افتتاحية قاسيون 1101: خصخصة المحروقات والـ «خطوة مقابل خطوة»!

افتتاحية قاسيون 1101: خصخصة المحروقات والـ «خطوة مقابل خطوة»!

جرى خلال الأيام الماضية تمرير قرارٍ يسمح لشركة خاصة بالدخول إلى سوق توزيع المحروقات عبر عدة محطات جرى الإعلان عن بعضٍ منها على أن يتم إعلان غيرها في وقت لاحق، وجرى ذلك تحت ذريعة الحاجة إلى «تقديم حلول للمواطن» في خضم أزمة شاملةٍ أحد أهم معالمها هي أزمة الكهرباء وأزمة المواصلات وأزمة المحروقات.

وكما هي العادة مع كل الإجراءات التي تقوم بها الحكومات السورية المتعاقبة، والتي يجري تقديمها تحت شعار مصلحة المواطن، فهذا الإجراء أيضاً هو بالضد من مصلحة 90% من السوريين.

بدايةً، ولمن يحاول القول: إنّ السماح لشركة خاصة بتوزيع المحروقات ليس خصخصة، ينبغي التذكير بأنّ دخول شركة خاصة لهذا القطاع، يعني إنهاء حصرية واحتكار شركة القطاع العام سادكوب، ويعني فتحاً للباب على إنهائها هي نفسها وبشكل كامل مع الوقت.

إذا كانت أزمة المحروقات طوال سنوات، وخلال الأشهر الأخيرة خاصة، يجري تعليقها على العقوبات والحصار حصراً، فإنّ استغلالها للوصول إلى قرار الخصخصة هذا، يفتح الباب للتفكير جدياً، بأنّ جزءاً من الأزمة الأخيرة على الأقل، هو مفتعلٌ تمهيداً لتمرير الخصخصة بوصفها «العلاج بالكي»، بل وبوصفها «مطلباً شعبياً»، كما سبق أن وصلت الأمور بوسائل إعلام رسمية أيام تم رفع سعر الخبز، بأن تصور الأمر وكأنه استجابة لمطلب المواطنين!

ما أثبتته الأيام التي مرت بعد القرار، وما ستثبته الأيام القادمة أكثر، هو أنّ الخصخصة لم ولن تحل الأزمة الراهنة، بل وحتى لن تخفف منها، وعلى الأغلب فإنها ستزيدها عمقاً؛ فاستلام شركة خاصة للتوزيع لن يحل الجانب الخارجي من المسألة المتعلقة بكيفية توفير المادة، ولكنّه بالتأكيد سيزيد أرباح مورديها. أسوأ من ذلك، أنّ تسليم رقاب الناس للموردين الخاصين وأسعارهم، ومن وراءهم من متنفذين بطبيعة الحال، يعني تسليم الاقتصاد السوري بأكمله لأيدي هؤلاء الموردين؛ فالمحروقات لا تعني النقل والتدفئة فحسب، بل وأيضاً الزراعة والصناعة، وأسعار المنتجات على اختلافها، وسلب قطاعٍ بهذه الأهمية من يد الدولة، يعني سلب القليل المتبقي في يدها من أدوات للتدخل بالسوق، ولتحفيز الإنتاج، ولحفظ الأمن الغذائي، وتالياً السياسي، علماً أنّ مؤسسات الدولة لا تلعب هذا الدور حالياً على كل حال.

لا يمكن تفسير هذه الخطوة الجديدة بأن هدفها مقصور على تحقيق مزيد من الأرباح للقلة الناهبة، مع أنّ هذا جزء من الأسباب. ما نعتقد أنه أكثر أهمية هو الأمران التاليان:

أولاً: تشكل خصخصة قطاع توزيع المحروقات، خطوة إضافية ضمن التنفيذ المتواصل لبرامج صندوق النقد والبنك الدوليين، وضمن اللبرلة الكاملة للاقتصاد السوري، وربما يكون المعنى السياسي لهكذا إجراء، أنه خطوة في إطار الـ «خطوة مقابل خطوة» بوصفه المشروع الأمريكي والغربي المعلن في سورية.

ثانياً: الهدف بعيد المدى من خصخصة قطاع بهذه الأهمية، هو أنّ أولئك الذين يضعون يدهم عليه، يخططون لا للحاضر فقط بل وللمستقبل أيضاً، ويعتقدون أنّ إمساكهم بقطاعات حيوية ضمن الاقتصاد السوري، سيسمح لهم بالتحكم اللاحق ليس باقتصاد البلاد فحسب، بل وبسياستها في نهاية المطاف... أي أنهم يحاولون تأبيد نفوذهم عبر طرق «فنية».

إنّ شتى المحاولات التي يدفع باتجاهها أصحاب النفوذ المالي الكبير، والسياسي الكبير تالياً، لن تضمن لهم شيئاً في مستقبل سورية؛ فكل أنواع الإجراءات في مرحلة كالتي تعيشها البلاد قابل للعودة عنه في مرحلة لاحقة، ناهيك عن أنّ الاستمرار بهذا النوع من الإجراءات التي تعمق أزمات السوريين وتشل البلاد بأسرها، تحمل مخاطر كبرى على استمرار البلاد نفسها، ليغدو الرهان على مستقبل البلاد رهاناً عليها وعلى وجودها.

كل ذلك يعيد التأكيد على أنّ المطلوب في سورية، ليس فقط «عملية سياسية» تكون شكلاً من التوافق والتحاصص بين أطراف سياسية، بل المطلوب تغيير جذري شامل على أساس القرار 2254 للطبيعة الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية لكل من النظام والمعارضة على حدٍ سواء، واللذان أثبتا بما يكفي ويزيد، أنّهما يمثلان معاً فئة الـ10% من السوريين أو أقل، بينما يغيب تمثيل 90% من السوريين، الذين هم وحدهم أصحاب المصلحة في التغيير الحقيقي.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1011
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2022 21:40