجب إصلاحه، بالإضافة إلى اختلالات بنيوية تتمثل بالخلل في علاقة الكتلة السلعية بالكتلة النقدية، فسرعة دوران النقد وهي مؤشر هام قد هبط بنسبة 50 % منذ سبعينات القرن الماضي إلى الآن. وختم د.جميل: في السابق كان هناك دور كبير للدولة، ولكنه لم يكن ذكياً في كل الأحيان أما الآن فدور الدولة ضعيف وغبي في الوقت نفسه، مطالباً الدولة بدور ذكي، وبالتالي دور قوي، يستطيع ابتكار الحلول التي من شأنها أن تجنب الاقتصاد السوري مخاطر الأزمة المؤكدة.
د. سلمان: العجز التجاري زاد 401 %
حذر د. حيان سلمان من تسلل تداعيات الأزمة المالية العالمية وفق مبدأ الأواني المستطرقة، مثنياً على اعتراف الحكومة بوجود تأثيرات للأزمة المالية علينا مما يشكل أملاًَ ربما بإجراءات حكومية للمواجهة والذهاب إلى أبعد من التنظير، مشيراً إلى أن الأزمة ستؤثر على الاقتصاد الإنتاجي خاصة مع تراجع دور القطاعات الرئيسية في البلاد، أي الصناعة والتجارة مقابل تضخم في قطاع الخدمات والعقارات والتأمين. وقال: عندما أرى عجزاً تجارياً قد زاد 401% أي بعد أن كان 26 مليار أصبح 105 مليار ليرة، فإن ذلك يستدعي دق ناقوس الخطر، خاصة إذا ما تمعنا في هيكل الميزان التجاري الذي يقوم على غلبة في المستوردات الاستهلاكية وغلبة أيضاً في صادرات الخام وحيث نخسر القيم المضافة بشكل نازف للغاية.
وانتقد حيان القطاع الخاص الذي قال عنه إنه أدمن الخسارة في ميزانه التجاري، وتساءل: عندما تنظر إلى رأس الهرم في النظام التجاري المالي، وعندما تكون نسبة التغطية لخمس سنوات الأخيرة بحدود 60%، فكيف استطعنا تأمين قيمة المستوردات؟ ففي الوقت الذي سمحت الدولة للمصارف بتمويل المستوردات، نحن نعاني من عجز واضح في الصادرات بنسبة 97%.
كما أشار د. سلمان إلى أن الموارد الجمركية هي أقل 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تستدعي طرح الأسئلة بطولها وعرضها على الطاولة.
وتساءل: لماذا لا يدفع القطاع الخاص إلا أقل من 1% كرسوم جمركية في حين أن القطاع العام يدفع الرسوم الجمركية قبل أن يشتري أي شيء؟ ليسأل مرة أخرى من يتهرب من الضريبة؟ ليجد في نهاية حديثه أن التهرب الضريبي يؤثر على الإيرادات والعجز التجاري هو تعبير عن عجز الموازنة بالمحصلة.
د. درغام: إعادة العمل بقرار ربط الصادرات بالمستوردات
تحدث مدير عام المصرف التجاري السوري د. دريد درغام عن منعكسات الأزمة المالية العالمية على القطاع المالي السوري إذ بين أن الأشهر القادمة ستظهر الأزمة المصرفية من جديد بعد أن امتدت إلى الاقتصاد، محذراً من بعض الإفلاسات التي يمكن أن تحصل لبعض الشركات، نتيجة ظهور كفالات غير ظاهرة في الحسابات والذي سينجم عنه تراجع في الأعمال وإغلاق للشركات وتسريح للعمال لتعود الأزمة الاقتصادية من جديد، معتبراً أن هذا ما علينا في سورية النظر إليه ومتابعة التصرف على أساسه في بعض سياستنا التي ستنتهجها الحكومة. كما أيد د. درغام ما دعا إليه بعض الباحثين بعدم الإفراط في تمويل المستوردات خوفاً على القطع الأجنبي في البلاد خاصة في ظل الظروف الحالية وبسبب نقص في السيولة. وقد طرح درغام إعادة العمل بقرار ربط الصادرات بالمستوردات للحفاظ على القطع الأجنبي لأن القطع الذي جمع في البلاد لا يجوز إطلاقاً التفريط فيه، خاصة في ظل وجود ميزان تجاري خاسر بفارق كبير لمصلحة المستوردات التي تأخذ طابعاً استهلاكياً بامتياز.
وختم د. درغام مداخلته بالحديث عن الاقتصاد الكلي مبيناً حاجتنا إلى تحديد لون الاقتصاد الذي نسير إليه وما هو لوننا فعلاً.
قلاع: يجب إصلاح العلاقة بين المواطن وموظفي الدوائر المالية
رئيس اتحاد غرف التجارة السورية أ. غسان قلاع أكد أن الاقتصاد السوري سيتأثر بالأزمة لا محالة، ويجب أن لا نتفاءل كثيراً لأننا في الأساس اعتمدنا على الاستثمارات الخارجية بشكل كبير، كما أن منتجاتنا سوف تتأثر لأنه بتأثر الجهة المستوردة لهذه المنتجات سوف ينكمش حجم صادراتنا. ودعا قلاع إلى عدم تحميل القطاع الخاص أكثر من طاقته، مبيناً أن أكبر ثلاثة منتجات سورية يتم تصديرها هي الحبوب والقطن والنفط، وبالتالي فالقطاع الخاص لا يصدر شيئاً يذكر لأن 90% من صناعتنا قامت في ظل الحماية والمنع والوقف. وانتقل قلاع إلى الحديث عن التهرب الضريبي وضرورة إصلاح العلاقة بين المواطن (المكلف ضريبياً) وموظفي الدوائر المالية، إذ لا يكفي إصلاح النص الضريبي دون إصلاح هذه العلاقة، مبيناً أنه لم يعد مقبولاً ظلم القطاع الخاص لأنه جزء من هذا البلد وليس قطاعاً مستورداً، وهو جزء أساسي من اقتصادنا الوطني. ويتابع: صحيح أن هناك تقصيراً من القطاع الخاص، ولكن هناك تقصير حكومي تجاهه.
- سورية
- الاقتصاد السوري
- وزارة المالية
- أزمة الاقتصاد العالمي
- النائب الاقتصادي
- اقتصاد السوق الاجتماعي
- منير الحمش
- الحكومة السورية
- واشنطن
- صندوق النقد الدولي
- البنك الدولي
- سياسات تحرير الأسعار
- التجارة الخارجية
- الضرائب
- القطاع العام
- التنمية
- الناتج المحلي الإجمالي
- الاستثمار
- قدري جميل
- الأزمة الاقتصادية
- الأزمة المالية العالمية
- الاقتصاد العالمي
- الولايات المتحدة الأمريكية
- التهرب الضريبي
- العجز التجاري
- القطاع الخاص