افتتاحية قاسيون 1089: كي لا تغرق البلاد بأسرها!
ليس أول قواربنا الغارقة، وإنْ استمر الحال على ما هو عليه فلن يكون الأخير؛ فالقارب الغارق هو تكثيفٌ للموت اليومي الذي يعيشه السوريون على أرضهم.
إذا كان اللجوء في سنوات الأزمة الأولى نتيجةً مباشرةً للحرب، فإنّ اللجوء بعد ذلك قد غدا تعبيراً عن الأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية الكارثية، وأهم من ذلك أنه تعبير عن شعورٍ عامٍ بأنّ الأوضاع لنْ تسير من سوئها الحالي إلا إلى سوءٍ أشد.
يجادل البعض بأنّ العقوبات الغربية والحصار هما السبب. نعم هما سببٌ، ولكنهما ليسا السبب الوحيد، هنالك أسباب رئيسية أخرى على رأسها أنّ سياسات المنظومة المتسيّدة في البلاد هي سياساتٌ أثبتت عبر السنين بأنها تصب في مصلحة قلة ناهبة فاسدة، وضد مصالح الأكثرية المنهوبة. السياسات التي تتمظهر بمختلف المناحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وأحد أكثر تمظهراتها جلاءً هو التبني الذي لا رجعة فيه لليبرالية الاقتصادية.
في وقت الحروب والأزمات، وفي كل مكانٍ في العالم، تقوم الحكومات بتعبئة الموارد وبتوزيع المواد الأساسية على السكان بالبونات. في سورية يجري العكس؛ يتم رفع الدعم بتسارع مطّرد، ويتم تخفيض كميات المواد ورفع أسعارها. يتم رفع الدعم عن الصناعة وعن الزراعة. وفوق ذلك كلّه يتم الالتفاف على الحل السياسي وعلى ضرورات التغيير بكل طريقة ممكنة.
السياسات التي تفرضها الفئات الطبقية المسيطرة ضمن النظام القائم، ليست موجهة ضد عامة المنهوبين فحسب، بل وهي سياسات تسير خطوة بخطوة وفقاً للنماذج التي يفرضها صندوق النقد والبنك الدوليان، وبغض النظر عمّا يقال من «شعارات» أثناء تطبيقها.
تتمحور هذه السياسات حول التمسك بالدولار، وحول الإغراق في منظومة التبعية الاقتصادية بكل مفرداتها، وعلى رأسها تدمير الإنتاج الحقيقي وتحفيز هجرة العقول، وتهجير السكان على العموم، وصولاً إلى تجريف الشعب السوري من أرضه...
ولماذا؟ ليس لمراكمة الأرباح فحسب، بل لإبقاء مصدرها قائماً عبر منع التغيير، عبر الهرب من الحل السياسي، والبحث ربما عن صفقة مع الغرب الذي يرفع منذ سنوات شعار «تغيير سلوك النظام».
على الضفة المقابلة، أو على الضفة نفسها عملياً، يقف متشددو المعارضة الذين يواصلون طرح شعاراتهم المتشددة، ويستجدون الدول أن تحققها لهم، ويطالبون السوريين بأن يدفعوا الثمن.
القارب الغارق ليس صورة الشعب السوري بأسره فحسب، بل وأيضاً صورة «النخب» في النظام والمعارضة، وصورة سياساتها وشعاراتها. وهو أيضاً تحذيرٌ شديد اللهجة للجميع، بأنّ البلاد بأسرها على وشك الغرق، وأنّ خلاصها يمرّ بالضرورة عبر إيقاف تدمير البلاد، وإنهاء مأساتها ومأساة شعبها. القارب الغارق هو التعبير الواضح عن «الانتصارات» التي يحققها «المنتصرون»، وتعبير واضح عن الهزائم الحقيقية.
القارب الغارق هو أحد صور مأساة شاملة ينبغي إيقافها فوراً. ينبغي التوقف كلياً عن ادعاء النصر، وادعاء القدرة على إدارة الأمور، بينما الحياة تقول عكس ذلك. ينبغي على جميع الأطراف الاعتراف بأنّ إنهاء الكارثة الإنسانية السورية هو المهمة الأسمى التي لا تعلوها مهمة، وأن يعترفوا بأنّ إنهاءها ليس بيد طرفٍ سوري دون الأطراف الأخرى، بل هو عبر حوارٍ يشمل الجميع، عبر تفاوضٍ مباشر، وعبر تنازلات يقدمها الجميع لا لبعضهم، بل للشعب السوري، وصولاً إلى تطبيق كاملٍ للقرار 2254 بكل بنوده، وأولها جسم الحكم الانتقالي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1089