لا أحد يجرؤ على الاقتراب من المصادر الحقيقية سلوك رسمي يروّج لثقافة التعايش مع الفساد وهدر المال العام

لا أحد يجرؤ على الاقتراب من المصادر الحقيقية سلوك رسمي يروّج لثقافة التعايش مع الفساد وهدر المال العام

لترشيد الاستهلاك والحد من الهدر - كما يدعي المسؤولون الحكوميون- رُفع سعر الخبز بنسبة 66%، وهذا ما اتخذه أصحاب القرار الاقتصادي مبرراً لتمرير قرارات مشابهة بالجملة، كرفع سعر ليتر المازوت بنسبة  225%، إذا ما أخذنا عام 2011 كسنة أساس، بعد تخفيض سعر الليتر إلى 20 ل.س، كما تم رُفع سعر ليتر البنزين منذ شهر آذار من عام 2013 بنسبة 118% بنسبة (من 55 ليرة إلى 120 ليرة) انطلاقاً من القاعدة ذاتها، بالإضافة إلى رفع سعر المواد التموينية (السكر والارز) بنسبة 317% (من 12 ل.س - 50 ل.س للكيلو الواحد)، وقبلها رفع سعر طن الفيول بنسبة 277% (من 13500 - 50 ألف ل.س)، وهذا هو المسوغ الحكومي لقرار رفع سعر شرائح المياه للاستهلاك المنزلي أيضاً..

 من حقنا أن نتساءل، ومن حيث المبدأ، منذ متى تنظر الحكومات إلى الدعم الاجتماعي على أنه هدر اقتصادي؟! وإذا ما سلمنا بفرضية كونه هدراً اقتصادياً، وأن الأزمة هي من أجبرت الحكومة على اتخاذ مثل تلك القرارات، على الرغم من أننا لا نرى فيه ذلك، فمن واجبنا أن نتساءل، هل الدعم بالهدر المخيف في المعادلة الاقتصادية؟! أم أنه في أسوأ الأحوال، كان يلعب دوراً ضرورياً وأساسياً في انتشال شرائح واسعة من عوزها الاقتصادي؟! على الرغم من أن هناك قلة ممن لا يستحقونه وهم مستفيدون منه، كما لا بد أن نسأل: ماذا عن جوانب الهدر الأخرى التي تنخر شرايين الاقتصاد الوطني؟!

 ثقافة التعايش مع الفساد

الهدر الذي تتحدث عنه الحكومة في المواد المدعومة عمره لا يتجاوز السنتين، وهو المرتبط بارتفاع الدولار واستيراد القمح والطحين والمشتقات النفطية، لأن الكثير من تلك المواد لم يكن بالمدعوم وفق الأسعار الجارية في حينها، لأنه كان معظمه كان ينتج محلياً، مهما ادعى المسؤولون الحكوميون بغير ذلك، وهو ما "داقت عين" اصحاب القرار عليه، بينما لم ترفّ جفونهم لهدر المليارات من المال العام لعشرات السنين المتواصلة، لا في أيام الاستقرار، ولا في سنوات الأزمة، ولم يستشعروا بضرورات كبحه، إن لم نقل مكافحته كمستوىً متقدم من المعالجة، بل نجد التبريرات التي تسوغ استمرار هؤلاء في استنزاف المال العام والاقتصاد الوطني، لأنهم وبكل بساطة ينشرون ثقافة التعايش مع الفساد، يروجون لفلسفة التعايش مع هدر المال العام، ويدعمون فكرة تقبل استنزاف الاقتصاد الوطني والخزينة العامة لمصلحة الفاسدين الكبار..

تساؤلات بريئة؟!

من هو الأولى بالترشيد التهرب الضريبي (200 مليار ل.س بالحد الادنى سنوياً) أم مادة الخبز؟! ومن الذي يحقق نسباً أعلى من الهدر في الاقتصاد الوطني التهرب الجمركي (نحو 60 مليار بشكل منظم سنوياً) أم دعم مادة المازوت؟!  ومن الأكثر إغراءاً وتوفيراً للموارد مكافحة الفساد (800 مليار ل.س سنوياً) ولجم قواه واستئصالها أم رفع سعر المواد التموينية المدعومة؟! ومن الأشد فتكاً بالمال العام شبكات الفساد التى تغلغلت في شرايين الاقتصاد الوطني، وأحد أشكالها النهب المنظم للقطاع العام أم ما بقي من دعم القطاع الكهربائي؟! وماذا يمكن أن نقول عن التكلفة الاقتصادية لشتى مظاهر الهدر الاقتصادي في المؤسسات الحكومية والشركات الإنتاجية والخدمية؟!  وهل فكّر أصحاب القرار يوماً بوضع خطط عملية خاصة لمكافحة هذا الهدر؟ أو سعوا بالحد الأدنى لكشف الحقائق المخيفة عن الهدر بالأرقام التقريبية إن لم نقل الحقيقية منها؟!
أضر الفساد الكبير، والتهرب الضريبي والجمركي، وسواها من أشكال الهدر الأخرى بالنمو الاقتصادي على مر عقود من الزمن، لأنه أخرج عشرات مليارات الليرات السورية من دائرة التداول الاقتصادي إلى جيوب كبار الفاسدين، بينما ساهم ما بقي من الدعم – على الرغم من الاعتراض الحكومي عليه وتضخيم أرقامه – ساهم في دعم الإنتاج الوطني من زراعة وصناعة، وساهم في دعم المواطن منتجاً ومستهلكاً في المحصلة النهائية، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة لا تتطاول إلا على الدعم، وتتجاهل التكاليف الكبيرة للفساد الاقتصادي وروافده المتشعبة، خدمة لكبار المنتفعين والفاسدين على حساب الملايين من المواطنين السوريين لأن أحداً لا يجرؤ على الاقتراب من «القطط السمان»