محمد العبد الله
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
شهدت صالونات القصر الجمهوري، وغرف وزارة الخارجية اليمنية على مدى أربعة أيام حركة غير عادية، تمثلت في قيام الوسيط اليمني- وزير الخارجية- بلقاءات مكوكية تنقل آراء ومواقف كل طرف للآخر، من وفد حماس إلى الوفد المسمى «وفد منظمة التحرير الفلسطينية» وبالعكس! تجاه تفسير بنود المبادرة اليمنية الخاصة بإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني. وقبل الدخول في قراءة ماتمخضت عنه تلك الساعات الطويلة والثقيلة من الحوارات التي جرت بـ«الإنابة» وعبر الوسطاء، وتحت غطاء من «حرب» التصريحات الصحفية المضادة للفريقين، لابد من إضاءة بعض الجوانب التي شابها التعتيم المقصود، لإخفاء العديد من الحقائق.
تتصاعد لغة الخطاب السياسي/الإعلامي الاستفزازي والعدواني لقادة كيان العدو مع كل يوم يقترب فيه موعد اللقاء/الاجتماع الذي دعا إليه بوش في الأيام القادمة في أنابولس. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة عدة خطوات على طريق التصعيد الإعلامي/الاجرائي في أكثر من مجال. فقد صادق أعضاء الكنيست بالقراءة التمهيدية وبأغلبية كبيرة على مشروع القانون الجديد الذي يشترط موافقة أكثر من 80 عضواً بدلاً من 61 لإحداث أي تغيير على وضعية القدس كـ«عاصمة أبدية» للكيان، حسب التعبير الاحتلالي الذي تحرص على تعميمه الماكينة الإعلامية المعادية. المفاجأة الأكثر صخباً واستفزازاً، كانت التصريحات التي رددها أولمرت في أكثر من مناسبة عبر إملاءات جديدة، وضعها لاستمرار المفاوضات مع سلطة الحكم الذاتي. فقد أعلن حسب ماذكرت صحيفة «هآرتس» الصهيونية (إننا لن ندخل في أية مفاوضات حول وجودنا كدولة يهودية، هذا منطلق لكل المفاوضات القادمة... كل من لايعترف بذلك لايمكنه التفاوض معنا).
دأبت وسائل الإعلام العربية والعالمية على تداول أخبار اللقاءات الفلسطينية «الإسرائيلية» بالمزيد من الضبابية- إن لم نقل السوداوية- بدليل ماتتناقله باستمرار من تصريحات لرئيس السلطة، ومسؤول ملف التفاوض. خاصة وأن (التغييرات الحكومية داخل كيان العدو) سمحت للمراقبين، بالتوصل لاستنتاج يقول بعجز هكذا حكومة عن التعامل مع القضايا الأساسية. كما أن حالة الإدارة الأمريكية التي بدأت تلملم أوراقها لمغادرة البيت الأبيض خلال الأشهر القليلة القادمة، قد أوصلت- مع أوضاع أخرى تعيشها هذه الإدارة- المتفاوضين إلى حالة الجمود الراهنة. بالإضافة للخلاف الفلسطيني الداخلي، حول جدوى المفاوضات في ظل الوضع القائم على الأرض، في تحقيقها لأية مكاسب للشعب الفلسطيني.
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين الحكومة الإسبانية، وحكومة العدو الصهيوني، مداولات عديدة، تدور داخل الغرف المغلقة، وعبر حقائب البريد الدبلوماسي بين وزارتي الخارجية، حول الدعوى المرفوعة ضد قادة سابقين كانوا في مركز القيادة والقرار في جيش الحرب الصهيوني أثناء تنفيذ هذا الجيش للحرب الوحشية على قطاع غزة.
جاءت العملية الأخيرة مساء الخميس 6/3 في القدس الغربية المحتلة، وداخل المدرسة الدينية «مركاز هراف» لتحمل دلالات عدة ذات مغزى كبير.
جريمة اغتيال القائد العسكري البارز، رجل المهمات الخاصة والاستثنائية في حركة المقاومة الاسلامية «محمود المبحوح»، فتحت سجلات تاريخ الإرهاب الأسود الذي نفذته «الموساد» بحق خيرة مناضلي الحركة الوطنية الفلسطينية. لم تكن عمليات القتل/ الاغتيال الفردي، أو المذابح الجماعية التي ارتكبتها- ومازالت- قوات العدو العسكرية والأمنية الوحشية، أو ميليشيات مستعمريه، التي تنشر الموت والدمار في الأرض الفلسطينية، بعيدة عن الأفكار الصهيونية العنصرية والإقصائية، المغلفة بعقيدة «توراتية» مصنعة في عقول ارهابية، تتوزعها أسماء الحاخامات، والسياسيين، والعسكريين من مختلف طبقات وفئات التجمع الاستعماري.
لم تكن النتائج التي تمخضت عنها الجولة المكوكية التاسعة للمبعوث الأمريكي «جورج ميتشل» لفلسطين المحتلة، مفاجئة لأحد. فالمقدمات التي مهدت للزيارة، حددت نتائجها سلفاً. فقد جاءت تصريحات «نتنياهو»- المتعلقة بطبيعة حدود «الدولة» الفلسطينية العتيدة- قبل وصول المبعوث الأمريكي بساعات، لتكشف عن الرؤية التوسعية/ الاستفزازية في آن واحد لحكومة العدو. فالاستقبال الصهيوني الحكومي لـ«ميتشل» جاء بالتأكيد على أهمية الوجود العسكري لجيش الاحتلال في منطقة الأغوار، على الحدود الشرقية لـ«الدولة» المفترضة، كما صرح به رئيس حكومة الكيان (إن التحديات الأمنية تفرض وجود جيش «إسرائيل» حول الدولة الفلسطينية المستقبلية... إن «إسرائيل» لن تتنازل عن نشر جيشها على طول الحدود مع الأردن، إلى جانب وجود الجيش على كامل الحدود للدولة الفلسطينية). جاءت هذه التصريحات لتكشف عن عمق التباينات بين سلطة رام الله المحتلة، وحكومة العدو، حول العودة العلنية لطاولة المفاوضات بين الطرفين. وهذا ماتأكد في حديث صائب عريقات للإذاعة الفلسطينية الرسمية (إن نتنياهو يضع شروطاً مسبقة لاستئناف المفاوضات من خلال الإعلان بأنه يريد الاحتفاظ بمنطقة الأغوار على الحدود الأردنية- البالغة مساحتها 28 بالمئة من مساحة الضفة الغربية- ويريد الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية- التي تحتل ما مساحته أكثر من 20 بالمئة من الضفة- ويريد الاحتفاظ بالقدس ويريد السيطرة على سماء فلسطين ومعابرها).
نيران «الفوسفور الأبيض» الذي التصق بلحم الأطفال والنساء والرجال من أبناء قطاع غزة، وصور الأطراف المبتورة، والأجساد الممزقة، المهروسة والمعجونة تحت كتل الأسمنت والحجارة المدمرة، نتيجة انهيار آلاف المنازل، ومئات المدارس ودور العبادة، تحت قصف صواريخ وقذائف مدفعية جيش العدو الإحتلالي الإرهابي، أثناء المجزرة الوحشية والأكثر دموية التي عاشها الشعب الفلسطيني على مدى ثلاثة أسابيع سوداء، أعادت جميع هذه المشاهد المروعة، إنعاش الذاكرة الإنسانية بماهية ومضمون هذا الكيان، من خلال ممارساته العدوانية الفاشية، التي تأتي في مقدمة السياسات الاستعمارية القائمة على الهيمنة، مما أدى إلى نهوض عربي وعالمي متصاعد في وجه هذه الوحشية التوسعية. فبعد فنزويلا وبوليفيا توالت تعبيراته في أكثر من دولة.
جاء اجتماع أحزاب «الاشتراكية الدولية» في اليونان مؤخراً، كخبر عادي ضمن وسائل الإعلام المتنوعة، بسبب الطبيعة الروتينية/النمطية لتلك اللقاءات، وكتعبير عن حالة القوى المؤتلفة في إطارها. لأن هذه التشكيلات الحزبية والسياسية، كانت قد فقدت منذ عقود دورها المؤثر في ميادين النضال السياسي والاجتماعي، إضافة لوجود بعض الأحزاب التي تشكلت على قتل وإقصاء السكان الأصليين، وإحلال غزاة جدد قادمين من قارات العالم مكانهم «حزب العمل الصهيوني نموذجاً». فمعظم هذه القوى كانت قد غادرت منذ سنوات طويلة تسميتها الشكلية. إذ لم يبق من اشتراكيتها سوى مايتضمنه اسمها. فالبرامج النظرية، والممارسات السياسية/الاجتماعية لهذه الأحزاب والمنظمات، أصبحت معادية تماماً لمضمون النظرية/الإيديولوجيا الاشتراكية، بل تحولت في غالبيتها إلى أدوات مأجورة، تقوم بدور الوكيل المحلي لتنفيذ المشروع الامبريالي.
جاءت الإنذارات/الإخطارات الأخيرة التي تسلمها أصحاب المنازل الثمانية والثمانين، سكان حي البستان في منطقة سلوان الموجودة داخل بلدية القدس المحتلة، لتدفع إلى الواجهة معركة صمود أبناء القدس في الدفاع عما تبقى من عروبة مدينتهم، في وجه عمليات تهويدها، المنطلقة من طرد سكانها عبر دفعهم لمغادرة أماكن إقامتهم والانتقال للسكن في مناطق أخرى. ويتهدد الهدم تلك المنازل بعدما رفضت بلدية القدس المصادقة على الخارطة الهيكلية التي قدمها الأهالي لترخيص بيوتهم المقامة قبل احتلال المدينة في العام 1967. وتعمل بلدية القدس على إخلاء ألف وخمسمائة مواطن مقدسي من بيوتهم في الحي بدعوة أن البناء غير مرخص وأن البيوت أقيمت في منطقة ذات أهمية تاريخية! لأن بلدية القدس، وكما يتضح من مخططات التنظيم الصهيونية، والموضوعة منذ عام 1977 على خطة الهدم والطرد للمواطنين العرب، تهدف إلى «تأهيل» المنطقة لمشروع إقامة «مدينة الملك داوود».