محمد العبد الله
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
جاءت التصريحات الأخيرة لرئيس طاقم المفاوضات «العلني» أحمد قريع، على هامش لقائه قبل يومين، وزير الخارجية النرويجية «يوناس جار ستور» في «رام الله» المحتلة، لتؤكد ماأعلنته العديد من القوى السياسية، وأقلام الكتاب الوطنيين، على مدى الأشهر السبعة الماضية، حول عدم «جدية والتزام» حكومة العدو بما أفضت إليه لقاءات «أنابوليس» الاستعراضية.
أسبوع مضى على دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين «حماس» وحكومة العدو، بوساطة مصرية فعالة، ونشطة، بعد توقف دام أكثر من أربعة عشر شهراً، عزفت خلالها الحكومة المصرية عن لعب أي دور مؤثر في هذا الجانب.
الاعتداءات العنصرية والوحشية، التي قام بها المستعمرون الصهاينة داخل مدينة عكّا المحتلة منذ عام 1948، والتي بدأت في عيد يوم الغفران اليهودي، يوم الأربعاء 8 تشرين أول الحالي، واستمرت لأسبوع تقريباً، أعادت للذاكرة الحية والمتوهجة التحركات الجماهيرية العظيمة التي شهدتها مدينة «الناصرة» المحتلة في «يوم الغفران» قبل ثماني سنوات، عندما قام سكان مدينة «الناصرة العليا» اليهود بالاعتداء على سكان الناصرة العرب، مما أدى الى سقوط شهيدين من الناصرة.
ع دخول المجزرة التي ترتكبها قوات الغزو الصهيونية ضد أبناء فلسطين داخل قطاع غزة، أسبوعها «الرابع»، تتأكد على أرض الواقع الميداني عدة حقائق، فرضتها درجة الصمود والصلابة والثبات التي أظهرها المجتمع الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الوحشية التدميرية، مما وفر لمقاتلي فصائل المقاومة البطلة، كل مقومات الاستبسال والتضحية، التي فرضت على كل الأطراف الإقليمية والدولية إعادة النظر في الإمكانية المتاحة لتحقيق الأهداف المرسومة للحرب، عسكرياً وسياسياً. إن ماعكسته السبعة عشر يوماً من التضحيات الأسطورية، يتجلى في تدني سقف الأهداف التي وضعتها حكومة القتل الصهيونية، يوماً بعد يوم. ويعود ذلك لفشل الصدمة/الحملة الجوية في الأسبوع الأول، ولعجز المرحلة الثانية «البرية» عن تحقيق أية منجزات مباشرة «التقدم الكبير» على الأرض. فما بين (إنهاء سيطرة حماس على القطاع، لتسليمه لقوى «الاعتدال» الفلسطينية) إلى (فرض واقع أمني يوفر الأمن للمدن والمستعمرات الصهيونية) وصولاً إلى (وقف إطلاق الصواريخ وتهريب المعدات القتالية) يتوضح المأزق السياسي/العسكري الذي تعاني منه حكومة العدو. وهو ماظهر واضحاً، جلياً، في التصريحات الأخيرة للمتحدثين العسكريين والسياسيين حول مراحل الحرب العدوانية ونتائجها.
جاء وقف إطلاق النار من جانب حكومة العدو، بعد ثلاثة أسابيع من بدء الحرب الوحشية على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، وقبل ثلاثة أسابيع تقريباً من موعد الانتخابات البرلمانية في كيان العدو، وقبل ثلاثة أيام من وصول أوباما للبيت الأبيض، حيث يحرص قادة العدو على (تمكين الرئيس الأميركي الجديد من تسلم طاولة نظيفة عند دخوله المكتب البيضاوي) كما يقول «رون بن يشاي» في موقع «يديعوت» قبل أيام وتحت عنوان «وقف النار المشروط». وهذا ماأكده أيضاً الكاتب «بن كاسبيت» في صحيفة معاريف قبل يومين (هو لن يغفر لنا أبداً إذا استقبلناه في منصبه الأصعب في العالم، وفي ذروة أزمة اقتصادية عالمية لم يسبق لها مثيل، مع مايجري في غزة). وهذا التوقيت لم يكن سببه الرئيسي تلك الأجندة اليومية المرتبطة بالحسابات الانتخابية فقط، بل جاءت النتائج الميدانية لتبدد فعلياً إمكانية تحقيق نصر سريع وخاطف على قوى المقاومة. فالصواريخ والقذائف الفلسطينية «أكثر من ألف وثلاثمائة منها» لم تتوقف عن التساقط على المدن والمستعمرات والقواعد العسكرية طوال فترة الغزو، بل أن دائرة استهدافاتها كانت تزداد يوماً بعد يوم. كما أن تصفية الوجود السياسي والعسكري لجسم المقاومة بكافة تلاوينه ومسمياته، أصبحت نوعاً من السراب، بما يعنيه ذلك من عدم استرداد جيش العدو لـ«قدرته على الردع»! تلك القدرة التي سقطت مصداقيتها تحت أقدام مقاتلي حزب الله، وصمود الشعب اللبناني خلال الحرب العدوانية في تموز 2006. ناهيك عن أن مهمة «تحرير» شاليط من الأسر، أصبحت بعيدة المنال، نتيجة فشل استخبارات العدو من التوصل لأية معلومات عن مكان وجوده.
مع وصول المبعوث الأمريكي الخاص، المكلف بملف «السلام» في الشرق الأوسط جورج ميتشل للمنطقة، تكون السياسة الأمريكية الجديدة قد دخلت إلى قاعة امتحانها السريع، من باب الاستطلاع، والدراسة الميدانية، بهدف بعث رسائل مباشرة لجميع الأطراف، تتضمن شروع الإدارة الجديدة بالعمل على التعامل السريع مع الملف الساخن «الصراع العربي/الصهيوني» نتيجة حرارة نيران الصواريخ وجمر الفسفور الأبيض، والأهم بدماء أبناء غزة. ويبدو أن الإندفاع السريع نحو المنطقة ينطلق من رؤية أوباما الجديدة، التي تضمنتها كلمته في الخطاب الرئاسي الأول، حول ضرورة الانفتاح على المنطقة والعالم من خلال التفاوض. ومن هنا يمكن قراءة الجولة الأولى للمبعوث الرئاسي، على كونها استطلاعية واستكشافية، تأتي في مرحلة غاية في التعقيد، ولكنها مع كل ذلك واضحة المعالم.
لم يكد وقف إطلاق النار «الشكلي» يأخذ طريقه للتنفيذ المتعثر، بسبب استمرار الحرب العدوانية الوحشية على غزة، بالنيران تارة، وبالحصار، والإغلاق، والمخططات السياسية تارة أخرى، حتى تفجرت «ألغام» جديدة على طريق القوى السياسية الفلسطينية، الصاعدة نحو مواجهة نتائج المذبحة/ المجزرة التي مازالت مستمرة على شعبنا وقضيتنا، رغم وجود عشرات الجثث تحت آلاف الأطنان من الكتل الاسمنتية العملاقة، وتشريد أكثر من ثلاثين ألف عائلة، في ظل خراب شبه شامل في البنية التحتية للقطاع. يتطلب هذا المشهد الاستثنائي لمواجهته، قوى وفعاليات وجهوداً استثنائية أيضاً، يتشكل مركزها في مجتمع متماسك، وقيادة سياسية موحدة للحركة الوطنية، تعمل للنهوض بالوضع السياسي/الاقتصادي/المعيشي من أزمته الراهنة، بهدف تمتين وتصليب النسيج المجتمعي، ليكون الحاضنة الحقيقية، والسياج الحامي لقوى المقاومة.
جاء فشل كل المحاولات الاقليمية الضاغطة، على وضع ورقة اتفاق التهدئة المزمع انجازه، داخل صندوق الانتخابات الصهيونية، ليؤكد قدرة القيادة السياسية للمقاومة، على تفادي «استحقاقات» اللحظة الصعبة التي تمر بها قضية الشعب الفلسطيني الوطنية في هذه المرحلة، نتيجة الرغبات- الضغوطات- التي يمارسها أكثر من طرف اقليمي ودولي. فقد تمكنت تلك القيادة من تفويت الفرصة على حكومة العدو المجرمة، من استثمار نتائج عدوانها الوحشي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ليكون في صالح ثلاثي «ترويكا» الحكومة المنصرفة، من حيث زيادة عدد مقاعد أحزابها في الكنيست الجديد.
تشهد القاهرة حوارات ماراثونية، تدير من خلالها، عبر مدير المخابرات المصرية عمر سليمان حواراً بالواسطة- غير مباشر- بين وفد حركة حماس، وعاموس جلعاد رئيس لجنة الأمن والسياسة في وزارة حرب العدو، حول العديد من القضايا المعقدة والشائكة بين الطرفين، والتي كان مااصطلح على تسميتها «التهدئة»، القضية الأبرز على جدول التفاوض، لأنها ستشكل في حال الاتفاق حول بنودها، مفتاح «المعابر والأسرى والإعمار»!
عشرة أيام من التفاوض والسجال دار بين مندوبي الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية، وبمشاركة بعض الشخصيات «المنتقاة» من خارج الإطار التنظيمي للقوى، والقريبة لحد التماثل، في بعض الأسماء، مع سياسات سلطة رام الله . الأيام العشرة التي مرت على المتحاورين في جولة الحوار الثانية داخل مبنى المخابرات المصرية، لم تكن شبيهة بالأيام العشرة التي كتب عنها الأمريكي «جون ريد» رائعته عن الثورة البلشفية الروسية. فبعيداً عن القوالب الجاهزة التي وضعت فيها نجاحات وإخفاقات اللقاءات بين قطبي الحوار و«الواقع»، المتفق عليها مع طاقم المخابرات المصرية المشارك في كل لجنة، ظهرت نقاط الخلاف في لجان الحكومة والمنظمة والانتخابات والأمن، بمعنى أن أبرز القضايا المطروحة للنقاش مازالت تدور في حلقاتها المعروفة، المثقوبة، والمفرغة من المخارج الواضحة.