افتتاحية قاسيون 1115: هل نحن متفائلون؟

افتتاحية قاسيون 1115: هل نحن متفائلون؟

«إنّ تغييراً لم يحدث منذ 100 عام، يجري حالياً، ونحن نقود معاً هذا التغيير»؛ كذلك قال الرئيس الصيني أمام الكاميرات للرئيس الروسي مع نهاية الزيارة الأولى الخارجية له بعد أيامٍ من إعادة انتخابه رئيساً للصين لولاية ثالثة.

ليس مستغرباً أنّ هذه الجملة، وبعدها موافقة بوتين عليها، قد تحوّلت إلى الجملة الأكثر نقاشاً على الإطلاق في كل وسائل الإعلام في كل العالم؛ فعدا عن أنّ هذا النوع من التصريحات يكون معداً مسبقاً، فإنّ مضمونه يخص كل بقعة من بقاع العالم، بل وكل إنسان.

100 عامٍ إلى الوراء، تعني الإشارة إلى التحول الأكبر الذي جرى خلال القرن العشرين مع انتصار ثورة أكتوبر عام 1917 ومن ثم انتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية عام 1945، الأمر الذي فتح الباب لعدد كبير من بلدان العالم نحو التحرر من الاستعمار، ونحو الانتقال خطوات إلى الأمام على كل الصعد، بما في ذلك الصين نفسها التي استندت في صعودها الأول بشكل كبير إلى ما قدمه لها الاتحاد السوفييتي من تكنولوجيا ومساعدة، بما في ذلك التكنولوجيا النووية.

التحول العالمي الجاري، في أحد مستوياته، يعبر بالفعل عن انتقال لم يجر منذ مئة عام، ولكنه يعبر في مستويات أخرى، بينها المستوى الجغرافي السياسي، عن انتقال لم يجر على الأقل منذ 250 إلى 500 عام؛ نقصد بذلك مجموعة تحولات جيوسياسية ربما بين أهمها تحولات طرق التجارة العالمية، والتحول في تموضع مراكز الإنتاج عالمياً.

إنّ مجرد محاولة تعداد الساحات والقطاعات التي يتلقى الغرب فيها الصفعات، باتت مسألة صعبة، بحيث يحتاج حصر الصفعات إلى تحديثٍ مستمرٍ على أساس يومي. ولكن لا مانع من الإشارة السريعة إلى الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، الوضع المأزوم للكيان الصهيوني والمستمر في التأزم والتعمق بشكل غير مسبوق إطلاقاً، عمليات الاستهداف المباشر للوجود العسكري الأمريكي في سورية وفي المنطقة، إضافة إلى الاستهداف المستمر السياسي، الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية، الأمريكية والأوروبية، والتي ما تزال في بدايتها فقط، وستقود إلى مستوىً من التأزم أعلى وأعمق بما لا يقاس من ذاك الذي جرى عام 2008.

كان السوريون بشكل عامٍ قد تفاءلوا خيراً بالخطوات التي سارتها التسوية السورية التركية، ومن ثم شعروا بقدرٍ من الإحباط مع وضوح وجود محاولات عرقلة جديةٍ لها. وهذا ليس إلا مثالاً من أمثلةٍ كثيرة على التقلب في الأمزجة بين التفاؤل والتشاؤم على أساس المعطيات اليومية.

إنّ فهم عمق هذا التقلب في المزاج بين التفاؤل والتشاؤم، والفارق بينه وبين التفاؤل الثوري، هو أمرٌ شديد الأهمية بالنسبة للمناضلين الحقيقيين باتجاه عالمٍ جديد، وللمناضلين في سورية لإخراجها من كارثتها وإعادتها للحياة وإعادة بنائها.

إنّ ما ينبغي النظر إليه، هو الاتجاه العام الذي تسير وفقه الأمور، وهذا الاتجاه يؤكد صحة كلّ ما قلناه بشكل استباقي خلال عشرين عاماً حول الوضع الدولي واتجاهات تطوره.

لا يمكن أن يكون الثوري ثورياً دون أن يكون متفائلاً. ولكن التفاؤل الثوري ليس تفاؤلاً من النمط «البرجوازي الصغير»، الذي يتعامل مع أحداث التاريخ كطفلٍ نزق لا يحتمل صِعاباً ولا خسائر، ويريد نضالاً بقفازات، نتيجته صعودٌ مستمر دون أية تراجعات جزئية، وكأن المسألة ورقة يانصيب، إما أن تربح أو تخسر فتُرمى ويجري البحث عن غيرها...

التفاؤل الثوري، يأخذ بالاعتبار أنّ التحولات الكبرى التي تجري لا تنسف الطبقات السائدة وسلطاتها وثقافتها فحسب، بل وتنسف كل طريقة العيش السابقة في سياق بناء طريقة العيش الجديدة، وتنسف بشكلٍ خاص الراحة الخاملة والكسولة للفئات الوسطية وخاصة «المثقفين»، ولذا ليس غريباً أن ترى هؤلاء بين الأكثر تكذيباً للواقع، والأكثر تغافلاً عن حقائقه، لا لشيءٍ إلا لأنّ ذلك وسيلة من وسائل الإنكار التي يدافعون بها عن تهافت وانهيار حياتهم السابقة.

التفاؤل الثوري، يعني رؤية واضحة علميةً للاتجاه العام للأحداث، ولكن أيضاً وعلى طول الخط، نضالاً دؤوباً يومياً مستمراً بكل الأشكال والسبل لتسريع التحول المطلوب وتقليل عذابات الناس خلال ذلك التحوّل؛ التحوّل القادم ضمن الأفق المنظور على المستوى العالمي والإقليمي وعلى مستوى سورية باتجاه تغيير جذري شامل للنظام القائم بدءاً بتطبيق القرار 2254 بكامل بنوده، وفي ظل تعاونٍ بين أستانا والصين وربما دول عربية أساسية.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1115
آخر تعديل على الأحد, 26 آذار/مارس 2023 20:04