افتتاحية قاسيون 1090: البحر من خلفكم وعالم جديد أمامكم!

افتتاحية قاسيون 1090: البحر من خلفكم وعالم جديد أمامكم!

يمكن القول إنّ خطاب بوتين الأخير يوم الجمعة الماضي، 30 أيلول، والذي ألقاه ضمن مراسم الاعتراف بمناطق دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون، مناطق روسية، يمثّل نقطة انعطافٍ في المعركة العالمية الدائرة بين نظامٍ عالمي قديمٍ يتهاوى، وبين نظام عالمي جديدٍ هو في طور التشكل؛ فمع الاعتراف بانضمام هذه المناطق، وربما أهم من ذلك، مع الاتجاهات التي حددها هذا الخطاب، فإنّ أي «أملٍ» بعقد أي نوع من الصفقات التي يمكنها الحفاظ على الهيمنة الأمريكية، قد تبخر إلى غير رجعة... وهذا يصب في المحصلة في مصلحة التقدم البشري، الذي لم يعد ممكناً باستمرار الهيمنة الأمريكية، ونظامها أحادي القطب، الذي يتخذ من التبادل اللامتكافئ/ الاستعمار الجديد، ومن الدولار، أدواتٍ أساسية في نهب وإفقار وتخريب الكوكب بأسره.

وكما يقول بوتين محقاً، فإنّ: «الغرب مستعدٌ لتخطي كل شيء من أجل الحفاظ على النظام الاستعماري الجديد الذي يسمح له بالتطفل، وواقعياً، بنهب العالم من خلال قوة الدولار والإملاءات التكنولوجية، وفرض جزية حقيقية على البشرية، واستثمار المصدر الرئيسي للازدهار غير المكتسب، ألا وهو ريع الهيمنة».

يوم 27 شباط الماضي، وبعد ثلاثة أيامٍ من انطلاق المعركة في أوكرانيا، حددت قاسيون في افتتاحيتها «عالم ما بعد أوكرانيا»، مجموعة ملامحٍ أساسية للشكل الذي سيبدو عليه العالم مع تطور المعركة مع الغرب، هي الملامح التي نسمع جزءاً منها الآن بشكلٍ رسمي من كلٍ من روسيا والصين، وسنسمع ونرى البقية مع تقدم الصراع.

أهم تلك الملامح هي أربعة، نستعرضها عبر اقتباسات حرفية بين أقواس من افتتاحية قاسيون في 27 شباط:

أولاً: «انتهت الصلاحية التاريخية للنظام السياسي العالمي بشكله القائم، وممثلاً بالأمم المتحدة وبالمنظمات الدولية الأساسية جميعها. وإعادة النظر في تركيبتها جذرياً، وبما يناسب توازنات القوى الواقعية، بات أمراً ضرورياً وملحاً، وبشكل خاص ضرورة تمثيل دول وقارات ذات أوزان فعلية وبشرية كبرى في مجلس الأمن، (الهند وإفريقيا) على سبيل المثال لا الحصر».

ثانياً: «إذا كان التاريخ الحديث قد شهد حلّ حلف وارسو، فإنّ حلف الناتو استمر، بل وتمدد وتوسع محدثاّ ومستجلباً أزمات بعد أزمات. عالم ما بعد أوكرانيا ينبغي أن يكون خالياً من الأحلاف العسكرية، ما يعني أنّ وقت حل الناتو قد حان».

ثالثاً: «سيتم إلى الحدود القصوى، تسريع العمليات التي كانت جارية أساساً منذ ما يقرب العقدين؛ أي: أ- التراجع المطرد لقدرة النظام المالي العالمي القائم والمستند إلى سطوة الدولار. ب- تراجع إمكانات استمرار التبادل اللامتكافئ. ج- تطور العلاقات البينية بين الصين وروسيا، وكذلك بين روسيا والصين معاً، مع دول أخرى حول العالم، ضمن منظومة بريكس وغيرها، وصولاً إلى تحقيق الانقلاب الجيوسياسي في منظومة وخطوط التجارة الدولية، وفي تقسيم العمل الدولي».

رابعاً: «كل الأزمات الإقليمية التي أسهم النظام العالمي غير المتوازن والمحكوم بسطوة النهب الأمريكي، في تعقيدها وإطالة أمدها، ستتسع إمكانات حلها في قادم الأيام، مع التهاوي الفعلي لهذا النظام».

من الحق فعلاً أنّ العالم بأسره، وكما يشير بوتين في خطابه: «قد دخل مرحلة من التحوُّلات الثورية، التي تحمل طبيعة جذرية»، والتي سيعاد الاصطفاف فيها في العالم بأسره على أساس المواقف الحقيقية- لا «الشعارات»- من منظومة الهيمنة والنهب الدولارية على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية... وهذا بابٌ عريض يُفتح أمام الشعوب، وأمامنا كسوريين، للوصول إلى تطابق حقيقي لأول مرة، ربما منذ عقود طويلة، بين الشعار الوطني وممارسته، وبين الشعار الاقتصادي الاجتماعي وممارسته... الأمر الذي يتطلب تغييراً وطنياً جذرياً وشاملاً، وعبر الحل السياسي المتمثل بتنفيذ كاملٍ لـ2254، لوضع سورية على طريق الخلاص، وباتجاه العودة إلى الحياة والازدهار...

 

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1090
آخر تعديل على الأحد, 02 تشرين1/أكتوير 2022 21:24