افتتاحية قاسيون 1082: لمن تقرع الأجراس؟
يجمع دارسو تاريخ الحرب العالمية الثانية، أنّ بين أهم أسباب انهيار النازية في حينه، كان فتحها لجبهتين كبريين معاً، الأولى عام 39 والثانية عام 41.
اليوم تعيد النازية بشكلها الجديد، وبقيادتها المركزية السابقة نفسها، أي بمركزها الأنغلوساكسوني- الصهيوني، الخطأ نفسه، وتفتح جبهتين كبريين مع كلٍ من روسيا والصين في الوقت نفسه، وعبر أوكرانيا ومن ثمَّ تايوان.
أول النتائج- وربما الأسباب- الواضحة لاشتعال الأزمة التايوانية، والتي تتخطى حدود تايوان، شأنها شأن الأزمة الأوكرانية التي تتخطى حدود أوكرانيا، هي أنّ محاولة الاستفراد الغربي بأيٍّ من القوتين الكبريين (روسيا والصين)، وفقاً لوصفات القرن الماضي، قد انتهت إلى الفشل؛ وباتت كلٌ من تايوان وأكرانيا، جبهتين لمعركة عالمية واحدة وشاملة؛ الطرف الأول فيها هو المركز الإمبريالي العالمي الأمريكي الذي يصارع للحفاظ على هيمنته وعلى استعماره الاقتصادي للعالم بأسره بأداة الدولار، والطرف الثاني هو القوى الصاعدة وفي مقدمتها روسيا والصين، ومن خلفهما مصلحة البشرية بأسرها في التخلص من نظام الاستعباد والنهب الأمريكي، وباتجاه تشكيل عالم أكثر عدالة.
بين النتائج الواضحة أيضاً، أنه وبعد تجربة تجنيد أوروبا تحت الإمرة الأمريكية ضد روسيا، يتم تكرار التجربة الآن لتجنيدها أيضاً ضد الصين، وبالضد من مصالح الشعوب الأوروبية... يثبت هذا كلّه أنّ أوروبا اليوم تحتاج أكثر من أي وقت مضى أن تطلق حركة تحررها الوطني، والتي يمكن لها للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية أن توصلها إلى التحرر من النازية ومن الهيمنة الأمريكية، مرةً وإلى الأبد.
مع تقدم المعركة، يظهر أيضاً، أنّ جملة الأزمات الإقليمية التي كرّسها أو حتى زرعها في بعض الحالات الاستعمار الغربي التقليدي، وحافظ عليها الأمريكان وعززوها، باتت الآن أمام احتمالات حلّها جدياً؛ على سبيل المثال لا الحصر: الأزمة الهندية-الصينية، السعودية- الإيرانية، التركية- السورية، وغيرها الكثير...
وهو ما سيفتح المجال أيضاً على إنهاء أزمة الأزمات في منطقتنا، والمتمثلة بوجود الكيان الصهيوني فيها، كأداة تخريب وبلطجة وعدوانٍ مستمرة في أداء وظيفتها منذ مئة عامٍ تقريباً.
وفي الوضع السوري، فإنّ الباب سينفتح بشكل أوسع لحل حقيقي وشامل للأزمة السورية، وبالذات عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، الذي يقود نحو تغيير جذري شامل وعميق لمصلحة الشعب السوري، والذي لا يمكن أن يستكمل دون خروج كل القوات الأجنبية من سورية، وعلى رأسها القوات «الإسرائيلية» من الجولان السوري المحتل، والذي شكّل احتلاله، وما ترتب من كوارث على ذلك الاحتلال، في كل المجالات، أحد الأسباب العميقة للأزمة السورية الراهنة، جنباً إلى جنب مع الأسباب الأخرى الداخلية المتراكمة وعلى رأسها التبعية الاقتصادية والمصالح الضيقة لنخب النهب والفساد الكبير، التي حوّلت البلاد إلى استثمار خاصٍ بها، وبالضد من مصالح الشعب السوري، وعبر نهب تعب هذا الشعب المتراكم بالذات.
الأجراس تُقرع لولادةٍ مكتملة للعالم الجديد، ومعها أجراس ولادةٍ جديدة لسورية موحدة وقوية، رغم كلّ البؤس الذي يعكسه المشهد الداخلي الحالي. وبالتوازي فإنّه ومع التهافت الغربي الذي ستسرعه حماقة فتح الجبهتين، فإنّ أولئك الذين يسعون لعقد بازارات مع الغرب خدمة لمصالحهم، سينتهون إلى خيبة كبرى؛ بل وإنّ الحل السوري نفسه سيمضي وفقاً للقرار الدولي 2254، اشترك في تنفيذه الغرب أم لم يشترك، شاء أم أبى...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1082