افتتاحية قاسيون 1131: في سورية: تكميم الأفواه جوعاً!
تم رفع الحد الأدنى للأجور في سورية في تموز 2021 إلى 71 ألف ليرة سورية، والآن وبعد سنتين من هذا التاريخ، بلغ 93 ألف ليرة سورية. فلننظر إلى هذه «الزيادة» من منظور القيمة الشرائية للعملة، ومن منظور سعر صرف الدولار.
- في تموز 2021، ووفقاً لمؤشر قاسيون الربعي، بلغت تكاليف سلة الاستهلاك الأساسية لأسرة من 5 أفراد: مليون و240 ألف ليرة سورية. أما في تموز من العام الحالي، 2023، فقد بلغت 4 مليون و100 ألف.
- في تموز 2021، كان سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، حوالي 3200 ليرة سورية للدولار الواحد. تموز 2023، سعر الصرف هو قرابة 10000 ليرة سورية للدولار الواحد.
- إذا افترضنا نسبة إعالة 2 لكل خمسة أفراد، فإنّ الحد الأدنى الرسمي للأجر في سورية، لعائلة من خمسة أفراد، قد «زاد» من تموز 2021 إلى تموز 2023، من 142 ألف إلى 186 ألف ليرة سورية.
- أما من وجهة نظر تكاليف المعيشة، فقد كان الحد الأدنى للأجر بالنسبة لعائلة من خمسة أفراد بمعيلين، يغطي عام 2021، 11.4% من التكاليف الأساسية للمعيشة، وبات يغطي الآن 4.5% من التكاليف الأساسية للمعيشة؛ أي أنّ الأجر قد انخفض فعلياً بنسبة 60%.
- من وجهة نظر سعر الصرف، كان الحد الأدنى للأجر يساوي 22 دولاراً، وبات يساوي 9.3 دولار. وهنا أيضاً، تظهر نسبة الانخفاض نفسها تقريباً؛ أي قرابة 60% من الأجر.
بين أهم الأسباب التي تقف وراء هذا التدهور الكارثي المستمر في معيشة السوريين، ما يلي:
أولاً: حجم الفساد الكبير الذي لم يتوقف عن التضخم طوال العقود الماضية، والذي ربما قد تكون قيمته المطلقة انخفضت خلال السنوات الأخيرة، لكن قيمته النسبية، أي حجم النهب الذي يقوم به من الناتج المحلي الإجمالي، قد ارتفعت بالتأكيد.
ثانياً: استمرار تقطّع أوصال البلاد، وتباطؤ وحتى شلل وتوقف العجلة الاقتصادية، في ظل تعطيل الحل السياسي.
ثالثاً: العقوبات والحصار الغربي، واللذان يصبان في مصلحة النخب المتنفذة الرافضة لتحويل هذه العقوبات إلى فرصة لاستقلال اقتصاد البلاد عن علاقات التبادل اللامتكافئ الناهبة مع الغرب.
رابعاً: السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة، والتي تجمعها «اللبرلة» وبأسوأ أشكالها وأكثرها نهباً؛ بما في ذلك من خصخصة «من الشباك»، أي بالاستيلاء على الأصول الثابتة لقطاع الدولة. إضافة إلى مواصلة عمليات رفع الدعم التي اقتربت من ختامها الذي ستنهي معه الدولة، أي دعم من أي نوع على الإطلاق. وطبعاً، يضاف إلى ذلك ربط الليرة السورية بالدولار المتراجع عالمياً؛ وبالملموس، دولرة الاقتصاد والسوق السوريين، وهو الأمر الذي يسمح للنخب بمراكمة مزيد من النهب عبر الليرة السورية، وباتجاه الدولار، وصوب الأرصدة في الخارج، وعلى أساس أسبوعي وربما نصف أسبوعي.
إنّ سياسة الأجور المتبعة في سورية، هي جزء من سلة متكاملة، ليس فيها شيء عفويٌ أو «أخطاء بريئة»، بل الأمر كله مقصود ويصب في الغايات الأساسية التالية:
أولاً: هي عملية نهب إضافية من أصحاب الأجور لمصلحة أصحاب الأرباح، وخاصة غير المشروعة منها. مع ذلك، فليست هذه هي الغاية العليا لهذه السياسات...
ثانياً: إنّ هذه السياسات تصب عملياً في تثبيت التقسيم، وفي تثبيت عملية تجريف الشعب السوري من أرضه.
ثالثاً: الحد الأدنى الذي تخدمه هذه السياسات، هي إنهاك المجتمع السوري إلى الحدود القصوى، بحيث لا يتمكن من رفع رأسه للمطالبة بأي شيء، لا سياسياً ولا اقتصادياً.
إنّ كل يوم إضافي يمر على السوريين في كارثتهم المتواصلة، يثبت أنه لا مخرج اقتصادياً من الأزمة الاقتصادية، بل المخرج سياسي وعبر الحل السياسي المستند إلى القرار 2254، فقط لا غير؛ لأنّ إعادة توحيد البلاد واستعادة كرامتها وقدرتها على الإنتاج وعلى الحياة، باتت تمر بالضرورة بتشكيل الإرادة السياسية اللازمة لذلك؛ وهذه الإرادة ليست موجودة قطعاً لدى النخب المتشددة من الأطراف السورية، بل لدى الشعب السوري المنهوب نفسه، والذي يشكل الحل السياسي، بدعم من مجموعة أستانا والصين والدول العربية الأساسية، وبالضد من الإرادة الأمريكية- الصهيونية، مدخله الأساسي نحو بلورة تلك الإرادة وتحويلها إلى واقع ملموس...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1131