كم ستوفر الحكومة من تخفيض مخصصات وقود الفئة الأولى؟
من على منبر التوفير، وبقائمة من الأرقام غير المعهودة، تحدث مسؤولون حكوميون عن الوفر الذي حققته «الحكومه» من رفع أسعار المياه والكهرباء والخبز والمواد المقننة، على اعتباره انتصاراً «للوفر الاقتصادي»، دون أن يعترف بأنه أتى على حساب جيوب المواطنين السوريين، لا على حساب الهدر كما يدعي، كما أن الحكومة لم تتباهَ يوماً بوفر اقتصادي محقق إلا ويكون على حساب معيشة أغلب شرائح السوريين، فليس بواردها أو بوارد أصحاب القرار الحديث عن وفر يمكن أن يحقق عبر قرار الحد من الهدر أو من قوننة الفساد بالحد الأدنى، على الرغم من أنه قرارٌ شعبيٌ بالمطلق..
إنَّ الوفر الذي حققته الحكومة من رفع أسعار المياه والكهرباء والخبز والمواد المقننة يبلغ 72 مليار ليرة، نحو 28 مليار ليرة منها كوفر في قطاع الكهرباء، كما أن رفع أسعار المياه سيحقق وفراً يصل إلى 20 مليار ليرة، ونحو 14 مليار ليرة من خلال رفع سعر ربطة الخبز من 15 إلى 25 ليرة، كما أنَّ رفع سعر المواد المقننة من السكر والرز من 25-50 ليرة للكيلو حقق وفراً بحدود 10 ليرات سورية، هذا ما طرحه رئيس الحكومة من أرقام، «مطمئنناً» و«مثلجاً» قلوب الجميع إلى أنَّ المبالغ المحققة تم توجيهها إلى قطاعات أخرى، كالتربية والصحة، دون أن يلمس المواطن السوري أي تحسن فعلي في تلك الخدمات لاحقاً بطبيعة الحال، وهذا ما ستثبته الأيام، أي أن تلك المبالغ لن يستفيد منها المحتاجون إليها، بل إنها ستنتقل من جيوب شريحة لجيوب شريحة أخرى فقط..
مكامن الهدر الأوسع
تخفيض كميات الوقود المخصصة للسيارات والآليات الحكومية الممنوحة للمشمولين بالمجموعتين الثانية والثالثة، هو مشروع القرار الدائم على الطاولة الحكومية للحد من الهدر، دون أن يترافق القرار الصادر لاحقاً مع أية توضيحات وأرقام داعمة تكشف حقيقة الوفر المحقق مع تطبيق هذا القرار، ليكون الخطوة الأولى في طريق الألف ميل على هذا الصعيد، ودون أن يسمحوا بكشف حقيقة الهدر على هذا الصعيد، لكي لا تلفت الأنظار على هدر الشريحة الأعلى صاحبة النصيب الأكبر من الهدر.
والأهم من كل هذا، لم يحدثنا أصحاب القرار عن الوفر المحقق إذا ما تم تخفيض 100 ليتر بنزين من مخصصات السيارات الحكومية للعاملين من الدرجة الأولى (الوزراء ومعاونيهم، المدراء العامين، وصولاً لبعض رؤوساء الأقسام)، كما أنه من حقنا أن نسأل: كم يحقق ترشيد استهلاك الطاقة (بنزين – مازوت – كهرباء) من وفر في المؤسسات الحكومية؟! ولما لم تتوجه أنظار الحريصين على المال العام نحو المسؤولين الذين يسمح لهم باستخدام عدة سيارات تحت مسمى سيارات خدمة الوزارة أو الشركة أو المؤسسة، أو عبر فرز 4 او خمس سيارات للمسؤول الواحد لكافة أفراد أسرته (السيارة أو السيارات الإضافية)، لأن قرار تخفيض مخصصات السيارات والآليات الحكومية للمجموعتين الثانية والثالثة لن يكون لها أي تأثير كبير لأن الهدر الأوسع هو ما تحققه الشريحة الأولى، فالكثير من تلك السيارات مخصصة للمصلحة العامة من حيث الشكل، إلا أنها تعمل خارج الدوام اضعافاً مضاعفة مقارنة بعملها أثناء الدوام، فهل لأحد أن يخبرنا عن عدد السيارات المخصصة لهؤلاء المسؤولين على اختلاف شرائحهم؟! وهل لمسؤول أن ينبئ عن كميات استهلاك تلك السيارات من الوقود على مدار العام؟! وكم هي الخسائر التي تتكبدها الخزينة العامة والاقتصاد الوطني على إنفاق ترفي بغالبيته لا يرتبط بخدمة الوظيفة العامة؟!
«على رأسهم ريشة»
يتفق الجميع على أن الهدر الكبير والحقيقي والمؤثر في الوقود تتحمل مسؤوليته الشريحة الأولى من المسؤولين، ولهذا، فإن الحد من الهدر هو بين أيدي هؤلاء، وما من طريقة للحد من الهدر إلا بتخصيص سيارة واحدة لكل مسؤول من هؤلاء عوضاً عن فرز أو تخصيص عدة سيارات لهم ولأسرهم، وتحديد مخصصات السيارة المخصصة لهم بكمية محددة من الوقود تناسب ومهام تلك السيارة، وإذا ما اعتبر البعض أن مثل تلك القرارات ليست بالإمكان، فمن واجبنا أن نسأل: لِمَ يستثنى أصحاب الفئة الاولى من ضرورات تخفيض المخصصات إذا ما كانوا جادين في مكافحة الهدر وهدفهم ترشيد الإنفاق؟! أم أن «على رأسهم ريشة»؟! إن أهم المؤشرات على جدية القرارهي البدء بهم؟!