حسان منجه
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
خمسة أشهر على إعلان حكومة سفر، والنتيجة قرارات وتراجعات لم يفهمها أغلب السوريين، فالمواطن السوري ليس أكثر من «كائن» معد للتجارب من أصحاب اللون الأسود، فالحكومات المتلاحقة تستمتع في التجريب به، وعليه، وكأن الاقتصاد هو علم التجارب، والإجراءات والقرارات الاقتصادية بالنسبة لهم، ليست أكثر من تجربة مجهزة للتعديلات، وكأنما لا يمكن فهم تأثيراتها وتبعاتها بدقة على الاقتصاد أو المواطن قبل اتخاذها، وذلك على عكس كل التجارب الاقتصادية الناشئة في العالم التي استطاعت توصيف وتحديد أثر كل إجراء أو قرار على مواطني بلدانهم، فالتخطيط الاقتصادي ليس أكثر من حسابات يمكن التنبؤ بها قبل اتخاذ أي قرار، وبدرجة خطأ لا يتجاوز الـ5%..
تتردد شائعات حول نية الحكومة زيادة الرواتب والأجور، وذلك من خلال تسريب دراسة قدّمتها وزارة الاقتصاد والتجارة مؤخراً إلى الحكومة تتضمن تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وهو ما استند إليه البعض للتنبؤ بزيادة مرتقبة على الرواتب، ولكن هل هذه الزيادة فال خير يوعد بها السوريون؟! أم أنها على العكس تماماً ستنعكس سلبياً على قدرتهم الشرائية ومستويات معيشتهم؟! وذلك من خلال اغتنام هذه «الفرصة الثمينة» من جانب التجار لزيادة الأسعار المرتفعة أساسا! وهذا ما عودنا عليه تجار لا هم لهم سوى زيادة أسعار السلع والمواد بمناسبة أو بغير مناسبة، بهدف زيادة أرباحهم.
انتقاد عمل مؤسسات التدخل الإيجابي، بات الشغل الشاغل للمعنيين الحكوميين بضبط الأسعار والأسواق، فما أن يخبو صوت مدير حماية المستهلك المنتقد لارتفاع الأسعار في صالات تلك المؤسسات، إلا ويعلو صوت معاون وزير الاقتصاد لانتقاد أدائهم في اجتماع عام، وهذا الانتقاد لم يكن حسب تقديرات البعض من باب الدفاع عن المستهلكين أو الحرص على قدرتهم الشرائية، أو من جهة الخوف على دور تلك المؤسسات الحكومية، ورغبة منهم في تطوير أدائها وقدرتها التنافسية، أو تعزيز ثقة السوريين بها، وإنما جاء ذلك –بالدرجة الأولى- من منطلق الهجوم على الدور التدخلي للدولة على اعتباره غير ذي جدوى، وهذا ما يرجحه متابعون للشأن الاقتصادي، ومثالهم على هذا، القول بغلاء أسعار بعض السلع في مؤسسات التدخل الايجابي، والتي توضع في سياق هذا الهجوم، والهادفة من جهة أخرى، لتبرير رفع التجار لأسعار السلع والمواد في الأسواق السورية، فهي بذلك «ضربت عصفورين بحجر واحد»، فمن جهة هاجمت الدور التدخلي للدولة عبر انتقاد تلك المؤسسات دون وضع الحلول لتجاوزاتها، وبررت للتاجر ارتفاع أسعاره على اعتباره ليس أفضل من مؤسساتها..
أعاد التقنين الذي تعيشه مختلف المحافظات السورية اليوم مشكلة القطاع الكهربائي إلى الواجهة، ليفتح من جديد مشكلة قطاع مستعص عن الحلول الحكومية الناجعة، وهذا لا يعني بالتأكيد أنه مستعص عن الحل أساساً أو مطلقاً، بل إن الإهمال التاريخي لهذا القطاع، وعدم السعي لحل مشاكله، مضافاً لكل ذلك، تجاهل الجهات الحكومية، ممثلة بوزارة الكهرباء، ضرورة الاعتماد على الطاقات المتجددة التي تمتلك سورية منها الشيء الكثير، وكل ذلك هو من أوصل القطاع الكهربائي إلى هذا الواقع السيئ، فبات مشكلة وطنية تحتاج إلى حلول وقرارات كبرى، فلا «الرتوش» ولا الحلول الجزئية هي المخرج من هذه الأزمة اليوم..
من جديد تطل أزمة الغاز برأسها على السوريين، وذيولها لم تكن قد فارقت مخيلتهم بعد، كما تتجدد مع هذه الأزمة أيضاً تصريحات الوزير المختص ذاته حول حقيقة وجود أزمة من عدمه، فبين نفي مبدئي كالعادة لوجود أزمة غاز في سورية، والذي يشكل بالمحصلة مشكلة تضاف للإشكال الأساسي، لتطفو على السطح في الوزارة ذاتها، خلافات في تقييم حقيقة الأزمة وعمقها، بين وزير متفائل بحلها بأيام معدودة، وجهات أخرى، كمؤسسة محروقات، ترى أن الأزمة قد تطول، فمن نصدّق؟! وهل هي أزمة فعلية أم هي محاولة لافتعال أزمة من جانب تجار الأزمات المرتبطين بالقرار التنفيذي أساساً؟! وما هي جذورها؟! ولماذا تتحدث الحكومات المتعاقبة عن نتائج تلك الأزمات دائماً دون الخوض في الأسباب الحقيقية لنشوئها، والبحث عن آليات معالجتها؟!
بعدما أعلن حاكم مصرف سورية المركزي أديب مياله، بصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن «سورية تخطط لتعويم موجه لسعر صرف عملتها»، ارتفعت مخاوف الكثير من السوريين عن تأثير هذه الخطوة على ارتفاع أسعار الصرف، متسائلين عن مدى ضرورة اتخاذ هذه الخطوة من قبل الحاكم في التوقيت الحالي؟! وهل يعني هذا القرار أن الليرة السورية باتت على حافة التعويم فعلاً؟! وما لذلك من تأثير على تراجع القدرة الشرائية لليرة؟! وهذه كلها أسئلة تشغل بال السوريين غير العارفين بتبعات هذا القرار الحالي!
تبقى الأزمة التي تعيشها الليرة السورية، إن لم نقل انهيار قيمة العملة الوطنية، أحد أبرز ملامح الخلل في الاقتصاد السوري، والناتجة بطبيعة الحال عن هشاشة السياسات النقدية المتبعة، التي «تزيد الطين بلة»
مرة أخرى «يُغير» وزير الكهرباء على قضية دعم المواطن، مثلما فعلها غيره في السابق، ليفتح شهيتنا على قطاع أنهكته الإدارات المتعاقبة عليه، وأجبرته على الخسارة، فالوزير اعتبر أن الكيلو واط الساعي يكلّف الدولة 10 ل.س، بينما يباع للمواطن بليرتين فقط، فهو يمنن من جهة، وسيستخدمها عذراً لطرح موضوع التعرفة مستقبلاً، فهو ليس بالبعيد عن «طروحات دردرية» سبقته إلى استنتاجات كهذه..
لا يمكن لأحد مهما كان انتماؤه الإيديولوجي أن ينكر الدور المحوري الذي لعبته وزارة التموين تاريخياً في الحياة الاقتصادية، وخصوصاً بضبط الأسواق، والحفاظ على استقرار أسعار أغلب المواد الأساسية فيها، لتشكل في حينها الضمان للشرائح الأوسع في المجتمع السوري، ألا وهم الفقراء وذوو الدخل المحدود، على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي يمكن وضعها على أداء تلك الوزارة، والتجاوزات التي كانت تكتنف عمل دورياتها، إلا أنها هي من ساهمت في حماية المواطن جزئياً من جشع التجار على مدى عقود، وهي من ساعدت في منع احتكار المواد، أو التلاعب بأسعارها من هؤلاء التجار، إلا انه جرى إلغاؤها بناءً على اقتراح لجنة فرنسية لإعادة هيكلية الوزارات السورية في عام 2004، ونحن أحوج ما نكون إلى وجودها اليوم، بينما «التاجر يسرح ويمرح» متلاعباً بالأسواق والمواطن على حدٍ سواء..
الحكومة تفكر بتمويل الإنفاق الجاري بالعجز وهذا غير مقبول اقتصادياً موازنة حكومية مفاجئة، أو بالأحرى، فقاعة حكومية وهمية، لا تجد من المؤشرات ما يدعمها أو يساندها، فخارج سياق الموازنات السابقة، أتت موازنة عام 2012، لتخط بيديها رقم 1326 مليار كموازنة مرتقبة، وهو ما يقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي لسورية، بينما لم تتعدّ نسبة أفضل الموازنات السابقة 30% من هذا الناتج، فالرقم كبير، وهو ما قد يعتبره البعض مؤشراً إيجابياً، إلا أن حجم الإيرادات التي يمكن تحقيقها، ونوعية التمويل، وحجم الإنفاق الاستثماري، كلها قواعد تقييمنا لهذه الموازنة، فالانبهار بالأرقام الخلبية المجردة لا يوصل السوريين ولا الاقتصاد الوطني إلى الاستقرار..