محمد العبد الله
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لم يكن يوم الثلاثين من آذار عام 1976 يوماً عادياً عند قطاعات واسعة من الشعب العربي الفلسطيني داخل وطنه المحتل منذ عام 1948. كان ذلك اليوم موعداً مع التمرد الجماعي، والاحتجاج على اجراءات القمع والتهميش ومصادرة الأراضي وهدم القرى. كانت شرارة التفجير المباشرة، قيام سلطات الاحتلال بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي المنطقة 9 «عرابة البطوف وسخنين ودير حنا» وغيرها، لإدراجها في مخططات بناء المستعمرات الجديدة، ضمن سياسة «تهويد الجليل والنقب». في هذا اليوم المجيد، توج المواطنون العرب سلسلة نشاطاتهم وتحركاتهم التي تمخض عنها تشكيل «لجنة الدفاع عن الأراضي» بالدعوة للإعلان عن الغضب الشعبي، الذي لاحت بوادره يوم 29آذار، لتتفجر في اليوم التالي، الهبة الجماهيرية الغاضبة، التي سقط خلالها ستة شهداء هم: خير ياسين «عرابة»، رجا أبو ريا وخضر خلايلة وخديجة شواهنة «سخنين»، محسن طه «كفر كنا»، ورأفت زهيري «من مخيم نور شمس، سقط في طيبة المثلث» هذا بالإضافة إلى حوالي 50 جريحًا ونحو ثلاثمائة معتقل.
جاءت تشكيلة الحكومة الـ32 في الكيان الصهيوني الإرهابي، كتعبير موضوعي عن التحولات المتسارعة نحو التشدد والتطرف، في حراك التجمع الإستعماري/ الإستيطاني/ الإجلائي الذي فرضه الواقع الاحتلالي لفلسطين عام1948، كإجراء وقائي، ليس في توفير الأمن لحماية «الكيان/الثكنة»، بل وفي توفير شروط البقاء له.
تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والثلاثون ليوم الأسير الفلسطيني «السابع عشر من ابريل/ نيسان» الذي تقرر أن يكون ذلك اليوم من كل عام، يوماً وطنياً، (أقره المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التي انعقدت عام1974، في ذكرى إطلاق سراح أول أسير فلسطيني وهو محمود بكر حجازي). منذ ذلك التاريخ، تتحول هذه المناسبة، لتصبح لدى أبناء الشعب الفلسطيني، وقفة تضامن وطنية، عبر العديد من الفعاليات والنشاطات الجماعية، على امتداد مساحة فلسطين التاريخية المحتلة، وفي مناطق التجمع الفلسطيني في قارات العالم، كنوع من الوفاء للأسرى واعترافاً بتضحياتهم الهائلة، وتأكيد على أن تكون قضية حريتهم وخروجهم من معتقلات ومراكز الموت الصهيونية، البند الأول في أجندة الحركة الوطنية، بتسليط الضوء على معاناتهم السياسية والإنسانية، وتعريف شعوب العالم بها، من أجل حشد أوسع تضامن أممي في سبيل الضغط على حكومة العدو، لتحسين شروط اعتقالهم، وتوفير المحاكمات العادلة لهم، لكونهم مناضلين ومناضلات من أجل حرية وطنهم وشعبهم.
لم تكن تلك الكلمات المتدحرجة من فم نتنياهو، في اجتماع الحكومة، وأمام الميكروفونات الإعلامية، أو على مسامع الموفد الأمريكي للمنطقة جورج ميتشل، مفاجأة للمراقب المهتم بمتابعة تطورات الصراع العربي/الصهيوني. فالحديث عن اعتراف الفلسطينيين وباقي العرب بـ«يهودية» الكيان الإرهابي لم يكن جديداً، فقد تم تداول تلك الصفة/ المضمون في لقاء جمع بوش وعباس وقادة العدو الصهيوني، وبعض حكام دول «الاعتلال» العربية في شرم الشيخ قبل عامين تقريباً، كما أن مجرمة الموساد تسيبي ليفني كررت استخدام هذه الصفة خلال الأشهر الأخيرة من مدة حكمها، وهي توجه كلامها الغاضب والتحذيري للمواطنين العرب، أصحاب الأرض في مدن عكا ويافا وأم الفحم المحتلة منذ عام 1948، أثناء تحركاتهم الاحتجاجية على عنصرية القوانين، وفاشية الممارسات الرسمية للسلطات، وبلطجة الزعران من أعضاء عصابات الحقد اليهودية، المنفلتة في الشوارع، وهي تنعق «الموت للعرب» تحت سمع وبصر ودعم أجهزة القمع الحكومية.
جاء انعقاد جلسة الحوار الفتحاوي/ الحمساوي في القاهرة، على وقع تطورات ميدانية، مهدت لاستشعار النتائج التي يمكن التنبؤ بها، والتي لن تكون أفضل مما انتهت إليه الجلسات الثلاث السابقة، خاصة وأنها تنعقد في ظل أجواء «عدم الثقة» بين الطرفين.
يخوض الشعب العربي الفلسطيني معركة الوجود والبقاء على أرض وطنه، منذ الغزوة الاستعمارية/ الصهيونية للأرض الفلسطينية. وإذا كانت مجموعة العوامل المحلية والإقليمية والدولية هي التي أوجدت النكبة، التي نتجت عن الاحتلال اليهودي/ الصهيوني، فإن الواقع الجديد الذي يعاني منه شعب فلسطين، المنكوب باحتلالي 1948 و1967، يقارب في ملامحه العامة، سنوات الموت التي رافقت حياة هذا الشعب، بتعبيراتها وأشكالها المختلفة. لكن تلك السنوات الممتدة على أكثر من ستة عقود، لم تستطع أن تكسر إرادة الحياة والصمود في مواجهة جبهة الأعداء.
عادت الحرارة لملف المفاوضات مع النشاط المحموم الذي تبذله سلطة رام الله المحتلة على عدة جبهات، محلية واقليمية ودولية.
لم تكن المعاناة الفلسطينية في العام المنصرم، استثنائية، بمقدار ماكانت جرعة الألم أكبر، وكمية الدماء الزكية التي لونت تربة الوطن أكثر. انقضى عام كارثي، افتتحته صواريخ الطائرات- أكثر من ثلث سلاح الجو شارك بالعدوان-، وقذائف المدفعية، والسفن الحربية، والدبابات الصهيونية الغازية، بحمم من النيران، والغازات السامة، ومواد الف,سفور الأبيض، التي حولت الأجسام البشرية إلى قطع من الجمر الملتهب المفتت. كما لم تسلم البيوت، ودور العبادة، والمشافي، وسيارات الإسعاف، والمدارس، ومراكز الإعلام، من الحقد الوحشي المتجدد، مع كل وقفة صمود وتحدٍ للإنسان العربي الفلسطيني، المتشبث بأرضه، والمسكون بأمل العودة لوطنه الذي هُجر منه.
في الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام، يحيي الشعب الفلسطيني يوم نكبته، بمزيد من الإصرار على التشبث بوطنه المحتل منذ عام 1948، والتمسك بعروبة الأرض، واستمرارية الوجود عليها. وقد ابتدع هذا الشعب، عبر مواجهته للاحتلال البريطاني، ومن ثم اليهودي-الصهيوني، أشكالاً متجددة من التحدي والمقاومة، دفعت بالعديد من منظري الحركة الصهيونية للبحث في سيكولوجية الانسان الفلسطيني، الرافضة وبإصرار على الانصهار/ التماهي/ التقمص لسلوك ومفاهيم الغازي/ المحتل. وقد جاءت العديد من الأشكال التعبيرية الفردية والجماعية على مدى ستة عقود، لتعيد إنتاج ثقافة المواجهة مع الفكرة والممارسة الصهيونية. وقد برز خلال العقدين الأخيرين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، حراك جماهيري منظم، واسع ومتجذر، يعمل على دحض منظومة المفاهيم التي حاول الاحتلال من خلالها ضبط سلوك المواطنين العرب بحسب ايقاع نظرية «الأسرلة والصهينة».
عادت لجنة المتابعة العربية مجدداً، لترتكب الخطأ في تجاوز صلاحيتها ووظيفتها. فقد اتخذت قراراً خارج المهمة الملقاة على عاتقها، بتوفير مظلة عربية رسمية «مثقوبة» لعودة سلطة رام الله المحتلة لممارسة سياسة المفاوضات التي مضى على توقفها عدة شهور.