قراءة في وثيقة «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم»
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

قراءة في وثيقة «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم»

يسجل لحزب الإرادة الشعبية وكوادره طرح وثيقة هامة جداً عنوانها «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم»، إلى جانب مشروع برنامجه ونظامه الداخلي للنقاش العام، في بادرة متميزة وشجاعة، أمام السوريين الذين يسعى الحزب لنيل اعترافهم به كإحدى القوى السياسية الهامة في البلاد.

لم تكن القضية الكردية يوماً قضية حقوقية فحسب، بل هي قضية إنسانية وطنية وطبقية بامتياز، كما ورد في الوثيقة التي تمكنت إلى حد كبير من تحليلها بشكل موضوعي والدخول إلى تفاصيها وربطها بإطارها العام، في محاولة جدية لمعرفة أبعادها، و«الإسهام في صياغة موقف وطني وأممي مبدئي، يقطع الطريق على الطروحات الإقصائية التمييزية أو الانعزالية أو التقسيمية، سواء من الإمبريالية، أم من ضيقي الفكر القومي كلهم، أياً كانت اصطفافاتهم».

حقائق لابد منها

في عام 1962، قامت حكومة الانفصال بإجراء إحصاء سكاني استثنائي لمحافظة الحسكة، المعروفة بغناها وتنوعها القومي والديني. جاء هذا الإجراء بناء على طلب بعض «الأغوات الأكراد» في حينه، والذين شكلوا وفداً تقدّم إلى حكومة الانفصال «بحجة وجود أكراد أجانب جاءوا من تركيا» لتحديد هوية المواطن وتحديد الأكراد الأجانب القادمين من تركيا! وتصحيح السجلات المدنية. وما كان من حكومة الانفصال إلا أن أصدرت قراراً يقضي «بإجراء إحصاء عام للسكان في محافظة الحسكة في يوم واحد، يُحدّد تاريخه بقرار من وزير التخطيط بناءً على اقتراح وزير الداخلية.» وهكذا تم الأمر، وتم تجريد الآلاف من المواطنين الأكراد السوريين الفقراء من الجنسية السورية، وانتزاع الأراضي التي حرثوها بعرقهم وأيديهم ودافعوا عنها بدمائهم ضد المحتل الفرنسي، إذ قاتل هؤلاء المستعمر الفرنسي وقاموا بالخدمة العسكرية قبل الوحدة بين سورية ومصر وأثنائها، وقبل حكومة الانفصال التي أخذت القرار!

كان من بين المجرّدين من الجنسية عدد من كبار السياسيين والعسكريين الأكراد السوريين مثل: عبد الباقي نظام الدين النائب والوزير في حكومات متعددة، وشقيقه اللواء توفيق نظام الدين رئيس هيئة الأركان السورية بين 1955 و1957. الأمر الذي يضع إشارات استفهام عديدة أمام هذا الإجراء؟!

الحرمان من الحقوق

لقد وُضع من أسقطت عنهم الجنسية والمكتومين ضمن خانة «أجانب المحافظة» في السجل المدني السوري، وقاسى هؤلاء الأمرّين، إذ لم يُمنحوا بطاقات هوية، ولم يكن يسمح لهم بالتملّك أو التسجيل في المدارس أو الزواج بشكل قانوني في المحاكم، إضافة إلى حرمانهم من حق حيازة جواز السفر، وبالتالي، عدم تمكنهم من السفر خارج البلاد، وحرمانهم من حق العمل لدى دوائر ومؤسسات الدولة، ومن حق الاستفادة من القروض التي تمنحها البنوك بشكل عام، والحرمان من الحقوق المدنية المنصوص عليها في الدستور، ومنها: حق الترشيح والتصويت. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا جرى تثبيت قرار الإحصاء وتنفيذه لاحقاً، بينما يفترض أن يتم كنس الآثار والتداعيات الصادرة عن القرارات التي أقرتها حكومة الانفصال، بعد الانقلاب عليها؟!

وقد استمر وضع المجردين من الجنسية على هذه الحال حتى 2011. إذ صدر، قرار يقضي بمنح الجنسية السورية للمسجلين كأجانب في سجلات محافظة الحسكة، ولكن لم تجر معالجة جميع تداعيات «التجريد من الجنسية» كتوزيع الأرض، ولا تقديم أي تعويض ماديّ ومعنويّ للمتضررين منه.

إن هذا الإحصاء الجائر بحق الفقراء من أبناء الشعب الكردي السوري هو مثال واحد من عدة أمثلة على التمييز والاضطهاد القومي الذي تعرض له الكرد السوريين. وهو يحمل بعمقه جذور اضطهاد من نوع آخر، اضطهاد طبقي مثلهم في ذلك مثل بقية الشعوب الأخرى التي جاورتهم في الشرق العظيم. ولكنه تميز بالنسبة لهم بدرجة عالية من الشدة واستخدام البعد القومي بهدف تأجيج مشاعر التعصب القومي، والقومي المضاد، لدى أبناء سورية، الذي يناقض مصالحهم الحقيقية في التعايش والتآخي والتلاحم ضد مضطهديهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1130
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:38