حرب الإبادة المفتوحة على وقع القرارات والمبادرات!
ع دخول المجزرة التي ترتكبها قوات الغزو الصهيونية ضد أبناء فلسطين داخل قطاع غزة، أسبوعها «الرابع»، تتأكد على أرض الواقع الميداني عدة حقائق، فرضتها درجة الصمود والصلابة والثبات التي أظهرها المجتمع الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الوحشية التدميرية، مما وفر لمقاتلي فصائل المقاومة البطلة، كل مقومات الاستبسال والتضحية، التي فرضت على كل الأطراف الإقليمية والدولية إعادة النظر في الإمكانية المتاحة لتحقيق الأهداف المرسومة للحرب، عسكرياً وسياسياً. إن ماعكسته السبعة عشر يوماً من التضحيات الأسطورية، يتجلى في تدني سقف الأهداف التي وضعتها حكومة القتل الصهيونية، يوماً بعد يوم. ويعود ذلك لفشل الصدمة/الحملة الجوية في الأسبوع الأول، ولعجز المرحلة الثانية «البرية» عن تحقيق أية منجزات مباشرة «التقدم الكبير» على الأرض. فما بين (إنهاء سيطرة حماس على القطاع، لتسليمه لقوى «الاعتدال» الفلسطينية) إلى (فرض واقع أمني يوفر الأمن للمدن والمستعمرات الصهيونية) وصولاً إلى (وقف إطلاق الصواريخ وتهريب المعدات القتالية) يتوضح المأزق السياسي/العسكري الذي تعاني منه حكومة العدو. وهو ماظهر واضحاً، جلياً، في التصريحات الأخيرة للمتحدثين العسكريين والسياسيين حول مراحل الحرب العدوانية ونتائجها.
إن فشل الحرب المفتوحة جواً وبحراً وبراً، والمدعومة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، خاصة قنابل «قناديل» الفوسفور الأبيض الحارقة، والقنابل المدمرة للأعماق، على كسر إرادة المقاتلين، وإلحاق الهزائم بهم من خلال احتلال الأطراف «المناطق المفتوحة وهوامش المخيمات والأحياء» التي استعمل فيها العدو خطة «الأرض المحروقة» والمدمرة، كخطوة ضرورية للاندفاع نحو المركز «المدن الرئيسية: غزة، خان يونس، دير البلح...» يشير إلى مأزق جديد دخلته القوى المهاجمة، نتيجة العجز عن التقدم السريع في عمليات «التطهير»، بما يعني التموضع بالمناطق المسيطر عليها، مما يوفر للمقاتلين أهدافاً ثابتة لهجماتهم المباغتة والسريعة، سيؤدي بالضرورة لإنهاك القوى الغازية وإرباكها، وهذا ماأكدته عمليات زج قوات الاحتياط بالمعارك الأخيرة، والتي تهدف لتحقيق تقدم جديد على عدة محاور من أجل حصار مدينة غزة والإطباق عليها، والبدء بقضم أحيائها خطوة بخطوة. وهو مادفع ببعض المحللين للحديث عن اقتراب قوات العدو من الدخول في المرحلة الثالثة «ج» من حربه الوحشية، من أجل فرض مكاسب عسكرية على أرض المعركة، تساعده على تحسين شروطه ومطالبه في أية تسوية قادمة، عنوانها الراهن «بنود المبادرة المصرية». وفي هذا الإطار يُقرأ خبر تأجيل وصول «عاموس جلعاد» مستشار وزير الحرب باراك، ورئيس الهيئة السياسية والأمنية بوزارة الحرب الصهيونية للقاهرة من أجل استكمال الحوار مع عمر سليمان مدير المخابرات المصرية.
إن متابعة المناقشات الدائرة داخل الطاقم الوزاري المصغر، والتصريحات التي تصدر عن عدد من المسؤولين، تعكس التباينات المتنافرة، ومستوى الإرباك السائد داخل الحلبة السياسية/العسكرية. فالتدقيق في مجريات الأحداث الميدانية يشير إلى أن حكومة أولمرت قد اتخذت قراراً بمواصلة الضرب بعنف وشدة داخل القطاع للتوصل الفوري لإعلان يتحدد بعبارات واضحة وغير مبهمة تقول (أهداف الحرب تحققت)!.لكن المعلومات المتسربة من داخل الحكومة والمؤسسة العسكرية تؤكد على وجود اتجاهين، الأول يضم وزير الدفاع إيهود باراك ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس يدلين، ورئيس هيئة الأركان غابي اشكنازي، يقول (إن الأهداف تحققت ويجب التوقف)، والثاني يضم أولمرت ورئيس الشاباك يوفال ديسكين، ومعهم قائد الجبهة الجنوبية الجنرال يوآف غالانت، وهؤلاء يصرون على (أن الأهداف لم تتحقق وينبغي مواصلة الحرب). ومن المهم هنا الإشارة لضرورة التعامل مع رؤية كل فريق، انطلاقاً من حسابات صندوق الانتخابات، ومن التشدد «اللفظي» التهديدي، للحصول على مكاسب سياسية أثناء الحوارات مع الجانب المصري. أما تسيبي ليفني فقد أكدت على(أن «إسرائيل» استعادت قدرتها الردعية، وغيرت المعادلة مع حماس وأضرت بقدرتها وبحوافزها على القتال)، مشددة (على أن الأهداف المركزية للحرب تحققت عن طريق ضرب حماس والعمل العسكري الشديد ضدها)، مؤكدة بذات الوقت على (أهمية العمل من أجل ضمان ألا تستمر حماس في التسلح بصواريخ بعيدة المدى). وفي هذا الإطار تبدو ملامح سيناريوهات جديدة بدأ الإعداد لها، كخطوة هامة للبدء بالمرحلة الثالثة من الحرب، باحتلال مدينة رفح ومحور صلاح الدين الحدودي مع مصر، من أجل فرض شروط جديدة على طاولة الحوار.
إن حكومة العدو، المدعومة بالموقف السياسي الأمريكي، أعلنت رفضها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 القاضي بوقف لإطلاق النار، بدون الاستناد لآلية تنفيذ ملزمة وفورية، والذي امتنعت حكومة واشنطن عن تأييده، رغم حرصها على إعلانه كمحاولة مكشوفة، لترضية بعض وزراء الخارجية العرب الذي قفزوا فرحين وهم يقولون (لدينا قرار!!) وهم يعرفون كما غيرهم، أنه قرار شكلي، ناعم، وبدون أنياب. لم يتوقف الدعم الأمريكي على الجانب السياسي/ الدبلوماسي فقط، بل برز بشكل فج ووقح، لاأخلاقي ولاإنساني، عندما تم الإعلان عن فتح مخازن البنتاغون لتوريد جميع أنواع الأسلحة والصواريخ والقذائف التدميرية والحارقة، لطائرات ودبابات جيش الاحتلال الصهيوني، من أجل الاستمرار في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني. فالحرب الحالية هي حرب الشراكة «الإسرائيلية» الأمريكية، كما يقول الكاتب «بول روجرز» في مقالة له نُشرت قبل أسبوع (ما يحدث في غزة... ليس حرباً «إسرائيلية»، بل عملية عسكرية مشتركة للولايات المتحدة و«إسرائيل». وهكذا فان طائرات أف – 16 الهجومية وحوامات الأباتشي الحربية لا تعتبر طائرات «إسرائيلية» بقدر ما ينظر إليها كطائرات أميركية بعلامات إسرائيلية).
في خضم هذه التطورات المتنوعة، بدأت عملية تنشيط المبادرة المصرية، لتأخذ مداها في الحوارات التي تشهدها القاهرة بين كل الأطراف، بشكل مباشر أو غير مباشر، بدخول عنصر جديد ومؤثر، هو الدور التركي الذي يساهم «مدعوما بالرؤية السورية- القطرية» بتذليل العقبات، وتقديم بدائل يمكن أن تجد قبولاً من طرفي الصراع الرسميين «حماس وحكومة العدو». وفي هذا الجانب تأتي الدعوة الجديدة التي قدمتها دولة قطر لانعقاد قمة طارئة في الدوحة يوم الجمعة المقبل، كمحاولة أخرى لدعم الموقف الفلسطيني، المتشبت بموقف وطني يحظى بتوافق ودعم من قوى الشعب المناضلة، ومن حراك شعبي ورسمي مؤيد للمقاومة والصمود. إن وقف الحرب البربرية، وانسحاب القوات الغازية، ورفع الحصار والإغلاق، وفتح المعابر، وخاصة معبر رفح، هي الأهداف الراهنة/ المباشرة للقوى المقاتلة الفلسطينية.
إن ماعجزت عن تحقيقه أكثر من ألف غارة جوية، وعشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف القاتلة، المنطلقة من الطائرات والدبابات والمدافع والسفن الحربية، ودماء أكثر من خمسة آلاف شهيد وجريح، لن تحققه في الغرف المغلقة ضغوطات وتهديدات «البعض!». فجرائم الإبادة المتواصلة ضد شعبنا، لم تستطع كسر إرادته في الصمود والتحدي، كما أنها لم ولن تكن قادرة على إسقاط ثقافة المقاومة من قاموس حياته. إن «طبع الوعي الفلسطيني بالحديد الحامي» كما صرح مجرم الحرب موشيه يعالون رئيس هيئة الأركان في جيش العدو أثناء مجازر 2002، لن تنجح، طالما تتناوب أجيال بعد أجيال على حمل راية المقاومة والتحرير.