ثلاثة أرباع السوريين فقراء.. الحكومة: الدعم لشريحة معروفة من المستحقين!
أعاد وزير النفط عقارب الساعة ست سنوات إلى الوراء، مستعيداً على أذهان السوريين مشروعاً أكل الدهر عليه وشرب، ليس لكونه غير واقعي من حيث المبدأ، بل لان صانعي السياسات الاقتصادية ومنفذيها على حدٍ سواء اتخذوه - في الماضي القريب - منطلقاً وقاعدة لإيهام السوريين بأن تلك القرارات لن تأكل دخلهم المحدود، ولن تنزل بمستويات معيشتهم نحو الأدنى، وهذا صحيح من الناحية النظرية، إلا أن عدم الاستمرار في تطبيقه - بحجة الخلل في جوانبه التنفيذية - كفيل بترسيخ الحقيقة المُّرة، وهي انحدار شرائح من السوريين إلى مستويات اقتصادية أدنى، فكيف سيكون الحال في حالتنا الراهنة؟! والسوريون بشرائحهم الواسعة باتوا بحاجة لمساعدات إنسانية فضحتها تقارير مؤسسات الإغاثة الدولية بينما تجاهلتها الأرقام الرسمية..
الاوضاع الاقتصادية تتطلب توسيع مخصصات الدعم العيني لا إلغاءه
(الاستشعار بالخطر!!)
من جديد، أطل علينا وزير النفط والثروة المعدنية، ليقول «إنّ إيصال الدعم النقدي بدلاً من العيني لشريحة معروفة من المستحقين أصبح هدفاً واضحاً ومؤكداً، ولكنه بحاجة إلى إجراءات استثنائية ومزيد من التعاون للوصول إلى صيغة تنفيذية لآلية توزيعه»..
الآن فقط، وبعد أن وصل سعر ليتر المازوت إلى 80 ل.س، وسعر ليتر البنزين إلى 140 ل.س، استشعر وزير النفط بأن إيصال الدعم لمستحقيه بشكله النقدي بدلاً من العيني بات هدفاً، فإذا ما كان الاستشعار الحكومي الأوّلي يتطلب كل تلك القرارات، فكم سيتخذ من قرارات (على صعيد رفع أسعار المشتقات النفطية) حتى تبدأ أولى الخطوات على توزيع فتات الدعم النقدي تعويضاً للسوريين عن تلك القرارات؟.! وكم ستأخذ من سنوات؟! هذا إذا ما سلمنا بحسن النية الحكومية، لا لكونها حكاية شامية أراد أن يقصها وزير النفط على مسامع السوريين ليتسلى بها الشارع لشهور وشهور قادمة فقط..
الاستشعار في هذه اللحظة، يعني أن الحكومة لم تكن بوارد الحديث عن مستحقين لدعم نقدي عوضاً عن العيني، وهذا يؤكده حديث الوزير ذاته عن الحاجة إلى إجراءات استثنائية ومزيد من التعاون للوصول إلى صيغة تنفيذية لآلية توزيعه، أي أن لا وجود لخطة أو دراسة حكومية حقيقية قد استندت إليها الحكومة قبل الشروع في اتخاذ حزمة القرارات المرتبطة برفع أسعار الدعم، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدفعنا للقول إن الحديث الحكومي هذا ما هو إلا مساهمة في تضليل الرأي العام مجدداً
شكوك
ما الذي يقصده الوزير بالشريحة المعروفة؟! وهل لدى الوزير أو عند الحكومة أية قاعدة بيانات جديدة عن الفقر في البلاد؟! وهل يمتلكون جداول دقيقة للعائلات المفترض استفادتها من «الدعم النقدي»؟! وهم من فشلوا في السابق بتكوين مثل تلك القاعدة الدقيقة والضرورية لمثل تلك الاستحقاقات؟! حيث إن المكتب المركزي للإحصاء لم يسعفهم في الوصول إليها، وهو ما دفع وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الأسبق في عام 2012 إلى الاعتراف بأن نسبة الخطأ في استهداف توزيع المعونة الاجتماعية قد وصلت إلى 86 بالمئة، وهذا لا تتحمله الأخطاء التنفيذية فقط، بل إن نسب الخطأ في البيانات التي استندوا إليها في توزيع المعونة الاجتماعية أيضاً، هي ما أوصلت إلى نسبة فشل إجمالية ذريعة في توزيع المعنونة عموماً، فمن أين سيأتي الوزير الموقر والحكومة العتيدة ببيانات صحيحة الآن؟! ومن الضامن لتنفيذ صحيح لتلك البيانات ناهيك عن دقتها؟! فحديث الوزير عن إيصال الدعم لشريحة معروفة من المستفيدين كمن يبيع السمك وهو في البحر..
تجربة لا تنذر بالخير
في عام 2008، رفعت الحكومة سعر ليتر المازوت إلى 25 ل.س، والبنزين إلى 40 ل.س، متحدثة في حينها عن برنامج حكومي واضح المعالم بتوجهاته، وإجراءاته التنفيذية، وقاعدة بياناته، والمستند إلى الخطة الخمسية العاشرة، والتحول نحو اقتصاد السوق، والمرتبط بتشكيل شبكة حماية اجتماعية، وما البرنامج الحكومي لتوجيه الدعم إلى مستحقيه إلا أحدها، إلا أن السوريين لم يحصلوا من الدعم إلا على الاسم فقط في حينها، لتبقى كل تلك التوجهات رهن التجارب الفاشلة واحدة تلو الأخرى (على امتداد ثلاث سنوات) حتى يتقرر إلغاؤها بالمطلق، ولهذا من واجبنا أن نسأل: كيف سيكون حال التجربة المفترضة إذا ما جرى اعتمادها أساساً؟!
الإستراتيجية الأدق
إن وصول نسبة الفقر في البلاد إلى 80% أو 90% (الفقر المدقع، والحد الأعلى للفقر) في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب السوري على الأصعدة كافة لا يستدعي استبدال الدعم العيني بالنقدي لشريحة معروفة من السوريين كما يدعي وزير النفط، بل يتطلب تعزيز الدعم العيني ما دامت الشرائح التي تستحق الدعم تصل إلى أكثر من ثلاثة أرباع الشعب السوري، أي أن نسبة المستحقين هي أكبر بكثير من سواها من غير المستحقين، وهذا يستدعي تعزيز الدعم العيني لا استبداله بالنقدي كما تقول الحكومة، أو بالأحرى إلغاءه عبر تلك الخطط الحكومية الوهمية..