زيادة اعتمادات الموازنة يتناسب طرداً مع زيادة أسعار المشتقات النفطية!!
في مشروع موازنة عام 2014 قدّرت كامل نفقات الدعم الاجتماعي بـنحو 615 ملياراً، أي أعلى من مثيلاتها بموازنة 2013 بما يقارب 103 مليارات ليرة، وهذا ما اعتبر في حينها «سخاءً» حكومياً و«دلالاً» زائداً للمواطن السوري، من وجهة النظر الحكومية في ظل ظروف استثنائية
إلا أن تلك الزيادة النظرية في اعتمادات الموازنة العامة لم تأتِ إلا بالويلات على ما تبقى من هذا «الدعم»، ولا حاجة لتكرار الأرقام ونسب ارتفاع أسعار تلك «المواد المدعومة» خلال العام الماضي والذي سبقه، والذي ترافق في الحالتين مع زيادة في اعتمادات الموازنة العامة للدولة، فماذا تخبئ لنا موازنة عام 2015 في جعبتها إذاً؟! وما هي النسب التي سترتفع فيها أسعار «المواد المدعومة»؟! وما هي أرقام «الدعم» النظري التي ستصرّح عنها الحكومة على لسان مسؤوليها؟! لعلها ترضي مساعي هؤلاء لتضليل الرأي العام كما تفعل كعادتها!!
يلوّح في الأفق موازنة حكومية تزيد عن سابقتها بنحو 164 مليار ليرة سورية، لأن نسبة الزيادة في موازنة عام 2015 تقارب الـ 11.8% قياساً بمثيلتها في عام 2014، والمترافقة مع تأكيد حكومي على الاستمرار في الدعم كما جرت العادة، إلا أن السؤال البديهي المطروح قبل كل تلك الزيادات الافتراضية، من أين ستأتي الحكومة بالأموال اللازمة لتمويل تلك الزيادة في الموازنة العامة؟! وعلى حساب من سيكون تأمين تلك الموارد؟!
عقدة التمويل
لم يعد النفط، وما كان يحققه من إيرادات مالية لكل الموازنات خلال عقود من الزمن ضمن الحسابات الحكومية، فالمناطق الشرقية باتت خارج سيطرة الدولة السورية، ليس الآن بل منذ نحو عامين من الزمن، وهو الخزان النفطي لسورية، أي أن النفط السوري بات خارج المعادلات، وما من تقشف حكومي حقيقي في الإنفاق سيحقق وفراً مالياً يساعد على تمويل تلك الزيادة، ولم تأخذ الحكومة حتى الآن خطوات جدية على صعيد الحد من الهدر الكبير الذي يستنزف الاقتصاد الوطني، وهذا ينطبق على الفساد المستشري في عروق الاقتصاد أيضاً، كما لم تلجأ الحكومة لقرارات استثنائية على من قبل فرض ضرائب جديدة على أصحاب الثروات، أو على أصحاب الدخول المرتفعة لتمويل تلك الزيادة المقترحة في الموازنة، كما فعلتها كل الدول في أوقات الأزمات التي مرت بها، والتجربة الامريكية والاوروبية في عام 2008 أكبر مثال على ذلك، فإذا لم تقم الحكومة بأي من الإجراءات الآنفة الذكر، فما هو الطريق لتمويل تلك الزيادة في الموازنة العامة إذاً؟!
بالطبع ستستسهل الحكومة كما جرت العادة رفع اسعار المشتقات النفطية بجرعات متتالية، على اعتبارها ترفض من حيث المبدأ كل الطرق البديلة لتمويل الموازنة من اساسه، لأنها لا تريد المساس إلا بمصالح الطبقات الفقيرة في البلاد، و كأن صلاحياتها لا تسمح بأكثر من ذلك المساس على ما يبدو!..
لم يأتِ من فراغ
إثارتنا للقضية لم تأتِ من فراغ، بل لأن بعض المواقع الإعلامية سرب خبراً عن اجتماع لجنة الدعم الحكومية خلال الأيام القليلة الماضية، وتصويتها على اقتراح برفع سعر ليتر مادة المازوت بنحو 20 ليرة، أي أنه وفي حال إقرار الحكومة لهذا الاقتراح، فإن سعر ليتر المازوت سيصبح 80 ليرة عوضاً عن 60 ليرة، على الرغم من معرفة القاصي والداني بالتأثيرات السلبية لهذا القرار الحكومي على المواطن السوري، كما أن دراسة القرارات المشابهة وتأثيراتها المخيفة على معيشة شرائح واسعة من السوريين، سيوضح صورة التأثيرات المتوقعة لمثل تلك القرارات على الشرائح ذاتها من الشعب السوري.
الدعم يزيد اسمياً أن الدولار يُرّفع مركزياً!
سنسمع بالتأكيد حديثاً حكومياً عن زيادة دعم المشتقات النفطية مع إقرار تلك الزيادة، وعلى أرض الواقع سنشهد قرارات حكومية ترفع أسعار تلك المشتقات، فكيف يمكن أن تتفق تلك المعادلة إذاً؟!
على المستوى الحكومي القضية واضحة، نحن نستورد المشتقات النفطية وندفع ثمنها بالدولار، إلا أن وجود الخط الائتماني مع ايران على سبيل المثال، والذي يوفر الجزء الأكبر من حاجة السوق المحلية للمشتقات النفطية يشي بعكس ذلك، لأن الحكومة لا تدفع قيمة النفط الخام المستورد من إيران نقداً اليوم، وهذا ينطبق على المشتقات النفطية المستوردة أيضاً، وفي المحصلة، فإن استيراد النفط الخام لتكريره في المصافي السورية سيخفض معادلة التكلفة التي تقيسها الأرقام الحكومية وفق الأسعار العالمية بطبيعة الحال..
وإذا ما سلمنا بمعادلة ربط اسعار صرف الدولار بالدعم، فإن حل الأحجية هو بيد أصحاب القرار الاقتصادي، فمن الذي يرفع سعر الدولار في السعر الرسمي؟! ولأي الاعتبارات يتم هذا الرّفع؟! ولمصلحة من وصول الدولار إلى 161 ل.س مركزياً في شهر أيلول من عام 2014؟! وهو من كان بنحو 137 ليرة سورية للدولار الواحد في شهر ايلول من عام 2013؟!
سيزيد الدعم اسمياً لأن الدولار يُرّفع مركزياً، وسيبقى الدعم في ارتفاع ما دام الدولار وفق نشرة المركزي في ارتفاع دائم، والهدف مزدوج في هذه الحالة، تضخيم فاتورة الدعم المستندة إلى استيراد المشتقات النفطية بالدولار؟! وتأمين موارد مالية متزايدة من بيع الدولار المركزي لشركات الصرافة بجلسات التدخل التي يعلن فيها بيع كميات جديدة من الدولارات بين الحين والآخر؟!