وما زال التوجه شرقاً مجرد حبر على ورق!

وما زال التوجه شرقاً مجرد حبر على ورق!

لو نجح التوجه الاقتصادي شرقاً لما سُمعت الصرخة التي أطلقها مدير خدمات التجارة في الهيئة العامة لتنمية وترويج الصادرات، والتي أشار فيها إلى امتلاك سورية إمكانيات تصدير غير مستغلة مع 32 دولة من مختلف أصقاع العالم، والتي تعد أسواقاً واعدةً وبمثابة دول شريكة بالنسبة لسورية، كان يمكن للبلاد أن تنسج معها علاقات اقتصادية وتجارية واستثمارية..

الدعوة إلى التوجه الاقتصادي شرقاً ليست بالجديدة، بل هي ممر اجباري ادعت الحكومات المتعاقبة السير به، منذ أن فُرضت أول حزمة عقوبات على الاقتصاد السوري في نهاية عام 2011، والفشل في اختراق الصادرات السورية لأسواق تلك الدول، يرسم ملامح الفشل في إدارة الاقتصاد السوري في رحلة التحول شرقاً، لأنه كانت الفرصة الذهبية لتصحيح العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة بين سورية والكتل الاقتصادية المختلفة، والبوابة المثلى لإعادة هيكلية جديدة للصادرات السورية، بعد التشوه الحاصل في التبادل التجاري لسورية مع الكتل الاقتصادية في العالم، لان 70٪ من التبادل التجاري كان من الغرب فقط، والذي أتى كنتيجة طبيعية للرهان على العلاقات الاقتصادية مع الغرب من قبل صانعي ومنفذي السياسات الاقتصادية، وقد سارت الحكومات المتعاقبة أشواطاً طولى على هذا الطريق، كما أن هذا التوجه سيكون المدخل الصحيح لإعادة ترتيـب البيت الاقتصادي الداخلي، إلا أن الفشل أو الإفشال الممنهج والمقصود لهذا التوجه يعني التفريط بكل تلك الإيجابيات..
هذه الاختلالات في الميزان التجاري، أضرت بالاقتصاد الوطني، وبالقدرة على تحقيق احتياطي نقدي من العملة الصعبة في السنوات العشر السابقة، وهذه هي إحدى العوامل التي كان يجب أن تدفع إلى التحول الاقتصادي شرقاً، والذي يضاف إلى العقوبات الاقتصادية التي أحدثت سلسلة من الأزمات في معيشة السوريين، والتي ما كانت لتحدث بالحدة نفسها، لو أن هناك توازناً في العلاقات الاقتصادية مع الكتل الاقتصادية، لأن وجود مثل تلك العلاقات يعني توفر الأرضية لبديل حاضر واقعياً، ولم نكن عندها بحاجة إلى تحول في التوجه الاقتصادي، بل إلى زيادة في الاعتماد على الكتل الاقتصادية في الشمال والجنوب والشرق..
من رحم الازمة ولد التوجه شرقاً، وهي من فرضته أولوية لا بديل عنها، ولم يكن بفضل قناعة صانعي السياسات الاقتصادية بأهمية اتخاذه خياراً استراتيجياً لخلق شيء من التوازن في العلاقات الاقتصادية مع دول العالم، بل فرض عليهم لكونه كان الممر الاجباري لإيقاف نزيف الاقتصاد السوري، بعد صدمة العقوبات الاقتصادية التي أغرق بها الغرب الاقتصاد السوري في أوحال التوجهات الاقتصادية السابقة، فالحديث عن هذا التوجه شرقاً كان مرفوضاً لدى الأوساط الحكومية و لدى حتى الأغلبية الساحقة من الاقتصاديين، وعلى هذا الاساس، بني الرفض على المستوى الإعلامي، والبعض صنّف المطالبين به في خانة المخالفين لتوجهات اقتصاد السوق الذي اعتمدته الخطة الخمسية العاشرة (2006 – 2010)، على الرغم من ان تلك التوجهات الليبرالية شكلت أكبر مخالفة للدستور السابق الذي كان يتحدث عن التوجه الاشتراكي في إحدى مواده..
التوجه شرقاً في اساسياته الكثيرة لا يزال مجرد حبر على ورق، ولم يفكر أحد بعد بمأسسته، لأن هذا التوجه لم يضع قدميه بعد على السكة الصحيحة، ألا وهي إعادة هيكلية جديدة للصادرات السورية، وبناء علاقات اقتصادية مع اقتصاديات منسية وغائبة عن خارطة التبادل التجاري لسورية، لعلها تردم بعضاً من فجوة التبادل التجاري مع الكتل الاقتصادية، وتصحح شيئاً من التشوه الحاصل عبر عقود في بنية التبادل التجاري لسورية..
من أين لك هذا؟!
ما من أحد يمكنه أن ينكر أن الأزمة الحالية - بسنواتها الأربع – قد أسهمت في تعزيز منظومة الفساد في البلاد، والذي بني على أرضية تحول الفساد إلى ظاهرة اقتصادية واجتماعية، استفحلت بشكل كبير، لتتحوّل أوتوماتيكياً إلى منظومة من الفساد، وهذا ما جعل أحد الوزراء الحاليين ومنذ سنوات يسميتها بـ «أنفلونزا الفساد»..
كثر هم من يتحدثون عن الفساد، وقلة من يسعون لمكافحته، ومكافحة الفساد ليست بالقضية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقط، بل هي مسألة سياسية بامتياز، كما قالها أكثر من مرة الخبير الاقتصادي الدكتور قدري جميل، إنها لا تحتاج لأكثر من مخفر شرطة عرنوس، والذي بإمكانه فعل ذلك، إن سُمح له، وبهذا تحتاج مكافحة الفساد إلى قرار سياسي مبني على تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على موارد البلد من الاستنزاف، عبر سؤال واحد ألا وهو، من أين لك هذا؟!