كلام احتجاجي عن: «السلام» المستحيل!
جاءت التصريحات الأخيرة لرئيس طاقم المفاوضات «العلني» أحمد قريع، على هامش لقائه قبل يومين، وزير الخارجية النرويجية «يوناس جار ستور» في «رام الله» المحتلة، لتؤكد ماأعلنته العديد من القوى السياسية، وأقلام الكتاب الوطنيين، على مدى الأشهر السبعة الماضية، حول عدم «جدية والتزام» حكومة العدو بما أفضت إليه لقاءات «أنابوليس» الاستعراضية.
ولهذا فإن كلام قريع يحمل دلالات واضحة على مدى استخفاف حكومة «أولمرت- ليفني- باراك» ومن ورائها «الراعي النزيه» بما تم التوقف عنده في أروقة الكرنفال الاستعراضي. رئيس الوفد المفاوض يجدد حديثه عن المأزق الذي تعاني منه المفاوضات (رغم مرور أكثر من ستة أشهر على انعقاد مؤتمر انابوليس، فإن «إسرائيل» لم تنفذ لغاية الآن أياً من التزاماتها بموجب خريطة الطريق، والتي تفرض عليها وقف أشكال الأنشطة الاستيطانية كافة، بما فيها ما يسمى بالنمو الطبيعي في كل الأراضي المحتلة، خصوصا القدس الشريف، وإزالة البؤر الاستيطانية المسماة العشوائية، والانسحاب من المناطق التي أعادت احتلالها منذ 29 أيلول/سبتمبر عام 2000، والتي تتضمن إزالة الحواجز العسكرية، وإعادة فتح المؤسسات التي تم إغلاقها في القدس، والإفراج عن الأسرى وعودة المبعدين وغيرها من الالتزامات التي تصر إسرائيل على التنصل من تنفيذها). وهذا ماأكد عليه أمين عام الجامعة العربية «عمرو موسى» في كلمته أثناء الجلسة الافتتاحية للبرلمان العربي الانتقالي في دورته غير العادية التي عقدت قبل يومين في القاهرة (لا تزال المستوطنات تقام في كل مكان، وهو ما يمكن أن ينسف كل المساعي الى إحداث تقدم على المسار الفلسطيني– «الإسرائيلي» ومن ثم دعم حركة مبادرة السلام العربية)، مشيراً إلى أن (هناك بعض التقدم على مسار عملية السلام، لكنه تقدم مبدئي قد يحمل معه بعض الأمل، لكنه لا يعكس الحقيقة على الأرض) . هذه الحقيقة التي تتأكد في كل يوم: أعداد جديدة من المباني في المستعمرات، مصادرة للأرض والثروات الباطنية، اعتقالات واغتيالات، المزيد من الحواجز العسكرية والترابية، وتشديد الحصار والإغلاق لقطاع غزة. وهو ماأكدته أيضاً آخر الإحصاءات المنشورة والمتداولة عن الإجراءات العدوانية الفاشية لحكومة العدو. فقد سقط منذ انتهاء لقاء أنابوليس أكثر من 500 شهيد فلسطيني، بينهم 70 طفلاً، وشهدت المستعمرات توسعاً وامتداداً، بما يعادل أحدى عشرة مرة أكثر مما أقيم منها في عام 2004 مثلاً، بالإضافة إلى اقتلاع مايقارب مليون ونصف المليون شجرة مثمرة. وقيام سلطات الاحتلال المجرمة بحرمان الشعب الفلسطيني من مياه الشرب. إذ أن حكومة العدو تسيطر على 800 مليون متر مكعب من أصل 932 مليون متر مكعب من مياه الضفة الفلسطينية المحتلة، وبهذا فهي تسمح للمواطن الفلسطيني باستهلاك 50 متراً مكعباً من المياه سنوياً، فيما يستهلك كل فرد من المستعمرين الغزاة حوالي 2400 متر مكعب في السنة.
أمام هذا الوضع الميداني، يفاجأ المتابع لخفايا جولات اللقاءات المتكررة بين الوفدين المتحاورين، من «شكوى» رئيس طاقم المفاوضات!، لأن لجان الوفود العلنية والسرية التي تتحرك داخل غرف الفنادق في المدن الفلسطينية المحتلة، وفي بعض العواصم الأوروبية، لاتوحي بالامتعاض أو الاحتجاج على نمطية اللقاءات و«عبثيتها» وتسويفها، خاصة وأنهم يعتبرون أن المهمة الراهنة والوحيدة، تكمن في المزيد والمزيد من المفاوضات. ومن هنا يستغرب المراقبون تلك الأحاديث والتصريحات «اللزجة» التي يتحدث بها بعض أعضاء الوفد المفاوض عند ممارستهم نقد مواقف حكومة العدو أمام أجهزة الإعلام، في الوقت ذاته الذي يؤكدون فيه حرصهم المستمر على استكمال الجلسات التفاوضية التي تجاوزت المئة لقاء.
إن القراءة النقدية لهذه التجربة المريرة، تثبت أن حكومة العدو تلعب بالوقت. فالمزيد من المفاوضات يترافق مع التقدم العدواني/الاحتلالي/الإجلائي. ولهذا فإن وقف التفاوض، وفضح المماطلات الصهيونية، المرتبطة بالمزيد من الجرائم، يجب أن يكون البند الأول على أجندة أية حوارات فلسطينية داخلية، لأن عدم استخلاص العبر والدروس من هكذا تجربة، سيساعد على وجود مناخ سوداوي يلف الواقع الفلسطيني، نظراً للمخاوف المشروعة، من أن تكون تلك اللقاءات قد حققت ما يسميه بعض المطلعين على خفايا مايدور بـ«الإنجاز» الهام !، الذي يتم بعيداً عن أعين أبناء الشعب الفلسطيني، الذي يدفع في كل يوم ضريبة التمسك بحقه بوطنه. ومن هنا يبرز السؤال الأهم: هل هناك إنجاز وطني، ناجز وكامل، لايشارك الشعب من خلال ممثليه الحقيقيين بصناعته؟.