في أسبوعها الأول.. التهدئة دماء وشهداء !

أسبوع مضى على دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين «حماس» وحكومة العدو، بوساطة مصرية فعالة، ونشطة، بعد توقف دام أكثر من أربعة عشر شهراً، عزفت خلالها الحكومة المصرية عن لعب أي دور مؤثر في هذا الجانب.

وإذا كانت المعاناة الرهيبة للشعب الفلسطيني في كل محافظات غزة، من خلال الحصار المحكم، الذي طال كل شيء، على اليابسة، والمياه، ماعدا الهواء! قد ساهمت بدفع بعض التنظيمات للموافقة المشروطة، من أجل تسهيل وصول المواد الأساسية للمواطنين. فالذي عانى من سكان القطاع طوال السنة المنصرمة_ من أواسط حزيران عام 2007 وللآن، كان _ وسيبقى _ وصمة العار الأبدية على جبين حكومات العديد من الدول العالمية والإقليمية. فعيون الملايين من الفلسطينيين لم تر في هذه التهدئة، سوى إعادة ضخ نسغ الحياة في الأفواه والشرايين التي وصلت درجة جفافها وتصلبها للموت، فما يقارب المائتي مريض من مواطني القطاع الصامد لقوا حتفهم بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية، وكنتيجة للإغلاق الدائم لبوابة العبور. لكن تدقيق النظر في مختلف بنود الاتفاق، تُبرز لنا القراءة الخاصة التي يتفاعل داخلها الذاتي والموضوعي عند كل طرف ساهم وعمل على تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع .

جاءت البنود السبعة لاتفاقية التهدئة، لتعبر عن توافقات تنازلية متبادلة بين طرفي الصراع، أدت إلى تدني سقف الاشتراطات التي وضعها كل طرف، خاصة وأن الطرف الفلسطيني، تراجع عن أن تكون التهدئة «متزامنة وشاملة للقطاع والضفة»، إضافة لتأجيل البحث في فتح «معبر رفح» أمام حركة المواطنين، بناءً على الالتزام الدقيق بوقف إطلاق الصواريخ. أما حكومة العدو، فقد تراجعت عن ربطها الموافقة على وقف إطلاق النار، وإنهاء الحصار القاتل، في وقت واحد ومتزامن، مع إطلاق سراح الجندي الأسير «شاليط». وبهذا فإن آلية التنفيذ، مازالت خاضعة في كل مرحلة، لطبيعة ماتحققه المرحلة التي سبقتها. لكن الخوف من عدم استمرار الاتفاق بين الطرفين، يأتي من تجربة الهدنة الأخيرة عام 2005 التي استمرت عدة أشهر، تعرضت خلالها للعديد من الخروقات الصهيونية، وما تحمله الأنباء في كل يوم عن استمرار العدو في سياساته العدوانية وممارساته الوحشية ضد المواطنين في القطاع والضفة يؤكد على أن العدو ماضٍ في حربه المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني.

بعد عدة ساعات على بدء سريان الاتفاق، أطلقت الزوارق الحربية الصهيونية أربع قذائف باتجاه قوارب الصيادين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، بالإضافة إلى فتح نيران أسلحة قوات الاحتلال الرشاشة باتجاه المزارعين شرق خان يونس «جنوب القطاع». كما اقتحمت قوة من جيش العدو، مكونة من عدة آليات عسكرية فجر يوم السبت 21/6 مخيم عين بيت الماء وسط إطلاق نار، وداهمت عدة أحياء في مدينة نابلس «الجبل الشمالي وحارة الشيخ مسلم»، في حين شوهدت مجموعة من جنود الاحتلال تتجول في منطقة «خان التجار» بالبلدة القديمة. كما شهدت الأراضي الزراعية في شمال القطاع بعد خمسة أيام على سريان التهدئة، رشقات كثيفة من النيران الصهيونية أدت لإصابة مزارع فلسطيني بجراح. لكن الذي حصل في نابلس فجر يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من هذا الشهر، يشير إلى رغبة العدو في الإسراع بإنهاء التهدئة، عبر دفع الفصائل الفلسطينية لتنفيذ تحفظاتها على بعض بنود الاتفاق. فقد أقدمت وحدة عسكرية خاصة من قوات القتل الصهيونية، مع ساعات الفجر الأولى، على مداهمة شقةً لطلاب جامعيين ببناية السلعوس في منطقة «المخفية» غرب نابلس، وقامت باغتيال الشابين «طارق جمعة أبو غالي» القائد البارز في سرايا القدس _ الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، و«إياد خنفر» أحد أبرز القيادات الطلابية للحركة في الجامعة، وهو مادفع بالحركة للرد على عملية التصفية تلك، بقصف مستعمرة «سديروت»، تنفيذاً لموقفها الذي أعلنته أثناء المداولات التي رافقت حوارات التهدئة، والذي ينص على أن الحركة (لن تقف مكتوفة الأيدي أمام حملات الاغتيال لكوادرها في الضفة).

في ظل التطورات الميدانية، يسود الاعتقاد بأن خطوات تنفيذ الاتفاق، التي يمكن اعتبارها تكتيك المرحلة الراهنة، تتعثر في كل يوم نتيجة إصرار العدو على تنفيذ مخططاته الإجرامية، مما يدلل على أن أفق تطوير الاتفاق، ليتحول إلى موقف استراتيجي، سيصطدم بمواقف قادة العدو، العسكريين والسياسيين، الذين تحدث بعضهم عن الاتفاق، بمصطلحات واضحة برفض التعامل (الاعتراف) مع حماس. بينما لجأ البعض الآخر لتبرير الخطوة، بأنها ضرورة آنية لإنقاذ الوضع الداخلي، المتجه نحو تغييرات دراماتيكية في الحكومة والتحالفات، مما سيهيئ لاتخاذ خطوة سريعة نحو الانتخابات المبكرة. كما تأتي طريقة تعامل حماس مع الاشتراطات والممارسات الصهيونية المتعلقة بالاتفاق، لتضع علامة استفهام كبيرة حول رؤية الحركة لمستقبل الهدنة، وإمكانية تحويلها من سياسة تكتيكية ناجحة_ إذا استمرت_ إلى قضية استراتيجية ضمن برنامج العمل الوطني، الذي تأسس على مواجهة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين التاريخية. خاصة وأن الوضع الفلسطيني العام يعيش مأزقاً واضحاً، تتجلى تعبيراته في حالة الانقسام السياسي/ الجغرافي، وبالموقف السياسي لسلطة رام الله المحتلة، الذي يرى أهمية بالغة من المفاوضات لتحقيق «إنجاز ما»! يسميه البعض (اتفاق إطار أو رف أو...)، وتعيشه غزة، شعباً وقيادة، حصاراً وشهداء.

أمام كل الاحتمالات المتوقعة، والتي يأتي في مقدمتها، سقوط التهدئة بعد أيام أو أسابيع، في بحر دماء الفلسطينيين، فإن المطلوب راهناً يدفع نحو البدء بحوار شامل مرتكزٍ على الثوابت الوطنية، ومنطلقٍ من أهداف المشروع التحرري لشعبنا، تشارك فيه القوى، والمنظمات الأهلية، والشخصيات الوطنية، من أجل صياغة تكتيك المرحلة الراهنة، بما يتلاءم مع المستجدات المتسارعة.

آخر تعديل على الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 11:03