ذوو الدخل المحدود يؤرقهم ذوبان دخلهم.. فما حال من لا دخل لهم إذاً؟!
أنتجت السياسات الحكومية المتعاقبة مواطنا سورياً منهكاً من الفقر والحرمان، وكثيراً ما تختزل تلك المعاناة بالحديث عن ذوي الدخل المحدود، والذين كانوا - في سنوات ما قبل الأزمة – المقياس الواقعي لحجم معاناة السوريين، والمعيار الأساسي لفشل تلك السياسات الحكومة أو نجاحها، إلا أن الأزمة وتجلياتها أوجدت نوعاً آخر من المعايير، انطلاقاً من القاعدة الذهبية القائلة، بأنه إذا كان ذوو الدخل المحدود على حافة هاوية الفقر في ظل التضخم الحاصل في الأسعار، فما حال من لا دخل لهم إذاً؟!
في عام 2010، لم تتجاوز نسبة البطالة حاجز الـ 8.4 بالمئة، بحسب الأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، وعلى الرغم من ذلك، كانت الأرقام الرسمية ذاتها تتحدث عن نسبة من الفقر تصل إلى 15 بالمئة، ولهذا نسأل: ما هو حال مستويات الفقر الآن؟! بعد أن أظهر أحد التقارير خلال العام 2013، أن مستويات البطالة اقتربت من حدود 50%!!، وهؤلاء الفاقدون لوظائفهم هم في خانة من لا دخل لهم على الإطلاق الآن..
قد يعتبر البعض أن في هذه النسبة تجنياً على الحكومة، أو أنها أرقام مجردة لا تستند إلى واقع فعلي، إلا أننا من حيث المبدأ، لم نر أرقاماً رسمية تضحضها، كما أن تتبع ظاهرة التسريح التعسفي للعمال من معظم المؤسسات والشركات سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام ينبئ بمثل تلك الأرقام، فخلال الأشهر الأولى من عمر الأزمة، كان عدد العمال المسرحين في القطاع الخاص وحده أكثر من 86 ألف عامل، ليفقد ملايين السوريين مصدر رزقهم لاحقاً، بعد إغلاق أرباب العمل مصانعهم ومعاملهم طوعاً أو قسراً، بفعل الشلل الاقتصادي الحاصل في البلاد، وتوقف عجلة الإنتاج، حتى أضحى الفقراء والعاطلون عن العمل الأكثرية الساحقة من الشعب السوري، ليضاف إليهم، جيش من الوافدين الجدد إلى سوق العمل..
حقائق لا يمكن تجاهلها
يرمي المسؤولون الحكوميون اللوم على التجار حيناً وعلى المواطن غالباً ليبرؤوا أنفسهم من المسؤولية، إلا أن الوضع المعيشي السيئ للأغلبية الساحقة من المواطنين السوريين لم يكن مسؤولية جشع التجار فقط، بل إن السلوك الحكومي هو من أنتج وضعاً اقتصادياً أكثر سوءاً، فماذا يمكن أن نسمي قرار رفع أسعار أغلب المواد الأساسية من جانب الحكومة؟! فربطة الخبز رُفعت بنسبة 66%، ورفع سعر ليتر المازوت بنسبة 225%، إذا ما أخذنا عام 2011 كسنة أساس، بعد تخفيض سعر الليتر إلى 20 ل.س، كما رُفع سعر ليتر البنزين منذ شهر آذار من عام 2013 بنسبة (من 55 ليرة إلى 120 ليرة)، وبنسبة زيادة تصل إلى 118%، بالإضافة إلى رفع سعر المواد التموينية (السكر والأرز) بنسبة 317% (من 12 ل.س - 50 ل.س للكيلو الواحد)، ورفع سعر طن الفيول بنسبة 277% (من 13500 - 50 ألف ل.س)، بالإضافة إلى فرض ضرائب على الضرائب، والتي تحمّل وزرها الأغلبية الساحقة من السوريين، وأمام كل تلك الزيادات في الأسعار، كيف سيكون حال ذوي الدخل المحدود؟! ألن يذوب دخلهم؟! وكيف سيؤمن من لا دخل لهم متطلبات معيشتهم الأساسية
فقدان الثقة
يراهن البعض على الحكومة القادمة، كما راهنوا هم أنفسهم في العقد الماضي على الحكومات السابقة، إلا أن النتيجة التي لا يتوقع المواطن السوري سواها هي ذاتها، وهي زيادة في مستويات الفقر والفساد بشكل متوازٍ، بما يساهم في تعميق سوء توزيع الثروة الوطنية بين الأغنياء والفقراء مع كل حكومة جديدة، فلا يمكن لأية حكومة قادمة أن تستعيد ثقة المواطن، لأنه لا يثق بها أصلاً، لأنها وبكل بساطة لم تلامس معاناته، ولم تسعَ لانتشاله من فقره، حيث إن السياسات الاقتصادية السابقة والحالية، أنتجت فجوة كبيرة بين المواطن والدولة ومؤسساتها، مما جعل من مهمة استعادة ثقة المواطن بالدولة أمراً شبه مستحيل..