حسان منجه
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
إنها أضخم الموازنات العامة في تاريخ سورية، وهذا ما ذهب مسؤولون اقتصاديون إلى اعتباره مؤشراً على التعافي الاقتصادي، إلا أن المقيمين تناسوا أن موازنة العام 2015 والبالغة 1554 مليار ل.س، لا تتعدى قيمتها الـ 10 مليارات دولار، إذا ما أخذنا سعر الدولار كما اعتمدته الحكومية في موازنتها (150 ل.س)، أما إذا اعتمدنا سعر الصرف في السوق السوداء (200 ل.س للدولار)، فإن الموازنة الحالية لن تتجاوز قيمتها الــ 8 مليار دولار عملياً.
أعاد وزير النفط عقارب الساعة ست سنوات إلى الوراء، مستعيداً على أذهان السوريين مشروعاً أكل الدهر عليه وشرب، ليس لكونه غير واقعي من حيث المبدأ، بل لان صانعي السياسات الاقتصادية ومنفذيها على حدٍ سواء اتخذوه - في الماضي القريب - منطلقاً وقاعدة لإيهام السوريين بأن تلك القرارات لن تأكل دخلهم المحدود، ولن تنزل بمستويات معيشتهم نحو الأدنى، وهذا صحيح من الناحية النظرية، إلا أن عدم الاستمرار في تطبيقه - بحجة الخلل في جوانبه التنفيذية - كفيل بترسيخ الحقيقة المُّرة، وهي انحدار شرائح من السوريين إلى مستويات اقتصادية أدنى، فكيف سيكون الحال في حالتنا الراهنة؟! والسوريون بشرائحهم الواسعة باتوا بحاجة لمساعدات إنسانية فضحتها تقارير مؤسسات الإغاثة الدولية بينما تجاهلتها الأرقام الرسمية..
لا تنسى الحكومة تصويب سهامها باتجاه «الدعم»، مستندة على قاعدتها الذهبية القائلة بأن «الدعم سيبقى في ازدياد ما دام التغير تصاعدي ودائم في أسعار الصرف»، والذي أوصلته الإدارة الاقتصادية إلى ما يزيد عن 160 ل.س لتبرير سياساتها اللاحقة لا لشيء آخر، فعندما رفع سعر ليتر البنزين إلى 120 ل.س تحدث وزير النفط والثروة المعدنية سليمان العباس أن الليتر لا يزال مدعوماً بـ 4 ليرات سورية، استناداً إلى السعر الرسمي للدولار حينها (146 ليرة)، والآن سيتحدث الوزير عن أرقام دعم جديدة ما دام سعر الصرف تحركه الإدارة الاقتصادية للبلاد كلما شاءت، فما يرفع سعر الدولار مركزياً ليس
في مشروع موازنة عام 2014 قدّرت كامل نفقات الدعم الاجتماعي بـنحو 615 ملياراً، أي أعلى من مثيلاتها بموازنة 2013 بما يقارب 103 مليارات ليرة، وهذا ما اعتبر في حينها «سخاءً» حكومياً و«دلالاً» زائداً للمواطن السوري، من وجهة النظر الحكومية في ظل ظروف استثنائية
بسمفونية الدعم المعهودة، أطلت علينا جهات حكومية بقائمة من الأرقام التي تساهم في تبرير وتمرير السياسات الحكومية
من على منبر التوفير، وبقائمة من الأرقام غير المعهودة، تحدث مسؤولون حكوميون عن الوفر الذي حققته «الحكومه» من رفع أسعار المياه والكهرباء والخبز والمواد المقننة، على اعتباره انتصاراً «للوفر الاقتصادي»، دون أن يعترف بأنه أتى على حساب جيوب المواطنين السوريين، لا على حساب الهدر كما يدعي، كما أن الحكومة لم تتباهَ يوماً بوفر اقتصادي محقق إلا ويكون على حساب معيشة أغلب شرائح السوريين، فليس بواردها أو بوارد أصحاب القرار الحديث عن وفر يمكن أن يحقق عبر قرار الحد من الهدر أو من قوننة الفساد بالحد الأدنى، على الرغم من أنه قرارٌ شعبيٌ بالمطلق..
بكثير من الواقعية نسأل، إلى أين يتجه الاقتصاد السوري؟! ولا نعني به الاقتصاد المجرد بطبيعة الحال، لأن المسار الاقتصادي هو من سيحدد مصير ملايين السوريين، فهل فكر أحد من حكومات (الازمة) باستشراف مستقبل هذا الاقتصاد؟! أم أن الجميع منهمك في التبريرات لتجنب المسؤولية، لأن (مغرمي) السياسات الاقتصادية لا يتحدثون إلا عن حجم التخريب الكبير في البنية التحتية، وعن العقوبات الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد السوري، وبصفتها المسؤول الوحيد عن كل ما يجري من مآسي لهذا الاقتصاد، وهي الدافع - بحسب هؤلاء- لجملة من القرارات الاقتصادية التي أثقلت كاهل السوريين، على الرغم من مجافاة تلك الادعاءات للحقيقة..
لترشيد الاستهلاك والحد من الهدر - كما يدعي المسؤولون الحكوميون- رُفع سعر الخبز بنسبة 66%، وهذا ما اتخذه أصحاب القرار الاقتصادي مبرراً لتمرير قرارات مشابهة بالجملة، كرفع سعر ليتر المازوت بنسبة 225%، إذا ما أخذنا عام 2011 كسنة أساس، بعد تخفيض سعر الليتر إلى 20 ل.س، كما تم رُفع سعر ليتر البنزين منذ شهر آذار من عام 2013 بنسبة 118% بنسبة (من 55 ليرة إلى 120 ليرة) انطلاقاً من القاعدة ذاتها، بالإضافة إلى رفع سعر المواد التموينية (السكر والارز) بنسبة 317% (من 12 ل.س - 50 ل.س للكيلو الواحد)، وقبلها رفع سعر طن الفيول بنسبة 277% (من 13500 - 50 ألف ل.س)، وهذا هو المسوغ الحكومي لقرار رفع سعر شرائح المياه للاستهلاك المنزلي أيضاً..
أنتجت السياسات الحكومية المتعاقبة مواطنا سورياً منهكاً من الفقر والحرمان، وكثيراً ما تختزل تلك المعاناة بالحديث عن ذوي الدخل المحدود، والذين كانوا - في سنوات ما قبل الأزمة – المقياس الواقعي لحجم معاناة السوريين، والمعيار الأساسي لفشل تلك السياسات الحكومة أو نجاحها، إلا أن الأزمة وتجلياتها أوجدت نوعاً آخر من المعايير، انطلاقاً من القاعدة الذهبية القائلة، بأنه إذا كان ذوو الدخل المحدود على حافة هاوية الفقر في ظل التضخم الحاصل في الأسعار، فما حال من لا دخل لهم إذاً؟!
لو نجح التوجه الاقتصادي شرقاً لما سُمعت الصرخة التي أطلقها مدير خدمات التجارة في الهيئة العامة لتنمية وترويج الصادرات، والتي أشار فيها إلى امتلاك سورية إمكانيات تصدير غير مستغلة مع 32 دولة من مختلف أصقاع العالم، والتي تعد أسواقاً واعدةً وبمثابة دول شريكة بالنسبة لسورية، كان يمكن للبلاد أن تنسج معها علاقات اقتصادية وتجارية واستثمارية..