تصريح ديروان يصدم الصناعيين.. قفز فوق الواقع وتجاهل للمعاناة!
قال الدكتور مازن ديروان، المستشار الأول لوزير الاقتصاد والصناعة السوري، إن رفع الرسوم الجمركية على الألبسة المستوردة أو وقف استيرادها "غير مقبول"، معتبراً أن مشكلة معامل الألبسة في سورية إنتاجية وتسويقية بحتة يجب على أصحابها حلها دون الاتكاء على حماية الدولة.
هذا التصريح، المنقول والمتداول عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي بتاريخ 4 آب 2025، أثار موجة غضب واسعة لأنه يُظهر تعامياً واضحاً عن معاناة الصناعيين السوريين، ويقفز فوق واقع اقتصادي قاسٍ يهدد بتدمير أحد أهم القطاعات الصناعية التقليدية في البلاد.
صناعة الألبسة السورية قطاع تقليدي ناجح يترنح
لطالما كانت الصناعات النسيجية، وصناعة الألبسة خصوصاً، تعتبر:
- من أنجح الصناعات التقليدية التصديرية في سورية.
- مشغّلاً رئيسياً لعشرات آلاف الأيدي العاملة.
- رافعة اقتصادية تدر عملة صعبة وتخلق فرص عمل.
إن أي تراجع في هذه الصناعة لا يعني خسارة مصانع فقط، بل يعني:
- زيادة البطالة.
- استنزاف القطع الأجنبي بالاستيراد.
- وتراجع مساهمة قطاع مهم في الاقتصاد الوطني.
تصريح يتجاهل أزمات بنيوية خانقة
تصريح ديروان لم يُشر إلى جذور المشكلة الحقيقية التي يخوضها الصناعيون منذ سنوات، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
- تراجع إنتاج القطن الذي أدى إلى توقف المحالج ومعامل الغزل والنسيج العامة.
- ارتفاع فاتورة استيراد مستلزمات الإنتاج بالقطع الأجنبي نتيجة توقف الإنتاج المحلي.
- تكاليف طاقة ونقل مرتفعة بسبب ضعف الإمدادات واضطرار المصانع للبدائل المكلفة.
- ضعف الطلب المحلي ومنافسة بضائع مستوردة أو مهربة بأسعار مدعومة.
- الكثير من المشاكل المالية والنقدية والتمويلية والتحويلية.
إن اختزال كل هذا في «مشكلة تسويق» ليس مجحفاً فقط، بل ويُظهر انفصالاً تاماً عن الواقع الصناعي.
تركيا تدعم صناعتها... وسورية تترك صناعييها وحدهم
الأسواق السورية اليوم تغرق بالألبسة التركية، سواء عبر الاستيراد النظامي أو التهريب، بينما تحظى الصناعة التركية بدعم حكومي كامل يتركز فيما يلي:
- تمويل تصديري وضمانات بنكية.
- برامج دعم دولية لتعزيز العلامات التجارية التركية.
- إعفاءات ضريبية وتشجيع للاستثمار في المناطق الصناعية.
- دعم المشاركة بالمعارض الدولية بنسبة تصل إلى 70%.
هذه الآليات جعلت الصناعة التركية تحقق أكثر من 30 مليار دولار صادرات نسيجية في 2023، بينما الصناعي السوري يُترك في مواجهة منافسة مجحفة وغير عادلة.
أزمة القطن أصل الداء وسبب ارتفاع الكلفة
انخفاض إنتاج القطن محلياً أدى إلى سلسلة انهيارات تمثلت بما يلي اختصاراً:
- توقف المحالج ومعامل الغزول العامة.
- زيادة الاعتماد على الاستيراد بأسعار مرتفعة.
- ارتفاع كلفة المنتج المحلي وصعوبة منافسته مع المستورد المدعوم.
على ذلك فإن الحماية الجمركية وحدها لن تكفي، والدعم الحقيقي يبدأ من إعادة بناء سلسلة إنتاج القطن والنسيج لتوفير مستلزمات الإنتاج محلياً.
تصريح يفاقم الشرخ بين الحكومة والصناعيين
كلام ديروان بدا وكأنه تبرئة للحكومات السابقة والحالية من مسؤوليتها عن انهيار الصناعة وتحميل الصناعيين وحدهم وزر الأزمات.
إن مثل هذه التصريحات تُفاقم الشرخ بين الحكومة والصناعيين، وتؤكد غياب رؤية إنقاذ حقيقية، في وقت يصر فيه الصناعيون على ما يلي:
- إنقاذ الصناعة ضرورة وطنية وليست مطلباً شخصياً.
- حماية القطاع المحلي لا تعني الانغلاق على الاستيراد بل خلق توازن عادل.
- التغاضي عن الإغراق التركي والتهريب يهدد الاقتصاد ويزيد البطالة.
المطلوب القطع مع النهج التدميري الموروث
إن تجاهل معاناة الصناعيين وتقزيمها واختزالها في « مشكلة تسويق» جريمة اقتصادية بحق قطاع يشكّل جزءاً من هوية الاقتصاد السوري.
فإعادة تشغيل المحالج ومعامل الغزل ضرورة وطنية.
وتطبيق حماية ذكية من الإغراق ومنع التهريب هو مطلب عاجل.
وإطلاق برامج دعم وتمويل وتصدير تحاكي ما تفعله تركيا تعتبر ضرورة للبقاء.
إن استمرار هذا النهج، الموروث من سياسات سلطة النظام البائد، سيقود إلى موت صناعة الألبسة السورية، وزيادة البطالة، واستنزاف الاقتصاد الوطني، والمطلوب القطع مع هذا الإرث التدميري.