مُشجّعون ومُتشجّعون!

مُشجّعون ومُتشجّعون!

تحمل أيام كأس العالم قدراً عالياً من الإثارة على المستوى العالمي. ليس لأنه حدث يجري كلّ أربع سنوات مرة واحدة، بل ولأنه يشكل بطريقة ما فرصة استثنائية لإطلاق فيض المشاعر المكبوتة في الصدور؛ فهو من ناحية إلهاء مؤقتٌ عن الواقع المأساوي الذي تعيشه الغالبية العظمى من شعوب العالم، ومن ناحية أخرى هو أيضاً فرصة لرؤية «الكبار» يخسرون... فإذا كانت معادلة السياسة والاقتصاد والعسكر صعبة التغير، ويحتاج تغيرها عقوداً من الزمن، فإنّ معادلات الرياضة مختلفة، وقابلة للتغير والتقلب بصورة أسرع.

يمكن لمنتخب بلدٍ من البلدان أن ينتصر على منتخب مستعمره السابق أو حتى الحالي، ويمكن لمنتخبات دول الجنوب الفقير أن تنتصر على منتخبات الشمال الغني، يمكن لمنتخبات إفريقيا أن تمرغ أنف منتخبات من أمريكا الشمالية أو أوروبا.. وهكذا.
ضمن هذه المعادلات الخاصة، يرى المرء أنه مضطر لإعادة النظر بما يفترض أنه بديهي بالنسبة للعبة كرة قدم، وعلى رأس البديهيات فكرة التشجيع والمشجعين.
يفترض بالتشجيع أن يكون فعلاً القصد منه هو تحفيز فريق من الفرق ليلعب بشكل أقوى وأكثر شجاعة، أي أن يلامس ذلك الفريق بطريقة ما بحيث يعزز «شجاعته» (واستخدام تعبير الشجاعة -في العربية على الأقل- لتوصيف مباراة كرة قدم، لا يخلو من فهم ضمني للعبة كرة القدم بوصفها ساحة معركة تتطلب الشجاعة والإقدام). ولكن الحال، هو أنّ السواد الأعظم من المشجعين هم متشجعون أكثر منهم مشجعين؛ أي أنّ فعل التشجيع ينتقل من اللاعبين والمنتخبات والألعاب باتجاههم لا العكس. وهذه مسألة فيها نظر؛ فمنذ بدأ توظيف الرياضة في الدعاية السياسية وفي الإلهاء السياسي، ابتداءً بالمثال الأمريكي في لعبة الملاكمة، التي سمحت للأسود أن ينفس عن اضطهاده بالانتصار على الأبيض، وهذه هي الحال العامة: المشجعون هم في الحقيقة متشجعون، والعلاقة هي إلى حدٍّ بعيد علاقة تأثيرٍ من طرف واحد.

ربما أحد جوانب المسألة، هو أنّ الشعوب المتعبة، تشجّع، وتتشجع، لأنها بين الحين والآخر، تريد للآخرين أن يخوضوا معاركها، وأن ينتصروا في تلك المعارك، خاصة أنّ الخسائر المتعاقبة تفقدها ثقتها بنفسها وبقدرتها على الانتصار... ولكن شهراً واحداً كل أربع سنوات، ولو كان شهر انتصارات متواصلة للمشجعين المتشجعين، فإنه أقل بما لا يقاس من حجم خسائر أربع سنوات، متراكمة فوق خسائر عدة عقود... ولذا فإنّ الشجاعة في ساحات المعارك الحقيقية هي خيار لا مفر منه، ولا ضير في أن يختبر الناس الحالة الجمعية والنشوة الجمعية عبر كرة القدم، لأنها تذكرهم بنشوة الانتماء الجمعي، بنشوة الانخراط في الجموع، وهي النشوة المحرمة في عالم الرأسمالية، سواء كان شكلها إضراباً أو مظاهرة أو ثورة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1099