ملامح عن عُمق أزمة الكيان الصهيوني... في إعلامه
توقف مركز دراسات قاسيون في مادة سابقة من جزأين، عند محاور أساسية لأزمة الكيان الصهيوني: «الكيان الصهيوني، عشرة محاورة لأزمة شاملة واحدة» (الجزء الأول، الجزء الثاني).
في هذه المادة، نستعرض على لسان الصحافة «الإسرائيلية» و«الأمريكية»، خلال الأسابيع القليلة الماضية، كيفية تعبيرها عن هذه الأزمة، ضمن محورين، لا يمكن في الحقيقة الفصل بينهما إلا شكلياً؛ الأول: هو جانب من أزمة الكيان الداخلية المتمثل بالصراع السياسي وتراشق الاتهامات حول احتمالات الذهاب إلى حرب أهلية ومن المسؤول عنها. والثاني: هو عن طبيعة العلاقة بين «إسرائيل» والولايات المتحدة، والتي تدخل مرحلة أشد تعقيداً ما يطفو على سطحها الآن، هو تناقض بين السلطة الأمريكية وبين حكومة نتنياهو، وما يخفى أكبر وأعمق...
الأزمة الداخلية في الكيان
نشرت «تايمز أوف إسرائيل» في 20 آذار 2023، مقالة عن تبادل الاتهامات بين نتنياهو (رئيس الوزراء) واسحاق هرتسوغ (الرئيس) حول من الذي يتصرف بطريقة تجعل «البلاد تواجه خطر حرب أهلية حقيقية» وتتضمن المقالة كلاماً حول الوصول إلى مرحلة «تمزيق المجتمع الإسرائيلي بعمق». وكان هرتسوغ قد قدم مقترحاً وقال عندما قدمه محذراً «من أن البلاد تواجه خطر حرب أهلية حقيقية». وفق المقالة، فإن بعض المصادر قالت: إن «نتنياهو انتقد هرتسوغ، محذراً المقربين منه بأنه في حالة اندلاع حرب أهلية، فإن «يدي هرتسوغ ستكون ملطخة بالدماء».
وكان هرتسوغ قد قال حول الموضوع في وقت سابق ووفق مقالة لـ «تايمز أوف إسرائيل» في 15 آذار 2023، بعنوان «هرتسوغ يحذر من اندلاع حرب أهلية ويعلن عن إطار عمل لإصلاح القضاء ورئيس الوزراء يرفضه»
«أولئك الذين يعتقدون أن الحرب الأهلية الحقيقية، والتي ستودي بأرواح بشرية، هي حدود لن نعبرها، ليست لديهم أدنى فكرة عما يجري... الهاوية على مسافة قريبة». وبحسب المقالة، فإن هرتسوغ قال: إنه سمع «كراهية حقيقية وعميقة»، وأن فكرة الدم في الشوارع، «لم تعد صادمة» بالنسبة لأولئك الذين يحملون تلك الكراهية.
في مقابلة أجرتها وكالة «كيبا» في 22 آذار مع نائب قائد الأسطول الثالث عشر السابق للكيان، وعند سؤاله عما إذا كان صحيحاً أنه قال: إنه إذا لم تحدث التغييرات المطلوبة فإنّ حرباً أهلية ستندلع في «إسرائيل»، أجاب: «لا... أنا قلت إن هذه الحكومة تقودنا إلى حرب أهلية، وإلى حرب مع العدو الخارجي. ليس من الضروري أن تكون الحرب من خلال إطلاق النار. برأيي، نحن في حرب أهلية منذ عدة سنوات».
ونشرت جهة إعلامية في الكيان تدعى «سروغيم» مقالة قبل أقل من أسبوعين بعنوان «النموذج الإسرائيلي ينهار: الحرب الأهلية هنا»، وورد فيها «إسرائيل عند مفترق طرق حرج– والمأساة هي أن كلا الجانبين ليس لديهما إجابات جيدة لحل الوضع الذي نشأ. ربما يكون هذا هو ثمن القمع، والآن، وهو على وشك الانفجار، قد تكون النتيجة عنيفة/عسيرة/قاسية للغاية».
أزمة الكيان مع أمريكا
وفق بعض المصادر، ومنها صحيفة «ذا ناشيونال»، وفي مقالة بتاريخ 17 آذار 2023، فإن الولايات المتحدة تدعم مقترح هرتسوغ، وتقف ضد خطة نتنياهو، حيث ورد في المقالة أن «الدعم الأمريكي لخطة السيد هرتسوغ يأتي في الوقت الذي اقترح فيه السناتور الديمقراطي الرئيسي كريس مورفي يوم الخميس، أنه لا ينبغي لإدارة بايدن أن تستبعد وضع شروط على المساعدة الأمريكية لإسرائيل إذا واصلت حكومة نتنياهو «هجومها» على حل الدولتين، وهو خطة قائمة منذ فترة طويلة لإنهاء الصراع بين اسرائيل وفلسطين».
في مقالة مثيرة للانتباه نشرتها مجلة «نيوزويك» في 24 آذار 2023، بعنوان «الانقلاب الشرير لإدارة بايدن على إسرائيل»، نرى صورة واضحة من صور انعكاس الانقسام ضمن النخبة الأمريكية على الانقسام ضمن الكيان، وعلى طريقة التعاطي مع هذا الانقسام؛ حيث تدافع المقالة عن اتجاه نتنياهو وبشكل ما ضد اتجاه هرتسوغ، ولكن أيضاً تسعى للدفاع عن الكيان ككل في وجه الولايات المتحدة الأمريكية نفسها! فلنقرأ بعضاً مما تقوله المادة في ذروة الهستيريا التي تصل إليها كاتبة المقالة، وهي صحفية «إسرائيلية» ولدت في الولايات المتحدة، وفي مرحلة من حياتها هاجرت إلى الكيان، وخدمت في جيش الاحتلال، ثم عادت إلى الولايات المتحدة. تقول الكاتبة: «نشرت وزارة الخارجية تقريرها لعام 2022 حول ممارسات حقوق الإنسان. قسمها الخاص بإسرائيل ليس مجرد معادٍ– بل وعملياً يرفض شرعية حق إسرائيل في الوجود؛ إذ يهاجم تقرير وزارة الخارجية إسرائيل لأنها تحرم الإرهابيين الفلسطينيين من مغادرة السجون. إنه يهاجم إسرائيل لمحاربتها الإرهاب. كما يهاجم إسرائيل لمنع الهجرة غير الشرعية غير المقيدة».
في اليوم نفسه، نشرت «سي إن إن» مقالة حول نأي أعداد متزايدة من اليهود الأمريكان بأنفسهم عن حكومة الكيان، وبينما ركزت المقالة على ربط هذا بتصريحات وزير المالية «الإسرائيلي»، إلا أنها قالت: إن «هذه الحلقة هي أحد أعراض اتساع فجوة القيم بين العديد من اليهود الأمريكيين وإسرائيل، مع تحول الدولة اليهودية إلى اليمين»، ولكن المقالة نقلت عن توماس فريدمان قوله: إن «الحقيقة... هي أن مصالح اليهود الأمريكيين وإسرائيل كانت متباينة لسنوات عديدة، لكن تم التستر على ذلك». كما سلطت المقالة الضوء على بعض الإحصاءات المرتبطة باليهود الأمريكان (وهذه إحصاءات من 2020 و2021) حول تراجع الارتباط بالكيان واعتباره دولة عنصرية ودولة فصل عنصري. وكانت هذه المعلومات تمهيداً لفكرة أنه على الأغلب «يمكن أن تساعد في تشجيع صانعي السياسة على اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل» دون الخوف من ردة فعل عنيفة. كما أشارت المقالة إلى استطلاعات الرأي التي أظهرت «أن النسب الأخيرة من الأمريكيين المتعاطفين مع الإسرائيليين هي الأدنى منذ عام 2005».
بينما نفت صحيفة «هآرتس» في مقالة في 24 آذار أن هناك أية مشاكل بين أمريكا والكيان، بقولها: «على الرغم من قيام كبار المسؤولين الأمريكيين بتصعيد انتقاداتهم علناً للانقلاب القضائي للحكومة الإسرائيلية، وللسياسة الإسرائيلية بشكل عام، لا يوجد توتر في العلاقات بين الاثنين».
هناك كذلك الكثير من المقالات خلال الأسبوعين الماضيين حول علاقة أمريكا مع الكيان، ومنها مقالة لمجلة «تايم» ترى أن الرابطة بين الطرفين والتي كانت «غير قابلة الكسر» باتت مهددة تحت الضغط. ومقالة لمجلة «فورين بوليسي» تقول: إن العلاقة بين أمريكا والكيان لم تعد منطقية.
ونوهت مقالة في «جيروزاليم بوست» إلى أن معظم «الإسرائيليين» على الأغلب لم يكونوا ليلاحظوا أو يهتموا بموضوع إبطال القانون، وأنه لم يكن ذا أهمية لو لم يستدع الأمريكان السفير «الإسرائيلي» في واشنطن. (ما يعني أن الحادثة لم تكن بتلك الأهمية، وأن الاستدعاء له خلفيات وأسباب أخرى أهم)، وهذه الإشارة التي تقدمها هذه المادة صحيحة إلى حد غير قليل، على الأقل من حيث ترتيب الأحداث، وترتيب تصاعدها؛ فاستدعاء الولايات المتحدة السفير «الإسرائيلي» بما يخص هذه المسألة، قد مثل على ما يبدو أمر عملياتٍ وشارة بدءٍ لما نراه اليوم من العملية التي سمتها تايمز أوف إسرائيل «تمزيق المجتمع الإسرائيلي بعمق»...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1115