الموازنة السورية 2015 تتراجع بالوزن الفعلي!
إنها أضخم الموازنات العامة في تاريخ سورية، وهذا ما ذهب مسؤولون اقتصاديون إلى اعتباره مؤشراً على التعافي الاقتصادي، إلا أن المقيمين تناسوا أن موازنة العام 2015 والبالغة 1554 مليار ل.س، لا تتعدى قيمتها الـ 10 مليارات دولار، إذا ما أخذنا سعر الدولار كما اعتمدته الحكومية في موازنتها (150 ل.س)، أما إذا اعتمدنا سعر الصرف في السوق السوداء (200 ل.س للدولار)، فإن الموازنة الحالية لن تتجاوز قيمتها الــ 8 مليار دولار عملياً.
15 مليار دولار موازنة 2010
بالعودة إلى التاريخ قليلاً، فقد كانت موازنة العام 2010 (754 مليار ل.س) تعادل 15 مليار دولار في حينه، أي أن الموازنة الحالية لا يتجاوز وزنها الفعلي وفاعليتها 70% قياساً بموازنة العام 2010 في أحسن الأحوال، وما التغير في الأرقام إلا أسمي محض، والأدلة على التراجع الفعلي لقيمة الموازنة يقاس بعدم فاعليتها على الشرائح الواسعة من الشعب السوري لاحقاً، والذين تزداد مأساتهم المعيشية من سيئ لأسوأ مع كل زيادة في اعتمادات الموازنات العامة.
ما سر «الأحجية» الحكومية؟!
وصلت قيمة اعتمادات العمليات الجارية في مشروع موازنة عام 2015 نحو 1144 مليار ليرة، والتي يفترض بها أن تشمل على الرواتب والأجور، والدعم الاجتماعي، والنفقات الإدارية، إلا أن حاصل جمع تلك البنود يصل إلى 1393 مليار ل.س، وهو بذلك يتفوق على الرقم المخصص للاعتمادات الجارية بنحو 248 مليار ل.س، وبنسبة تقارب 17.8%.
- الاعتمادات الجارية المخصصة للرواتب والأجور والتعويضات في مشروع موازنة عام 2015 تبلغ 316.5 مليار ليرة.
- كامل نفقات الدعم الاجتماعي - كجزء من الاعتمادات الجارية - يقدر بــ 983.5 مليار ليرة، وتتوزع نفقات الدعم الاجتماعي الذي سوف تتحمله الدولة في عام 2015 على دعم المشتقات النفطية بنحو 338 مليار ليرة ودعم الطاقة الكهربائية بنحو 413 مليار ليرة ودعم الدقيق التمويني والسكر والرز بـ 195 مليار ليرة والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية بنحو 10 مليارات ليرة وصندوق دعم الإنتاج الزراعي بنحو 10 مليارات ليرة وتغطية عجز المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان والمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب بنحو 17.5 مليار ليرة.
- تصل الاعتمادات المخصصة للنفقات الإدارية في مشروع الموازنة لعام 2015 الــ 93.05 مليار ليرة، أي أن كتلة الاعتمادات الجارية يفترض بها أن تكون في هذه الحالة بحدود 1392 مليار ل.س.
إن أرقام الدعم مشكوك بدقتها، وكذلك هو حال كتلة الرواتب والأجور أيضاً، والتي قدرها أحد المسؤولين الاقتصاديين منذ عدة أشهر بــ 609 مليارات ل.س سنوياً، فكيف أنخفض الرقم إلى 316.5 مليار ليرة في عام 2015؟! على الرغم من التخطيط لتوظيف 100 ألف في القطاعات الإدارية والاقتصادية في موازنة عام 2015؟! فهل لأحد أن يفهم هذه الأحجية الحكومية؟! كيف ستنخفض كتلة الرواتب بالرغم من زيادة عدد العاملين في القطاع العام؟!
أقل من 200 مليار «دعم» المشتقات النفطية
ماذا يمكن القول عن دعم المشتقات النفطية بنحو 338 مليار ليرة في موازنة عام 2015؟!
بالاعتراف الحكومي، فإن رفع سعر ليتر البنزين إلى 135 ل.س قد أخرجه من حسابات الدعم، كما أن تكلفة استيراد ليتر المازوت يتراوح بين 150 – 160 ل.س، أي أن «دعم» اللتر الواحد يتراوح بين 70 – 80 ل.س، كما أن اسطوانة الغاز «تدعم» بــ 500 ل.س، وفق تصريحات وزير النفط، وهذه هي بنود المشتقات النفطية، إلا إذا كان لدى الحكومة بنود تنتمي لمجموعة المشتقات النفطية نجهلها نحن، فكم استهلاك السوريين من المازوت والغاز سنوياً حتى تقدم الحكومة في موازنتها كل هذا الرقم من الدعم؟! وماذا عن انخفاض أسعار النفط عالمياً بنسبة 30% منذ شهر أب 2014 حتى الآن إذا ما كانت أرقام الدعم الحكومي يفصّل على قياس الأسعار العالمية للنفط؟!
إن استهلاك السوريين من المازوت خلال الربع الأول من العام (فصل الشتاء) يصل إلى 40%، فالاستهلاك الإجمالي من هذه المادة في عام 2011 قدّر بنحو 7.5 مليار لتر، بينما وصل استهلاك المازوت في الربع الأول من العام ذاته إلى 3 مليارات ليتر، وإذا ما طبقا نسب الاستهلاك تلك في الوقت الحاضر، سنجد أن استهلاك الربع الأول من مادة المازوت على مستوى البلاد لم يتجاوز في عام 2014 الــ 758 مليون ليتر، أي أن الاستهلاك الإجمالي من المازوت في عام 2014 لن يتجاوز 1895 مليون ليتر، أي أقل من ملياري ليتر سنوياً، وهذا الاستهلاك المنخفض سينطبق على العام 2015، لأن السوق لم تشهد انفراجاً في تأمين مادة المازوت، بل إن الأزمة أكثر حدة مما هي عليه هذا العام، وفي هذه الحالة، فإن إجمالي الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة لـ 2 مليارات ليتر سيتراوح بين 140 – 160 مليار ل.س، وهذا وفق الإحصاءات والأرقام الحكومية لتكلفة الدعم.
أما بالنسبة للغاز، فقد استهلك السوريون 71 مليون اسطوانة في عام 2011، وإذا ما اعتمدنا رقم الاستهلاك ذاته لعام 2015، على الرغم من تراجع الاستهلاك على المستويين المنزلي أولاً، والتجاري (محلات الوجبات الجاهزة وسواها خلال الأعوام الماضية) ثانياً، فإن «الدعم» الإجمالي المفترض على هذه المادة لن يتجاوز الــ 35.5 مليار ل.س سنوياً، وذلك استناداً إلى تقديرات وزير النفط الذي تحدث عن الــ 500 ل.س كمبلغ لدعم كل اسطوانة من الغاز.
هل هناك تضليل؟
160 مليار ل.س (مازوت) + 35.5 مليار ل.س (غاز)= 195.5 مليار ل.س
195.5 مليار ل.س هو الدعم الافتراضي لكامل المشتقات النفطية، وهو أقل بــ 142.5 مليار ل.س، وبنسبة تصل إلى 42 بالمئة، قياساً بالدعم المرصود لهذا البند في الموازنة العامة لعام 2015، ولا يمكن للحكومة أن تدعم المشتقات النفطية بهذا المبلغ إلا إذا استهلك السوريون 4 مليار لتر مازوت في عام 2015، أو تضاعف استهلاكهم من الغاز بنسبة 400%، وهذا مستحيل، لضعف القدرة الشرائية لدى السوريين، وندرة توفر المشتقات النفطية إلا بأسعار السوق السوداء، والتي تزيد عن السعر الرسمي بنسبة 150%، وهذا ما ساهم في المحصلة بانخفاض استهلاكهم من هذه المواد واستبدالها بأخرى، وهذا ينفي أية بوادر لطفرة محتملة في الاستهلاك.
بعد كل هذا التضليل المتعمد للرأي العام بأرقام وهمية، سنصل إلى أن الرقم المعتمد لدعم المشتقات النفطية في موازنة عام 2015 ما هو إلا فقاعة في الهواء، ومحاولة جديدة لتضليل السوريين، لتبرر الإجراءات الحكومية اللاحقة برفع أسعار تلك المواد لاحقاً بحجة «الدعم» المالي الكبير الذي «يرهق» الخزينة العامة.