«حرية أسير» في مواجهة تحرر شعب!
تشهد القاهرة حوارات ماراثونية، تدير من خلالها، عبر مدير المخابرات المصرية عمر سليمان حواراً بالواسطة- غير مباشر- بين وفد حركة حماس، وعاموس جلعاد رئيس لجنة الأمن والسياسة في وزارة حرب العدو، حول العديد من القضايا المعقدة والشائكة بين الطرفين، والتي كان مااصطلح على تسميتها «التهدئة»، القضية الأبرز على جدول التفاوض، لأنها ستشكل في حال الاتفاق حول بنودها، مفتاح «المعابر والأسرى والإعمار»!
وبالرغم من الملاحظات العديدة التي يمكن أن تُسجل على التهدئة العتيدة، من حيث «الحرص على تطبيقها والالتزام بها» في المعركة المفتوحة منذ قرن من الزمن مع الهجمة الاستعمارية/ الاحتلالية/ الاجلائية لفلسطين، والتي تكثفت منذ ستة عقود بعد احتلالها، ونكبة شعبها وأرضها عام 1948، بدخول حركة التحرر العربية، وفي المقدمة منها، حركة التحرر الفلسطينية في أطوار جديدة من المواجهات مع كيان العدو الارهابي. ومما يجدر التوقف عنده في التهدئة المقترحة، غياب ماكانت تشدد عليه القوى ذاتها قبل تسعة أشهر تقريباً في القاهرة، عندما كانت تتحدث عن ضرورة أن تشتمل إجراءات التهدئة على الضفة الفلسطينية، الضفة التي تتعرض لعدوان يومي لايقل خطورة بنتائجه عما تعرضت له غزة. فالاجراءات الصهيونية اليومية المتعددة مابين الاغتيال، الاعتقال، استكمال بناء جدار الضم الاحتلالي والفصل العنصري، تهويد القدس، الحفريات أسفل المسجد الأقصى، وتجريف المقبرة التاريخية «مأمن الله»، تتطلب من قوى المقاومة الفلسطينية- التي يصر بعض المشككين على إطلاق صفة «المقاومة الغزاوية» على مطالبها الضيقة- معالجة الملف برؤية شاملة، يحملها وفد مشترك من كل القوى التي ساهمت باشتباكها مع قوات الغزو على أرض المعركة، ومن خلال تضحيات مقاتليها، وتوسيع دائرة المواجهة مع مستعمراته ومعسكراته، على ردع العدو ومنعه من تحقيق أهدافه.
في الأيام الأخيرة التي كانت فيها المصادر المتعددة تتحدث عن قرب الإعلان عن التهدئة، ومع اقتراب اليوم المحدد الموعود، فاجأ قادة العدو، الجميع بالقول عن «أن التهدئة وفتح المعابر مرتبطان بإطلاق سراح العسكري الأسير جلعاد شاليط». وقد أدى هذا الموقف الجديد «حرية شاليط وعودته لبيته» كشرط لحل كل القضايا المعلقة- كما صرح بذلك اولمرت في أثناء لقائه بقادة المنظمات اليهودية/ الصهيونية الأمريكية باجتماعهم الأخير في فلسطين المحتلة- إلى وضع عقبة كأداء على طريق المفاوضات. وقد عبرت حركة حماس عن رفضها الكامل لهذا الشرط، الذي يرتبط النقاش حوله فقط بموضوع إطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين. كما أن تصريحات الرئيس المصري التي أدلى بها في «المنامة» في أثناء زيارته السريعة للبحرين، أكدت على رفض مصر «ربط قضية شاليط بالتهدئة وفتح المعابر». إن ماحملته التطورات الجديدة في هذا المجال، أثبتت أن رئيس وزراء العدو المنتهية ولايته، المتهم بقضايا الفساد والرشى، وبالنتائج البائسة لحربين خاضتهما قواته في عهده الذي شهد العملية العسكرية التي أدت لوقوع شاليط بالأسر. يطمح هذا «الرئيس المؤقت» أن ينهي حياته السياسية الرسمية ب«إنجاز» يبيض سجله الأسود. ومن هنا، يحاول الطرف الفلسطيني، انتزاع حرية المئات من الأسرى في مقابل حرية شاليط. ولهذا فإن التمترس عند ضرورة إطلاق سراح أبطالنا المعتقلين، خاصة قيادات الفصائل الفلسطينية، وقادة وكوادر العمل الفدائي المسلح، أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية، وأبناء القدس وعرب فلسطين المحتلة عام 48، بعيداً عن شروط الابتزاز الصهيونية، سيوفر لشعبنا وقوى المقاومة إمكانية تطوير مواقفها في الصمود والثبات.
إن خوض «معارك» إعادة الإعمار، وفتح المعابر، وتطوير القدرات القتالية لقوى المقاومة من أجل ادامة الاشتباك مع العدو، تفرض على جميع الوطنيين، أولويات المبادرة في تحقيق أعلى درجات التنسيق بين الأداة السياسية/ الإدارية/ التنظيمية، التي ستعمل بكل شفافية على إدارة وتنظيم المجتمع.
وهذا يتطلب تحقيق وحدة حقيقية بين القوى الوطنية المتمسكة ببرنامج المقاومة. إن التجمع الاستعماري/ الاحتلالي على أرض فلسطين، وهو يسعى لترتيب أوضاعه بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على أرضية وأسس البرنامج الاجلائي/ التدميري لشعبنا، داخل الوطن الذي احتل مرتين، وفي توجه نحو تصعيد الممارسات التوسعية العدوانية الفاشية، يسعى من خلال رموزه الأكثر قبحاً ودموية، والتي حسمت الأوراق في صناديق الاقتراع تقدمها «نتنياهو، ليبرمان» دون أن يغفل البعض وحشية ونازية «باراك وليفني»، يسعى هؤلاء جميعاً لإدارة معارك جديدة لتصفية القضية والشعب بأساليب متنوعة، في سبيل تحقيق هدف واحد. فمابين مايقوله «ليبرمان» عن علاقة «المواطنة بالولاء» وماتصرح به ليفني عن «أن عرب 48 مطلوب منهم أن يبحثوا عن كيانهم القومي في مكان آخر» تتلاشى مساحات الاختلاف. كما أن ضرب قطاع غزة بآلاف الأطنان من المتفجرات التدميرية والحارقة، بأوامر من باراك، وماصرح به ليبرمان أثناء محاضرة له أمام طلاب جامعة «بار إيلان» حينما قال «إن الحل هو بالضبط كما فعلت أمريكا مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي لاداعي لاحتلال غزة... يجب القاء قنبلة نووية على قطاع غزة وتدميره بالكامل، والانتهاء من المشكلة نهائياً، والتخلص من وصف العالم لاسرائيل أنها دولة احتلال». مابين هذا وذاك من مجرمي البشرية، تتوضح مجدداً طبيعة عدونا التاريخي والاستراتيجي، وهذا يفرض على الوطنيين العرب، والفلسطينيين خاصة، ضرورة الاستعداد لمواجهات جديدة، بدأت تتجمع في الأفق التحضيرات الصهيونية لبدئها.
إن سياسة حكومات العدو المتعاقبة، المستندة على أفكار «جابوتنسكي» وتلامذته، المنطلقة من مفاهيم وممارسات «كي الوعي» و«تلقين الدروس»، تتطلب من قوى أمتنا وشعبنا، الابقاء على نبض الشارع العربي، وعلى ديمومة تحركه، من خلال كل أشكال التعبير عن تمسكه بالمقاومة كطريق وحيد لتحرير الأرض والإنسان.