فقرتان من: «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم»

فقرتان من: «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم»

تُعيد قاسيون فيما يلي نشر الفقرتين الأخيرتين من مشروع موضوعات المجلس المركزي لحزب الإرادة الشعبية حول «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم» والمنشورة بتاريخ 22 آذار 2016.

تقرير المصير ضمن وحدته

يستمر تبلور ميزان القوى الدولي، نحو تكريس انتهاء العالم أحادي القطب (الأمريكي الذي كان سائداً خلال العقدين الفائتين) وبروز العالم متعدد الأقطاب (الروسي/ الصيني/ بريكس وقطب الشعوب أساساً)، حيث تشهد المنطقة والعالم صراع وتناقض مشاريع جيوسياسية عالمية كبرى يقوم بعضها على محاولات تكريس الهيمنة، في حين يقوم بعضها الآخر على النِدّية والتكامل والمنفعة المتبادلة، ضمن مساعي تثبيت كسر الهيمنة الأمريكية.
إن مشروع اتحاد شعوب الشرق العظيم يمتلك موضوعياً إمكانيات المشروع الجيوسياسي العالمي كلها، باتجاه الإجهاز على المنظومة الامبريالية الاستعمارية برمتها.
إن الرد التاريخي المضاد من شعوب المنطقة على مشاريع التفتيت والفوضى الخلاقة، ومقولات صراع الحضارات الأمريكية، يتمثل في غَذّ السير باتجاه وحدة مصالح شعوب الشرق العظيم واتحادها، التي تسمح بالتوجه إليها موضوعياً تحولات ميزان القوى الدولي الجديد.
إن اتحاد شعوب الشرق العظيم يقوم على التفاهم الطوعي بين جميع شعوب المنطقة، وإن المفصل التاريخي لهذا التحول الاستراتيجي سيجري حين تكون الإمبريالية في أضعف لحظاتها، وغير قادرة على تمرير مخططاتها كالسابق.
لا ينبغي الاكتفاء بما يسمى حق تقرير مصير الكرد الجزئي جغرافياً، بل ينبغي العمل لتقرير المصير والسيادة لشعوب المنطقة كلها، بمن فيهم الكرد كلهم، بمختلف أماكن وجودهم في البلدان الأربعة، بمعناهما الحقيقي، أي انعدام التبعية لأي من المراكز الامبريالية.
إن الأشكال أو الخطوات الانفصالية، أحادية الجانب، ستكون معرقلة لهذا المسار الموضوعي بحكم الصراعات الثانوية التي ستحدثها.
الشكل العملي لتنفيذ هذا الحق يتعلق بشكل تغيّر وتطوّر موازين القوى الدولية والإقليمية اللاحقة، وبحجم الأزمات في كل بلد.
لن يتبلور هذا الحق ويدخل حيز الوجود إلا ضمن التفاهم الطوعي الإرادي لشعوب المنطقة كلها، بشكل يعمق تآخيها ويوحد نضالها ضد الإمبريالية عدوة كل الشعوب.
أي أن تنفيذه على الأرض له علاقة بتفاهم واتحاد العرب والكرد والترك والفرس والقوميات الأخرى كلها، المتآخية عبر التاريخ، والتي يجب أن تصل إلى مستوى أعلى من التآخي في الدفاع عن حقوق بعضها البعض.
إن تقرير مصير شعوب المنطقة، وحل قضاياها العالقة بما فيها القضية الكردية، لن يكون ناجزاً وحقيقياً ما لم يكن مرتبطاً عضوياً بوحدة مصيرها.
إن أي حل يجب أن يضمن الحقوق الثقافية والقانونية- المدنية الكاملة لكل مكون منفرداً، والحقوق السياسية والاجتماعية لكل المكونات معاً بآن واحد.
إن أفضل صيغة لحق تقرير المصير للشعب الكردي في المرحلة الانتقالية الراهنة، تكمن في أن يكون الشعب الكردي في قلب المعركة إلى جانب الشعوب الأخرى، من أجل عملية تغيير جذرية لكامل البنية السابقة، وما أنتجته من قهر اجتماعي وقومي، باتجاه شكل من أشكال الاتحاد القائمة على الاعتراف المتبادل بالحقوق، وليس جعلها أداة توتير جديدة، من خلال أوهام الدعم الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً.
مع أخذ هذا بعين الاعتبار، تصبح مفهومة الغاية الأمريكية من الدفع باتجاه قيام كيانات كردية صغرى، تحدث صراعاً عنقودياً وشبكياً في المنطقة.

سورية ضمن النماذج المطلوبة

الكرد في سورية جزء لا يتجزأ من الشعب السوري بتاريخه ونضاله ومنتوجه الحضاري وصراعه الطبقي والسياسي.
على قاعدة وحدة مصير الشعب السوري فإن المطلوب في سورية ليس ديمقراطية مكونات دينية وعرقية وطائفية، بل ديمقراطية مكونات سياسية عابرة للأديان والقوميات والطوائف والمذاهب، تقود صراعاً سياسياً اجتماعياً على قاعدة برامج سياسية شاملة.
تحاول العديد من القوى في سياق نضالها الديمقراطي المزعوم، استبدال الضبط القسري لقوى المجتمع «الاستبداد»، بنموذج «ديمقراطية» المكونات التي تعني استناداً إلى التجارب الملموسة «استبداداً من شكل آخر» عبر تقاسم السلطة والثروة بين نخب تلك المكونات.
يضع هذا النموذج موضوعياً الكل في مواجهة الكل، لا على أساس تناقض المصالح الاجتماعية كأمر طبيعي في أي مجتمع استغلالي، بل على أساس مصالح النخب نفسها، وبالتالي، يشتت قوى الأغلبية المنهوبة لمصلحة الناهبين، ويدخلها في أتون معركة ليست معركتها بالأصل.
إن الدخول بهذه المعركة يعيق بالتالي التطور الموضوعي الذي يتجسد في هذه المرحلة التاريخية من تطور المجتمع البشري ككل، بالاندماج ليس داخل كل بلد فقط، بل حتى على المستوى الكوني، فيصبح هذا «النموذج الديمقراطي» في بلد مثل سورية عائقاً مصطنعاً أمام التطور الطبيعي الذي تعكسه وحدة المصالح، والتاريخ والمصير المشترك لهذه «المكونات».
تؤكد التجربة الملموسة، أن «الوضع الكردي» بأبعاده المختلفة يتعقد طرداً مع تعقد الوضع السوري العام، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى بأن مستقبل كرد سورية لا ينفصل عن مستقبل سورية نفسها.
إن مصلحة الكرد السوريين تكمن بالضبط في العمل من أجل الإسراع بالحل السياسي بين السوريين، بما يفتح الطريق إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، الذي يعبر عن مصالح أغلبية السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الضيقة. وهذا ما يفترض التجاوب والتنسيق مع جهود القوى الدولية والإقليمية والداخلية الساعية إلى مثل هذا الحل.
يعتبر الصراع الجاري، في سورية وعليها- في جزء منه- صراعاً على النموذج الديمقراطي اللاحق لدول المنطقة، ولسورية التي ستخرج من أزمتها الراهنة.
إن نجاح نموذج حل الأزمة السورية سياسياً وسلمياً وتحقيق غايات هذا الحل المتمثلة في وقف العنف، ووقف التدخل الخارجي بأشكاله كافة، ووقف الكارثة الإنسانية، ومعالجة تداعياتها، وصولاً إلى تحقيق متلازمة مكافحة الإرهاب، أياً كانت مصادره، وإحداث التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل على الصعد كافة، سيطبع بطابعه التطور اللاحق لدول المنطقة وأزمات العالم.
إن مواجهة المشروع الإمبريالي التفتيتي لدول منطقة الشرق العظيم، تحمل اليوم أهمية مصيرية إنسانية عامة، لأن نتيجة نجاح تلك المواجهة، أو فشلها يترتب عليها خيارا البقاء أو الفناء لأحد قطبين متناقضين تناقضاً أساسياً عميقاً، بقاء أحدهما يعني فناء الآخر، هما قطب الشعوب من جهة، وقطب الإمبريالية من جهة ثانية. والمشكلة أن بقاء الإمبريالية لن يكون «بقاءً» لأنه سيعني ضمناً استمرار الحروب واندثار الحضارة البشرية، وهو ما لا يمكن للشعوب الحية والقوى الحرة أن تقبل به!
في حزب الإرادة الشعبية، نقف بصلابة مع الحقوق المشروعة للكرد السوريين، ولكننا مع نضالهم في سبيلها بالوسائل المشروعة، وحسب مقتضيات مصلحة الحفاظ على الدولة السورية.
ونحن مع رفع الظلم عنهم، مثلما نحن مع حقوق الشعب السوري، ومع رفع الظلم عنه ومع حقه بالعيش الكريم. ومن الخطأ لدى بعض القيادات الكردية أن تعتقد أن قضاياها مفصولة عن قضايا عموم الشعب السوري..
إن قضية الكرد السوريين يجب ألّا تلقى اهتمامهم هم فقط، بل يجب أن تكون في صلب اهتمام بقية الشعب السوري وقواه السياسية الشريفة، وإن مصلحة ونضال هؤلاء من أجل حقوق الكرد، يجب ألّا تقل عن نضال الكرد أنفسهم، فهذه القضية هي جزء من القضية الديمقراطية العامة في البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1098