افتتاحية قاسيون 1099: ماذا يريد السوريون؟

افتتاحية قاسيون 1099: ماذا يريد السوريون؟

السوريون يريدون حلاً فورياً وعاجلاً. يريدون نهايةً للكارثة ولدرب الآلام التي يقطعونها، ولم يعد مهماً بالنسبة لهم حتى التفكير بسبب وصول الأمور إلى ما وصلت إليه؛ كل ما يفكرون به هو كيفية الخلاص.

السوريون يريدون حلاً فورياً وعاجلاً، والحل ينبغي أن يبدأ على وجه السرعة، لأنّ كل تأخرٍ إضافي في بدئه يعني رفع وتعزيز احتمالات الخطر الوجودي على سورية كلها، أرضاً وشعباً...

كلما لاح أنّ وضع سورية والسوريين قد وصل في انهياره نحو القاع، أظهرت الوقائع أنّ الهاوية التي تنحدر البلاد في ظلماتها لا قاع لها، ويمكن أنْ تزداد حلكتها يوماً بعد آخر، وبسرعة متعاظمة...

فالتوترات الأمنية والعسكرية تعود مجدداً في نقاط عديدة من الخارطة السورية، وضمناً التوترات المستجدة في محافظة السويداء، واحتمالات عدوان تركي جديد، وهو ما يهدد بكسر وقف إطلاق النار الذي دام ما يقرب من ثلاث سنوات حتى الآن.

كذلك فإنّ عوامل الشلل والانهيار، القائمة منذ سنوات، قد تكثّفت خلال الأسابيع الأخيرة دفعةً واحدة، وبصورة شاملة؛ فسعر الصرف يواصل انهياره، والعتمة من غياب الكهرباء تخيّم على بيوت السوريين وقلوبهم. القهر اليومي في السعي وراء المواصلات بات مضاعفاً مع توقفها شبه الكامل. حتى مؤسسات الدولة توقفت عن العمل «مؤقتاً» تحت ضغط أزمة المحروقات المستمرة والمتعمقة. أسعار الغذاء المحلّقة أصلاً، تواصل تحليقها، والجوع يلتهم لحم الناس، بينما البرد في غياب أية وسيلة للتدفئة ينخر عظامهم. المدارس مرشحة للتعطل عن العمل جزئياً أو كلياً، المرافق الصحية في وضعٍ متهاوٍ ومرشحة لمزيد من الانحدار، سواء لناحية توفر الكادر المؤهل أو لناحية توفر المواد الضرورية للعلاج بما فيها الأدوية، أو لناحية توفر الكهرباء اللازمة لتشغيلها.

«عليّة القوم» من متنفذين وفاسدين كبار ومتشددين وتجار حرب، ومعهم الإعلام الذي ينطق باسمهم وباسم مصالحهم، ينظرون من أبراجهم العاجية العالية، ولا تصلهم آهات الناس، وإنْ وصلتهم يتاجرون بها بأشد الأساليب إهانة للناس ولكراماتهم، ويثبتون كل يومٍ أنهم ليسوا فقط عاجزين عن تقديم أية حلول، بل هم لا يرون أنهم معنيون بذلك من الأساس.

إنّ المخرج الوحيد من الوضع القائم ليس معلّقاً بوصول باخرة نفط، أو دفعة مساعدات جديدة من هذه الدولة أو تلك، وكلّ حديث من هذا القبيل محاولة بائسة للهروب من المسؤولية؛ فالقاصي والداني يعلم أنّ الثقب الأسود للنهب والفساد في سورية، يمكنه أن يبتلع مليارات الدولارات دون أن يغصّ بها، ودون أن يصل منها شيءٌ لمن يحتاجونها فعلاً من السوريين.

المخرج الوحيد لتحقيق الخلاص، هو التغيير الجذري الشامل للبنية الاقتصادية- الاجتماعية التي هي نفسها كانت سبب الأزمة، وهي اليوم سبب تفاقهما وتعمقها. هي نفسها من أدخل حصان طروادة الليبرالي الغربي إلى البلاد، وهي من جمعت حطب القهر عبر عقود بحيث بات عود ثقابٍ من الخارج كافٍ لإشعال البلاد وأهلها، وهي نفسها من تستفيد اليوم من العقوبات والحصار الغربي، بينما تفتك تلك العقوبات بعموم السوريين.

المخرج الوحيد هو التغيير الجذري لهذه البنية الاقتصادية الاجتماعية المنحازة لمصلحة أصحاب الأرباح، والمنحازة ضد الغالبية الساحقة من السوريين، وهذا التغيير مدخله هو الحل السياسي وفقاً لـ 2254، والذي لا بديل عنه:

لتأمين الإرادة السياسية الوطنية اللازمة للقطع نهائياً مع جملة السياسات المنحازة ضد عموم السوريين ولمصلحة القلة الناهبة، وضمناً للقطع مع حالة التبعية الاقتصادية للغرب وللدولار خاصة.

لتأمين الإرادة السياسية الوطنية اللازمة للوصول إلى تفاهمات مع تركيا بمساعدة كلّ من روسيا وإيران، ليس لإنهاء الاحتلال التركي على الأرض السورية فحسب، بل ولتحويل الحدود السورية التركية إلى متنفسٍ لكسر العقوبات والحصار الغربي، تفتح لسورية الأبواب باتجاه الاقتصادات الصاعدة لكل من روسيا والصين والهند، وتقدم بالتالي حلولاً حقيقية لأزمات المحروقات والكهرباء وغيرها.

لتأمين الإرادة السياسية الوطنية اللازمة لتقديم تنازلات متبادلة بين القوى السياسية السورية ولمصلحة الشعب السوري، وعبر الإقرار بعجز أي طرف وحده عن إنهاء الكارثة، وللبدء فوراً بالتفاوض المباشر بين وفدين مؤهلين، للتفاهم على آلية تطبيق القرار 2254 ابتداءً بتشكيل جسم الحكم الانتقالي فالدستور فالانتخابات.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1099
آخر تعديل على الأحد, 04 كانون1/ديسمبر 2022 20:16