«اتفاق التهدئة»... ورقة خارج صندوق الاقتراع

جاء فشل كل المحاولات الاقليمية الضاغطة، على وضع ورقة اتفاق التهدئة المزمع انجازه، داخل صندوق الانتخابات الصهيونية، ليؤكد قدرة القيادة السياسية للمقاومة، على تفادي «استحقاقات» اللحظة الصعبة التي تمر بها قضية الشعب الفلسطيني الوطنية في هذه المرحلة، نتيجة الرغبات- الضغوطات- التي يمارسها أكثر من طرف اقليمي ودولي. فقد تمكنت تلك القيادة من تفويت الفرصة على حكومة العدو المجرمة، من استثمار نتائج عدوانها الوحشي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ليكون في صالح ثلاثي «ترويكا» الحكومة المنصرفة، من حيث زيادة عدد مقاعد أحزابها في الكنيست الجديد.

تتميّز الانتخابات الصهيونية بأنها تأتي قبل نحو عشرين  شهراً من موعدها الأصلي المفترض (تشرين الثاني من عام 2010)، ففي السنوات العشر الأخيرة، لم تكتمل لأية حكومة ولايتها الكاملة.إذ لم يعد حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة، منذ عام 1992، ظاهرة استثنائية في الحياة السياسية، نتيجة ديناميكية التفاعل السياسي والاجتماعي المتأثر بدرجات كبيرة بالمتغيرات الاقليمية والعالمية. وقد عكست انتخابات الدورة الثامنة عشرة للكنيست، والخامسة من نوعها خلال الاثني عشر عاماً الأخيرة، واقعاً جديداً- وليس متفرداً- في الحياة السياسية داخل الكيان الصهيوني الارهابي. فالتوجه العام للتجمع الاستعماري الاحتلالي يزداد تطرفاً وعنصرية وفاشية، وهو مايترافق عادة بعد كل حرب عدوانية يشنها الائتلاف الحكومي على الأقطار العربية، وعلى أبناء الشعب الفلسطيني داخل وطنه، أو في مناطق لجوئه. وقد سارعت عمليات المقاومة المسلحة التي وضعت في مرمى نيرانها، حوالي مليون مستعمر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصمود الشعب الفلسطيني داخل القطاع في مواجهته لجرائم الابادة البشرية الصهيونية، من تشديد قادة الأحزاب المتنافسة على كسب صوت الناخبين من خلال التركيز على قدرة الفائز منها بمقاعد اكثر داخل الكنيست، ليس بقدرتها على تأمين «الأمن» للمستعمرين فقط، بل بالتركيز على ضرورة العمل من أجل الحفاظ على «البقاء»، بما يتطلبه ذلك من تصعيد المواجهة مع الفلسطينيين وقوى المقاومة العربية. بل والعمل على «سحق وتحطيم» المقاومة ومجتمعها، ودفع جميع الفلسطينيين للاستسلام ورفع الراية البيضاء!

مابين اللغة اللزجة الفاشية التي تتداولها الأحزاب الصهيونية المتأرجحة مابين الوسط ويمين الوسط (العمل وكاديما)، ونعيق غربان اليمين واليمين المتطرف (الليكود و«إسرائيل بيتنا»)، ومابينهما من قوى تتفاوت لديها درجة العداء العنصرية والفاشية تجاه الجماهير العربية الفلسطينية، تتوزع عشرات القوائم الانتخابية المتسابقة نحو كراسي الكنيست. لكن المؤكد في ظل هذا الوضع، أن مجزرة غزة هيمنت على أجواء الانتخابات، وفرضت على القوى الأكثر عنصرية ودموية، لغة جديدة حاولت من خلالها، مخاطبة غرائز الناخب، المنفلتة من جسدها البشري، نحو التماثل مع الحيوانات المفترسة. والمتتبع لشعارات وخطابات قادة الأحزاب الصهيونية المتنافسة، يتلمس اندفاعها جميعاً _ بفارق لفظي واجرائي بينها _ نحو تصعيد عمليات القتل، والتصفية الجسدية والطرد «الترانسفير» ومصادرة الأراضي أو تبادلها بما يوفر يهودية الكيان، أو التصفية السياسية «الناعمة»، عبر تحسين شروط الحياة الاقتصادية (السلام الاقتصادي) للمناطق الخاضعة لسلطات الحكم الذاتي، من خلال مشروعات اقتصادية مرتبطة بعجلة الاقتصاد الصهيوني، تتيح بروز تشكيلات «شرائح» اجتماعية فلسطينية، تتحول مع تنامي ارتباطاتها بالمركز المالي الصهيوني، ودورها الوظيفي في مشروع إعادة الهيمنة، إلى وكيل محلي «أمني» للسياسة الامبريالية الصهيونية.

مع ظهور نتائج الانتخابات، تكون معركة «استثمار الفوز/النصر» التي تمخضت عنها الحرب العدوانية على قطاع غزة قد بدأت تظهر في أكثر من اتجاه. ومع التسجيل البارز للنقاط التي حققتها قيادة المقاومة في الوصول لموعد الانتخابات دون ورقة التهدئة، تكون حلقات الصراع المفتوحة على أكثر من قضية، قد بدأت تتسارع خطواتها من أجل وصول كل طرف إلى هدفه. المعلومات الراشحة عن حوارات القاهرة تفيد بأن بعض الشروط الصهيونية قد سقطت أمام صلابة الموقف، وفي أحيان كثيرة، حنكته التي فوتت على قوى الضغط الاقليمية، تحقيق أهداف حكومة العدو. فالحديث عن الحزام الأمني بعمق خمسمائة متر، والمطاردة الساخنة لقوى المقاومة، ورفض ربط إطلاق العسكري الصهيوني الأسير بالتهدئة، والإصرار على تلازمه مع إطلاق سراح أسرانا الأبطال، قد حذف من جدول الطلبات والاشتراطات الصهيونية أهم البنود. كما أن الإصرار على ضرورة التسريع بوصول مواد الإعمار، والفتح الفوري للمعابر الآن- ولو بشكل جزئي- سيتيح لشعبنا توفير مقومات صموده في ظل قيادة وطنية مقاومة.

مع بدء المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة في كيان العدو، والتي سيكون فيها الثقل- كما تدل كل التوقعات- للقوى الأكثر عنصرية ودموية، ستبرز للسطح مجدداً، كما في العقود الأخيرة، أزمات متجددة في الاقتصاد، و«الأمن»، وفي علاقة الحكومة مع الجماهير العربية، التي يتم التعامل معها في ظل هيمنة حزب العمل أو كاديما- التي يحاول البعض تجميل وجهها العنصري القبيح- بالقوانين الفاشية الجائرة، مما سيفرض مهمات جديدة على عاتق القوى السياسية العربية داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 لمواجهة الحرب المفتوحة، العلنية والمباشرة، التي يخطط لها قادة دمويون ومهووسون بكره العرب، أمثال ليبرمان، ونتنياهو، ويشاي وسواهم. كما أن برامج هؤلاء للتعامل مع الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية المقاومة، ستفرض على هذه القوى ضرورة الإسراع في تشكيل الإطار التنسيقي/الجبهوي/ التحالفي الذي سيعمل على صياغة الخطوات البرنامجية لمواجهة المرحلة القادمة، بتشكيلات وأدوات تنظيمية وكفاحية، من اجل تحقيق أهداف شعبنا الراهنة والمستقبلية.